Chapter Thirteen: دروس الاستسلام و الظلام
عاد دومينيك إلى شقته وهو يحمل كتاب "فن الخضوع: دليل المبتدئين" وكأنه يحمل سراً خطيراً، أو قنبلة موقوتة. كانت ثقيلة بين يديه، غلافها الجلدي الأسود يبعث برودة غريبة. لم يتردد. جلس على كرسيه المفضل، وفتح الصفحة الأولى.
كانت الكلمات الأولى في الكتاب ترحيباً مباشراً بالقارئ، تصف عالم BDSM لا كشذوذ أو مرض، بل كطريق للتحرر، وممارسة للثقة، واستكشاف عميق للذات. كانت لغته واضحة، دقيقة، وأحياناً شعر دومينيك أنها تخاطب أعمق زواياه المخفية. بدأ يقرأ عن المفاهيم الأساسية: الهيمنة (Dominance)، والخضوع (Submission)، والربط (Bondage)، والانضباط (Discipline)، وغيرها. كل مصطلح كان يفتح أمامه نافذة على جانب جديد من عالمه الداخلي، عالماً لم يكن يعلم بوجوده.
قرأ لساعات، مستغرقاً تماماً. كانت بعض الأفكار تثير لديه شعوراً بالاشمئزاز الأولي، لكن الكثير منها كان يثير فيه فضولاً جامحاً، وشعوراً بالاعتراف. كان الكتاب يتحدث عن التنازل الواعي عن السيطرة كشكل من أشكال القوة، وعن المتعة التي يمكن أن يجدها الخاضع في الثقة المطلقة بالمهيمن. كانت هذه الأفكار تتماشى مع ما شعر به في غرفة ديمون بلاكوود. تلك النشوة، ذلك التحرر الغريب الذي شعر به عندما استسلم.
"الخضوع ليس ضعفاً، بل قوة في التسليم،" قرأ بصوت هامس. كانت تلك الجملة تتردد في ذهنه. هل هذا ما كان عليه طوال حياته؟ شخص يتوق إلى التوجيه، إلى الأيدي التي توجهه، ليجد راحة في ترك المسؤولية؟
ومع كل صفحة، كان ديمون بلاكوود ينمو في خياله، يصبح أكثر وضوحاً كالشخص الوحيد الذي يمكنه أن يقوده في هذا العالم. لم يكن الأمر يتعلق بالمتعة الجسدية وحدها، بل بالارتباط العميق، بالثقة المطلقة التي يطلبها ديمون بلاكوود والتي بدا دومينيك مستعداً لتقديمها. كان يدرك الآن أن هذا الكتاب ليس مجرد معلومات؛ إنه خريطة للعلاقة التي دخلها.
في إحدى الليالي، في قلب أوريليا، كان ليو في نادٍ ليلي
مرت الأيام على ليو، محاصراً بين جدران شقته، وشبح ديمون بلاكوود. لكن ليو، بطبيعته الاجتماعية، لم يستطع تحمل العزلة طويلاً. كان بحاجة إلى التواصل، إلى أن يشعر بالحياة، حتى لو كان ذلك يعني المخاطرة. وفي ليلة خميس، قرر أن يذهب إلى أحد النوادي الليلية البارزة في أوريليا، ليس أي نادٍ، بل واحداً كان قد سمع عنه في السابق، ويُعرف بكونه مكاناً يرتاده مجتمع BDSM، ولكن بطريقة غير رسمية، أكثر كبار.
عندما دخل النادي، غمرته الأضواء الخافتة الملونة، وصوت الموسيقى النابض الذي يملأ المكان، ورائحة العطور والجلد. كان المكان مزدحماً، الناس يرقصون، يتحدثون، يضحكون. رأى أزواجاً يتبادلون النظرات العميقة، وآخرين يرتدون ملابس جريئة، لكن الأجواء كانت مريحة بشكل مدهش، خالية من الحكم. لم يكن هذا "الروم" الخاص بديمون بلاكوود، المعتم، المحكم. كان هذا عالماً مفتوحاً، متحرراً.
شعر ليو ببعض الراحة في البداية، وكأن وزناً قد أزيح عن صدره. كان يتجول، يراقب الناس، يحاول أن يفهم. هل هذا ما يراه دومينيك؟ هل هذا ما يجذبه؟ بينما كان يحتسي مشروباً في زاوية منعزلة، كان يحاول تحليل المشهد، محاولاً ربط ما يراه بالصدمة التي تعرض لها.
فجأة، شعر بوجود خلفه. كان شخص يقف قريباً جداً. التفت ليو ليرى رجلاً أطول منه قليلاً، بملامح جذابة وعينين ودودتين. كان الرجل يرتدي قميصاً مفتوح الأزرار يكشف عن سلسلة فضية حول رقبته.
"تبدو جديداً هنا،" قال الرجل بصوت دافئ، وابتسامة خفيفة. "اسمي مارك."
"ليو،" أجاب ليو، صوته كان أكثر برودة مما كان يقصد. شعر مارك هذا وكأنه منفتح جداً، بينما ليو كان لا يزال مغلفاً بطبقات من الحذر والتردد.
"هل أنت هنا للبحث عن شيء معين؟" سأل مارك، وعيناه تحملان فضولاً حقيقياً. بدا وكأنه مهتم حقاً.
شعر ليو بلحظة من التردد. كان مارك جذاباً، ويبدو لطيفاً، ويظهر اهتماماً به. كان هذا ما يحتاجه ليو، شخص مهتم، غير ديمون بلاكوود. لكن شيئاً ما بداخله انقبض. كانت ذكرى الأيدي التي أمسكت به، والوجه البارد الذي أذله، تومض في ذهنه. لم يكن قادراً على الثقة. لم يكن قادراً على الانفتاح. كانت جروحه أعمق من أن تلتئم بابتسامة دافئة.
"لا، أنا فقط... أتجول،" قال ليو بحدة، وهو يتراجع خطوة. "أنا لست مهتماً."
بدت خيبة الأمل على وجه مارك، لكنه أومأ برأسه باحترام. "حسناً. استمتع بليلتك."
ابتعد مارك، وعاد ليو إلى وحدته، وشعر بضغط غريب في صدره. كان قد رفض شيئاً كان يمكن أن يكون لطيفاً، شيئاً كان يمكن أن يشفيه. لكنه لم يستطع. كان شيئاً ما بداخله يصرخ بالتحذير، بالبقاء بعيداً، بعدم الوثوق.
ولم تكد الدقائق تمر، حتى شعر ليو بتغير مفاجئ في جو النادي. تباطأت الموسيقى قليلاً، وتوقفت بعض المحادثات، وتوجهت بعض الرؤوس نحو المدخل. كان هناك صمت غريب، قصير، ثم همس خافت انتشر بين الحضور. لم يكن هناك صراخ، بل مجرد إدراك جماعي لشيء قوي وغير متوقع.
شعر ليو بقشعريرة باردة تسري في عموده الفقري قبل أن يرى. ثم، رأى ديمون بلاكوود.
كان ديمون يتقدم عبر الحشد ببطء وثبات، وكأنه ملك يخطو في مملكته. لم يكن يرتدي بذلته الرسمية، بل قميصاً أسود حريرياً مفتوحاً قليلاً عند الصدر، وسروالاً داكناً يناسب جسده المثالي. كانت عيناه الرماديتان الباردتان تتفحصان المكان، تخترقان الظلال والأضواء الخافتة، تبحثان عن شيء محدد.
شعر ليو بأن قلبه توقف عن النبض. حاول أن يختبئ في الظل، أن يصبح غير مرئي، لكنه كان يعلم أنه لا جدوى. كانت عينا ديمون بلاكوود الثاقبتان تستقران عليه، تقفلان عليه كما يفعل المفترس بضحيته.
تقدم ديمون مباشرة نحو ليو، متجاهلاً النظرات الفضولية، وكأن لا أحد آخر موجود في الغرفة. توقف على بعد خطوات قليلة، ونظر إلى ليو بابتسامة خافتة، لمسة ناعمة تكاد تكون شفافة، لكنها كانت تخفي خلفها فولاذًا باردًا.
"ليو،" قال ديمون بلاكوود بصوت هادئ، ناعم تقريباً، لكنه كان يرتجف في أذني ليو كصوت رعد بعيد. "ما الذي أتى بك إلى هنا؟ اعتقدت أن الأمور كانت واضحة بيننا."
كان ليو يرتجف، بالكاد يستطيع الوقوف منتصباً. "أنا... أنا فقط... كنت أتجول،" تمتم، صوته ضعيف ومكسور.
انحنى ديمون بلاكوود قليلاً، خفض رأسه إلى مستوى أذن ليو، وهمس بنبرة بالكاد مسموعة، لكنها كانت تحمل وزناً هائلاً: "إنني أقدر مساحتك الشخصية يا ليو. ولكني أيضاً أقدر النظام، وأهمية أن يفهم كل منا دوره. لقد أوضحت لك مسبقاً أن تدخلك ليس محل ترحيب. هذا لا يزال ينطبق عليك أينما كنت، مع من كنت. هل هذا واضح؟"
ارتجف ليو، وشعر بأن قدميه تخذلانه. لم يكن ديمون بلاكوود يهدده بالصراخ أو الغضب، بل بنبرته الواثقة والمهذبة التي لا تترك مجالاً للشك. لقد كان يخبره أنه لا يزال ملكه، لعبة في يده، وأن محاولاته للانفصال عن عالمهما كانت عبثاً.
"هيا يا ليو،" قال ديمون بصوت ناعم، لكنه كان أمراً لا يقبل الجدل. "لنذهب إلى مكان أكثر خصوصية، حيث يمكننا أن نلعب."
لم يكن هناك خيار. لم يستطع ليو أن يرفض. تبع ديمون بلاكوود عبر النادي، وكأنه عبد يسير خلف سيده. كان كل خطوة بمثابة اعتراف بالهزيمة، وتأكيد على أن ديمون بلاكوود كان دائماً على حق.
في غرفة خاصة، لم تكن تشبه غرفة "اللعب" المظلمة التي رآها من قبل، بل كانت فسيحة ومزينة بذوق رفيع، وقف ديمون بلاكوود والتفت إلى ليو.
كانت عينا ديمون بلاكوود تراقبان ليو، تدرسان كل تفصيلة في وجهه الشاحب، وكل رعشة في جسده. لم يكن هناك غضب، بل هدوء قاسٍ. مد يده، وببطء متعمد، أزاح شعر ليو عن جبهته، ثم تتبعت أصابعه خط فكه، وصولاً إلى ذقنه، ليرفع رأسه بلطف، مجبراً ليو على أن ينظر إليه مباشرة. كانت لمسة خفيفة، لكنها كانت كالحبل الذي يربط ليو، يمنعه من النظر بعيداً. كانت عينا ليو، المملوءة بالرعب، تجولان في الغرفة، تبحثان عن أي مهرب، لكنهما لم تجدا سوى أثاث فاخر وجدران عازلة. شعر بضيق في صدره، وبأن الهواء قد نفد من رئتيه.
"لا تزال تبدو متعباً يا ليو،" همس ديمون، صوته ناعم، لكنه كان يبعث بقشعريرة في روح ليو. "لا تزال تشعر بآثار آخر لقاء لنا، أليس كذلك؟" كانت تلك الكلمات لا سؤالاً، بل تأكيداً على معرفته التامة بحالة ليو، واعترافاً ضمنياً بأن هذا اللقاء كان تذكيراً مقصوداً. "لن نكرر ذلك الجانب اليوم. سأكون لطيفاً."
خطا ديمون خطوة للأمام، وأصبح قريباً جداً من ليو. مد يده، وأصابعه الطويلة، ببطء شديد، بدأت تلامس حافة قميص ليو. لم يسحب، بل مجرد لمسة خفيفة، ثم بدأ ينزلها ببطء، حبة حبة، تاركاً كل زر يفتح بهدوء. كانت الحركة متعمدة، تعرض جسد ليو ببطء للعرض. كانت عينا ديمون لا تفارقان عيني ليو، يراقبان كل انقباضة في عضلاته، كل رفة جفن. شعر ليو بالعار يحرق وجهه. كان جسده يرتجف لا إرادياً، لكنه لم يستطع التحرك. كان ديمون بلاكوود يجرد منه كل حصن، ليس بالقوة، بل بلمسة حازمة وهادئة تجعل المقاومة تبدو سخيفة. عندما أصبح قميصه مفتوحاً بالكامل، انزلقت يد ديمون ببطء، لتلامس بطن ليو، ثم تتجه صعوداً لتلمس صدره، ثم ذراعيه، كأنما كان يرسم خريطة لجسده، يمتلك كل بوصة فيه. كانت يده لا تضغط، لكنها كانت تخبر ليو أنه مكشوف تماماً، تحت رحمته.
"اجلس على هذا، يا ليو،" أمر ديمون، مشيراً إلى كرسي جلد أسود، مريح المظهر، لكنه بدا لليو ككرسي كهربائي. كانت نبرة صوته تحمل لمسة رقيقة، لكنها كانت أمراً لا يطاق عصيانه. جلس ليو ببطء، وجسده متهالك، وعيناه لا تفارقان ديمون.
اقترب ديمون بلاكوود، ومد يده بهدوء، وأخذ وشاحاً حريرياً ناعماً جداً كان موضوعاً على طاولة جانبية. لم يكن سميكاً، بل خفيفاً، وكأنه سحابة. رفع الوشاح ببطء، ثم لفه بلطف شديد حول معصمي ليو، ليربطهما معاً، في حركة أشبه بالمداعبة منها بالتقييد. كانت العقدة فضفاضة، يمكن لليو أن يفكها بسهولة، لكنه لم يفعل. كانت هذه اللعبة كلها تدور حول الخضوع النفسي، لا الجسدي.
"هذا يذكرنا بما حدث، أليس كذلك يا ليو؟" همس ديمون، وهو يمرر أصابعه بلطف فوق الوشاح المربوط. "كيف كان من السهل جداً أن أتحكم بك، حتى عندما اعتقدت أنك قوي. أنت ضعيف، يا ليو. هذا ليس حكماً، بل حقيقة."
شعر ليو بدموع ساخنة تترقرق في عينيه. كان ديمون بلاكوود يرى روحه العارية، ويصفها بكلمات باردة ودقيقة. كانت يده حرة لتضغط على أي زر، لكنها لم تتحرك. كان يعرف أن هذا ليس مجرد تهديد آخر، بل هو إعادة تأكيد لوضعه كـ"لعبة" في يد ديمون.
ثم، انزلقت يد ديمون ببطء إلى أسفل ظهر ليو، لتمسح بلطف، ثم تضغط برفق، على مؤخرته، تحديداً على المنطقة التي كانت قد تلقت الضربات. لم يكن الضغط مؤلماً، بل كان تذكيراً بارداً، عميقاً. تذكيراً بالجروح، وبالسلطة، وبالسيطرة التي لا تتلاشى. كانت يده لا تزال خفيفة، لكن ليو شعر بكل رعشة في أصابع ديمون، كأنها تخبره بأنها تتذكر كل ضربة، وكل ألم. استمرت اليد في مداعبة المنطقة برفق، صعوداً وهبوطاً، في حركة كانت يجب أن تكون مريحة، لكنها كانت مرعبة، لأنها كانت تأكيداً على امتلاك ديمون لجسده، حتى في ضعفه.
"أنت ملكي يا ليو،" همس ديمون، وصوته أصبح أعمق قليلاً. "وكلما حاولت أن تنسى، كلما سأذكّرك. هذا هو مصيرك. لا يمكنك الهروب مني."
في تلك اللحظة، وسط الرعب والذل، جمع ليو شجاعته المتبقية، وبصوت بالكاد مسموع، ممزوج بالخوف ولكن بنبرة رجاء حقيقية، قال: "ديمون... من فضلك. أنا... أنا فقط صديق دومينيك. لا أريد أي شيء آخر منه. أنا لست... أنا لست مهتماً بك. أنا فقط أريد أن أبقى صديقه. هذا كل شيء. لا يوجد أي شيء آخر بيننا." كانت كلماته متقطعة، تحمل نداءً يائساً للفهم.
نظر ديمون بلاكوود إلى ليو، وعيناه لا تحملان أي مفاجأة، بل نظرة فهم باردة. ارتسمت ابتسامة خافتة، غامضة على شفتيه. "أعلم ذلك يا ليو،" قال ديمون، وصوته ظل هادئاً، ولكنه حمل معنى أعمق. "أعلم جيداً ما أنت عليه، وما لست عليه. هذا هو بالضبط سبب وجودك هنا. ولماذا... أنت مهم بالنسبة لي."
ثم، وبحركة مفاجئة، استقام ديمون بلاكوود، وفك الوشاح بلطف من معصمي ليو، وألقاه على الطاولة. ألقى نظرة أخيرة على ليو، نظرة لا يمكن فك شفرتها تماماً بين الاهتمام المحسوب والتحذير القاطع، ثم استدار وابتعد، يترك ليو وحيداً في الغرفة، جسده عارياً جزئياً، وروحه مكشوفة بالكامل. كانت لمسة ديمون اللطيفة قد اخترقته بعمق أكثر من أي عقاب جسدي. كان هذا هو اللعب الحقيقي. اللعب بالعقل، بالروح، بالوعي التام بأن لا هروب.
وقف ليو متجمداً، أنفاسه لاهثة، ودموعه تجمعت في عينيه. لم يذهب ديمون بلاكوود إلى النادي للرقص أو الاستمتاع. لقد أتى من أجله هو. لإظهار قوته. لإعادة تأكيد سيطرته، ولكن هذه المرة بلمسة ناعمة، لكنها قاتلة.
كان هذا النادي، الذي كان يُفترض أن يكون ملاذاً للحرية، قد أصبح الآن سجناً آخر. كان ليو محاصراً تماماً. لم يكن هناك هروب.
يتبع.....
إذا أعجبكم الفصل لا تنسو تحطو فوت و كومنتس
كانت الكلمات الأولى في الكتاب ترحيباً مباشراً بالقارئ، تصف عالم BDSM لا كشذوذ أو مرض، بل كطريق للتحرر، وممارسة للثقة، واستكشاف عميق للذات. كانت لغته واضحة، دقيقة، وأحياناً شعر دومينيك أنها تخاطب أعمق زواياه المخفية. بدأ يقرأ عن المفاهيم الأساسية: الهيمنة (Dominance)، والخضوع (Submission)، والربط (Bondage)، والانضباط (Discipline)، وغيرها. كل مصطلح كان يفتح أمامه نافذة على جانب جديد من عالمه الداخلي، عالماً لم يكن يعلم بوجوده.
قرأ لساعات، مستغرقاً تماماً. كانت بعض الأفكار تثير لديه شعوراً بالاشمئزاز الأولي، لكن الكثير منها كان يثير فيه فضولاً جامحاً، وشعوراً بالاعتراف. كان الكتاب يتحدث عن التنازل الواعي عن السيطرة كشكل من أشكال القوة، وعن المتعة التي يمكن أن يجدها الخاضع في الثقة المطلقة بالمهيمن. كانت هذه الأفكار تتماشى مع ما شعر به في غرفة ديمون بلاكوود. تلك النشوة، ذلك التحرر الغريب الذي شعر به عندما استسلم.
"الخضوع ليس ضعفاً، بل قوة في التسليم،" قرأ بصوت هامس. كانت تلك الجملة تتردد في ذهنه. هل هذا ما كان عليه طوال حياته؟ شخص يتوق إلى التوجيه، إلى الأيدي التي توجهه، ليجد راحة في ترك المسؤولية؟
ومع كل صفحة، كان ديمون بلاكوود ينمو في خياله، يصبح أكثر وضوحاً كالشخص الوحيد الذي يمكنه أن يقوده في هذا العالم. لم يكن الأمر يتعلق بالمتعة الجسدية وحدها، بل بالارتباط العميق، بالثقة المطلقة التي يطلبها ديمون بلاكوود والتي بدا دومينيك مستعداً لتقديمها. كان يدرك الآن أن هذا الكتاب ليس مجرد معلومات؛ إنه خريطة للعلاقة التي دخلها.
في إحدى الليالي، في قلب أوريليا، كان ليو في نادٍ ليلي
مرت الأيام على ليو، محاصراً بين جدران شقته، وشبح ديمون بلاكوود. لكن ليو، بطبيعته الاجتماعية، لم يستطع تحمل العزلة طويلاً. كان بحاجة إلى التواصل، إلى أن يشعر بالحياة، حتى لو كان ذلك يعني المخاطرة. وفي ليلة خميس، قرر أن يذهب إلى أحد النوادي الليلية البارزة في أوريليا، ليس أي نادٍ، بل واحداً كان قد سمع عنه في السابق، ويُعرف بكونه مكاناً يرتاده مجتمع BDSM، ولكن بطريقة غير رسمية، أكثر كبار.
عندما دخل النادي، غمرته الأضواء الخافتة الملونة، وصوت الموسيقى النابض الذي يملأ المكان، ورائحة العطور والجلد. كان المكان مزدحماً، الناس يرقصون، يتحدثون، يضحكون. رأى أزواجاً يتبادلون النظرات العميقة، وآخرين يرتدون ملابس جريئة، لكن الأجواء كانت مريحة بشكل مدهش، خالية من الحكم. لم يكن هذا "الروم" الخاص بديمون بلاكوود، المعتم، المحكم. كان هذا عالماً مفتوحاً، متحرراً.
شعر ليو ببعض الراحة في البداية، وكأن وزناً قد أزيح عن صدره. كان يتجول، يراقب الناس، يحاول أن يفهم. هل هذا ما يراه دومينيك؟ هل هذا ما يجذبه؟ بينما كان يحتسي مشروباً في زاوية منعزلة، كان يحاول تحليل المشهد، محاولاً ربط ما يراه بالصدمة التي تعرض لها.
فجأة، شعر بوجود خلفه. كان شخص يقف قريباً جداً. التفت ليو ليرى رجلاً أطول منه قليلاً، بملامح جذابة وعينين ودودتين. كان الرجل يرتدي قميصاً مفتوح الأزرار يكشف عن سلسلة فضية حول رقبته.
"تبدو جديداً هنا،" قال الرجل بصوت دافئ، وابتسامة خفيفة. "اسمي مارك."
"ليو،" أجاب ليو، صوته كان أكثر برودة مما كان يقصد. شعر مارك هذا وكأنه منفتح جداً، بينما ليو كان لا يزال مغلفاً بطبقات من الحذر والتردد.
"هل أنت هنا للبحث عن شيء معين؟" سأل مارك، وعيناه تحملان فضولاً حقيقياً. بدا وكأنه مهتم حقاً.
شعر ليو بلحظة من التردد. كان مارك جذاباً، ويبدو لطيفاً، ويظهر اهتماماً به. كان هذا ما يحتاجه ليو، شخص مهتم، غير ديمون بلاكوود. لكن شيئاً ما بداخله انقبض. كانت ذكرى الأيدي التي أمسكت به، والوجه البارد الذي أذله، تومض في ذهنه. لم يكن قادراً على الثقة. لم يكن قادراً على الانفتاح. كانت جروحه أعمق من أن تلتئم بابتسامة دافئة.
"لا، أنا فقط... أتجول،" قال ليو بحدة، وهو يتراجع خطوة. "أنا لست مهتماً."
بدت خيبة الأمل على وجه مارك، لكنه أومأ برأسه باحترام. "حسناً. استمتع بليلتك."
ابتعد مارك، وعاد ليو إلى وحدته، وشعر بضغط غريب في صدره. كان قد رفض شيئاً كان يمكن أن يكون لطيفاً، شيئاً كان يمكن أن يشفيه. لكنه لم يستطع. كان شيئاً ما بداخله يصرخ بالتحذير، بالبقاء بعيداً، بعدم الوثوق.
ولم تكد الدقائق تمر، حتى شعر ليو بتغير مفاجئ في جو النادي. تباطأت الموسيقى قليلاً، وتوقفت بعض المحادثات، وتوجهت بعض الرؤوس نحو المدخل. كان هناك صمت غريب، قصير، ثم همس خافت انتشر بين الحضور. لم يكن هناك صراخ، بل مجرد إدراك جماعي لشيء قوي وغير متوقع.
شعر ليو بقشعريرة باردة تسري في عموده الفقري قبل أن يرى. ثم، رأى ديمون بلاكوود.
كان ديمون يتقدم عبر الحشد ببطء وثبات، وكأنه ملك يخطو في مملكته. لم يكن يرتدي بذلته الرسمية، بل قميصاً أسود حريرياً مفتوحاً قليلاً عند الصدر، وسروالاً داكناً يناسب جسده المثالي. كانت عيناه الرماديتان الباردتان تتفحصان المكان، تخترقان الظلال والأضواء الخافتة، تبحثان عن شيء محدد.
شعر ليو بأن قلبه توقف عن النبض. حاول أن يختبئ في الظل، أن يصبح غير مرئي، لكنه كان يعلم أنه لا جدوى. كانت عينا ديمون بلاكوود الثاقبتان تستقران عليه، تقفلان عليه كما يفعل المفترس بضحيته.
تقدم ديمون مباشرة نحو ليو، متجاهلاً النظرات الفضولية، وكأن لا أحد آخر موجود في الغرفة. توقف على بعد خطوات قليلة، ونظر إلى ليو بابتسامة خافتة، لمسة ناعمة تكاد تكون شفافة، لكنها كانت تخفي خلفها فولاذًا باردًا.
"ليو،" قال ديمون بلاكوود بصوت هادئ، ناعم تقريباً، لكنه كان يرتجف في أذني ليو كصوت رعد بعيد. "ما الذي أتى بك إلى هنا؟ اعتقدت أن الأمور كانت واضحة بيننا."
كان ليو يرتجف، بالكاد يستطيع الوقوف منتصباً. "أنا... أنا فقط... كنت أتجول،" تمتم، صوته ضعيف ومكسور.
انحنى ديمون بلاكوود قليلاً، خفض رأسه إلى مستوى أذن ليو، وهمس بنبرة بالكاد مسموعة، لكنها كانت تحمل وزناً هائلاً: "إنني أقدر مساحتك الشخصية يا ليو. ولكني أيضاً أقدر النظام، وأهمية أن يفهم كل منا دوره. لقد أوضحت لك مسبقاً أن تدخلك ليس محل ترحيب. هذا لا يزال ينطبق عليك أينما كنت، مع من كنت. هل هذا واضح؟"
ارتجف ليو، وشعر بأن قدميه تخذلانه. لم يكن ديمون بلاكوود يهدده بالصراخ أو الغضب، بل بنبرته الواثقة والمهذبة التي لا تترك مجالاً للشك. لقد كان يخبره أنه لا يزال ملكه، لعبة في يده، وأن محاولاته للانفصال عن عالمهما كانت عبثاً.
"هيا يا ليو،" قال ديمون بصوت ناعم، لكنه كان أمراً لا يقبل الجدل. "لنذهب إلى مكان أكثر خصوصية، حيث يمكننا أن نلعب."
لم يكن هناك خيار. لم يستطع ليو أن يرفض. تبع ديمون بلاكوود عبر النادي، وكأنه عبد يسير خلف سيده. كان كل خطوة بمثابة اعتراف بالهزيمة، وتأكيد على أن ديمون بلاكوود كان دائماً على حق.
في غرفة خاصة، لم تكن تشبه غرفة "اللعب" المظلمة التي رآها من قبل، بل كانت فسيحة ومزينة بذوق رفيع، وقف ديمون بلاكوود والتفت إلى ليو.
كانت عينا ديمون بلاكوود تراقبان ليو، تدرسان كل تفصيلة في وجهه الشاحب، وكل رعشة في جسده. لم يكن هناك غضب، بل هدوء قاسٍ. مد يده، وببطء متعمد، أزاح شعر ليو عن جبهته، ثم تتبعت أصابعه خط فكه، وصولاً إلى ذقنه، ليرفع رأسه بلطف، مجبراً ليو على أن ينظر إليه مباشرة. كانت لمسة خفيفة، لكنها كانت كالحبل الذي يربط ليو، يمنعه من النظر بعيداً. كانت عينا ليو، المملوءة بالرعب، تجولان في الغرفة، تبحثان عن أي مهرب، لكنهما لم تجدا سوى أثاث فاخر وجدران عازلة. شعر بضيق في صدره، وبأن الهواء قد نفد من رئتيه.
"لا تزال تبدو متعباً يا ليو،" همس ديمون، صوته ناعم، لكنه كان يبعث بقشعريرة في روح ليو. "لا تزال تشعر بآثار آخر لقاء لنا، أليس كذلك؟" كانت تلك الكلمات لا سؤالاً، بل تأكيداً على معرفته التامة بحالة ليو، واعترافاً ضمنياً بأن هذا اللقاء كان تذكيراً مقصوداً. "لن نكرر ذلك الجانب اليوم. سأكون لطيفاً."
خطا ديمون خطوة للأمام، وأصبح قريباً جداً من ليو. مد يده، وأصابعه الطويلة، ببطء شديد، بدأت تلامس حافة قميص ليو. لم يسحب، بل مجرد لمسة خفيفة، ثم بدأ ينزلها ببطء، حبة حبة، تاركاً كل زر يفتح بهدوء. كانت الحركة متعمدة، تعرض جسد ليو ببطء للعرض. كانت عينا ديمون لا تفارقان عيني ليو، يراقبان كل انقباضة في عضلاته، كل رفة جفن. شعر ليو بالعار يحرق وجهه. كان جسده يرتجف لا إرادياً، لكنه لم يستطع التحرك. كان ديمون بلاكوود يجرد منه كل حصن، ليس بالقوة، بل بلمسة حازمة وهادئة تجعل المقاومة تبدو سخيفة. عندما أصبح قميصه مفتوحاً بالكامل، انزلقت يد ديمون ببطء، لتلامس بطن ليو، ثم تتجه صعوداً لتلمس صدره، ثم ذراعيه، كأنما كان يرسم خريطة لجسده، يمتلك كل بوصة فيه. كانت يده لا تضغط، لكنها كانت تخبر ليو أنه مكشوف تماماً، تحت رحمته.
"اجلس على هذا، يا ليو،" أمر ديمون، مشيراً إلى كرسي جلد أسود، مريح المظهر، لكنه بدا لليو ككرسي كهربائي. كانت نبرة صوته تحمل لمسة رقيقة، لكنها كانت أمراً لا يطاق عصيانه. جلس ليو ببطء، وجسده متهالك، وعيناه لا تفارقان ديمون.
اقترب ديمون بلاكوود، ومد يده بهدوء، وأخذ وشاحاً حريرياً ناعماً جداً كان موضوعاً على طاولة جانبية. لم يكن سميكاً، بل خفيفاً، وكأنه سحابة. رفع الوشاح ببطء، ثم لفه بلطف شديد حول معصمي ليو، ليربطهما معاً، في حركة أشبه بالمداعبة منها بالتقييد. كانت العقدة فضفاضة، يمكن لليو أن يفكها بسهولة، لكنه لم يفعل. كانت هذه اللعبة كلها تدور حول الخضوع النفسي، لا الجسدي.
"هذا يذكرنا بما حدث، أليس كذلك يا ليو؟" همس ديمون، وهو يمرر أصابعه بلطف فوق الوشاح المربوط. "كيف كان من السهل جداً أن أتحكم بك، حتى عندما اعتقدت أنك قوي. أنت ضعيف، يا ليو. هذا ليس حكماً، بل حقيقة."
شعر ليو بدموع ساخنة تترقرق في عينيه. كان ديمون بلاكوود يرى روحه العارية، ويصفها بكلمات باردة ودقيقة. كانت يده حرة لتضغط على أي زر، لكنها لم تتحرك. كان يعرف أن هذا ليس مجرد تهديد آخر، بل هو إعادة تأكيد لوضعه كـ"لعبة" في يد ديمون.
ثم، انزلقت يد ديمون ببطء إلى أسفل ظهر ليو، لتمسح بلطف، ثم تضغط برفق، على مؤخرته، تحديداً على المنطقة التي كانت قد تلقت الضربات. لم يكن الضغط مؤلماً، بل كان تذكيراً بارداً، عميقاً. تذكيراً بالجروح، وبالسلطة، وبالسيطرة التي لا تتلاشى. كانت يده لا تزال خفيفة، لكن ليو شعر بكل رعشة في أصابع ديمون، كأنها تخبره بأنها تتذكر كل ضربة، وكل ألم. استمرت اليد في مداعبة المنطقة برفق، صعوداً وهبوطاً، في حركة كانت يجب أن تكون مريحة، لكنها كانت مرعبة، لأنها كانت تأكيداً على امتلاك ديمون لجسده، حتى في ضعفه.
"أنت ملكي يا ليو،" همس ديمون، وصوته أصبح أعمق قليلاً. "وكلما حاولت أن تنسى، كلما سأذكّرك. هذا هو مصيرك. لا يمكنك الهروب مني."
في تلك اللحظة، وسط الرعب والذل، جمع ليو شجاعته المتبقية، وبصوت بالكاد مسموع، ممزوج بالخوف ولكن بنبرة رجاء حقيقية، قال: "ديمون... من فضلك. أنا... أنا فقط صديق دومينيك. لا أريد أي شيء آخر منه. أنا لست... أنا لست مهتماً بك. أنا فقط أريد أن أبقى صديقه. هذا كل شيء. لا يوجد أي شيء آخر بيننا." كانت كلماته متقطعة، تحمل نداءً يائساً للفهم.
نظر ديمون بلاكوود إلى ليو، وعيناه لا تحملان أي مفاجأة، بل نظرة فهم باردة. ارتسمت ابتسامة خافتة، غامضة على شفتيه. "أعلم ذلك يا ليو،" قال ديمون، وصوته ظل هادئاً، ولكنه حمل معنى أعمق. "أعلم جيداً ما أنت عليه، وما لست عليه. هذا هو بالضبط سبب وجودك هنا. ولماذا... أنت مهم بالنسبة لي."
ثم، وبحركة مفاجئة، استقام ديمون بلاكوود، وفك الوشاح بلطف من معصمي ليو، وألقاه على الطاولة. ألقى نظرة أخيرة على ليو، نظرة لا يمكن فك شفرتها تماماً بين الاهتمام المحسوب والتحذير القاطع، ثم استدار وابتعد، يترك ليو وحيداً في الغرفة، جسده عارياً جزئياً، وروحه مكشوفة بالكامل. كانت لمسة ديمون اللطيفة قد اخترقته بعمق أكثر من أي عقاب جسدي. كان هذا هو اللعب الحقيقي. اللعب بالعقل، بالروح، بالوعي التام بأن لا هروب.
وقف ليو متجمداً، أنفاسه لاهثة، ودموعه تجمعت في عينيه. لم يذهب ديمون بلاكوود إلى النادي للرقص أو الاستمتاع. لقد أتى من أجله هو. لإظهار قوته. لإعادة تأكيد سيطرته، ولكن هذه المرة بلمسة ناعمة، لكنها قاتلة.
كان هذا النادي، الذي كان يُفترض أن يكون ملاذاً للحرية، قد أصبح الآن سجناً آخر. كان ليو محاصراً تماماً. لم يكن هناك هروب.
يتبع.....
إذا أعجبكم الفصل لا تنسو تحطو فوت و كومنتس
Коментарі