مُقَدِّمَةٌ
الفصل الاول : أمُّ المصائب
الفصل الثاني : الجنّية الغريبة
الفصل الثالث : لنتزوج !
الفصل الرابع : زوجة بالإيجار
الفصل الخامس : زفاف مثالي لكن ..
الفصل السادس : لن اخسر سوف اتسلـق !
الفصل السابع : ولـيـمـة غـنـيـة بالوجوه
الفصل الثامن : يُطبخ بعناية
الفصل التاسع : الارشيدوق الجديد
الفصل الثاني : الجنّية الغريبة



استقرت مقلتاها على ذلك المشهد ، تلك الحشرات التي تملأ  سقف الزنزانة تتحرك بعشوائية وسرعة ، تتبعها بحدقتيها  بإنتباه شديد

"واحد ، اثنان ، ثلاثة ..اللعنة ، اخرجوني من هنا حالا "

إنتفضت من مكانها تركل قضبان الزنزانة بغضب ، تلعن اللحظة التي تخلفت فيها عن زميلاتها في حين جحظت تلك الاعين القابعة خلف تلك القضبان الصدئة تراقبها  ، علت الهمسات لتصبح اقرب الى مسامعها


"مجنونة !؟"


وقفت لبرهة لتستجمع شتاة افكارها ، حدقت بتلك الوجوه التي بادرتها بنفس النظرات المستفهمة


ما خطب هؤلاء القوم ، يحدقون بي هكذا ؟


الى ما تنظر انت ؟ "
صرخت بأحدهم في ذروة غضب
صرختها كانت كفيلة بجعلهم يتراجعون نحو الخلف عائدين الى أماكنهم ، تفحصت بعينيها المكان الذي هي محتجزة بداخله


"معجزة انت سينا ، حقا ، تنحني لك الرؤوس احتراما ، يا ترى هل لاحظوا غيابي؟ ، ميش "

تعود لتفترش الارض مجددا ، بيأس و ضجر تنفخ خديها ،  تدندن ألحان بينما تحدق بكفها،  انتفضت من مكانها وابتسامة عريضة تعلو محياها زحفت نحو بوابة الزنزانة،  تصدر بأساورها صوت تغتغة تزامن مع صوت دندنتها لألحان شعبية  في فرح تقرع بأصابعها على تلك القضبان مشكلتا لحنا إلتحم و بقية الاصوات
اقتربت الرؤوس من الابواب بفضول امتزج مع الخوف لوهلة فإذا بهم  يشاركون تلك المجنونة غناءها العذب ..


فاشل انت يا صاحب الساق الحجر
_لست أعلم أن كان قلبه ايضا من حجر
هل تعتقد بأنني سأخضع لك
_سأعلن الحرب  بقلبي و يدي و لساني
لا مفر ..
_لك انت لا مفر ..


شيئا فشيئا راحت الضوضاء تعلو لتبلغ مسامع ذلك المتربع خلف مكتبه يتأمل مشابكا أصابع يديه الكبيرتين وسط الظلام 


"ما هذا الذي يحدث بحق الـ "


صفع بكفه سطح المكتب بغضب و عينين يتطاير منهما الشرر


"سيفي..!؟"


ثم صاح منتظرا ذلك القابع خلف الباب ، اهتز جسده خوفا للصوت الخشن الذي يناديه بإسمه


"مصيبة"


تمتم قائلا قبل ان يدخل المكتب ،  ابتلع ريقه بصعوبة ثم اضاف بعد ان اعتدل مقابلا الصارخ

"سيدي الرقيب.."

"ما الذي يحدث و اللعنة سيفي ، من اين تأتي هذه الضوضاء ؟"
"الزنزانات سيدي  "

" اوه ، حقا لم اكن اعلم ذلك .." أردف قائلا بنبرة هادئة غريبة جعلت الاشقر يستغرب ليس لوقت طويلا ،  الهدوء الذي يسبق العاصفة
"من اللعين الذي يجرأ على افتعال الضوضاء في مقري انا الرقيب دوفان ؟" انفجر صارخا ، كما قلت ليس لوقت طويل
أشبه بالاعصار هز كيان الاشقر الواقف بقلة حيلة


"أين من يكون ذلك الشخص أسكته حالا ..!"


إنحنى المعني بالحديث ثم هم مغادرا يلعن اللحظة التي انتقل فيها الى هذا المقر ،  يركل الفراغ بغضب
"سيفي احضر هذا ، سيفي اغلق الباب ، سيفي ، سيفي ، سيفي ، تبا لك سيفي ..!"



الضوضاء تصبح اكثر علوا مع كل خطوة يخطوها ذلك الاشقر مقتربا ، تتبادر الى مسامعه تلك الالحان و التصفيق و صوت التغتغة المتناغمة  ، تلك الكلمات التي جعلته يتسمر امام  البوابة  الحديدية ، يحدق فيه بعينين جاحضتين و فاه فاغر  نسبيا في صدمة ، قلبه يخفق بجنون فاق جنون عينيه اللتين اصبحت ترمشان بهستيرية و سرعة إمتدت يده لتلامس المقبض ، يريد التحقق ما أن كان ما يجول في رأسه حقيقي ، يريد أن يعرف ما أن كان ذلك الصوت العذب ..
"صوفيا .."
قفزت صورتها من ذاكرته لتستقر امام ناظريه ، لا يدري بعد ما ان كانت صوفيا خاصته و صاحبة الصوت العذب الشخص نفسه ، متردد و خائف من خيبة الامل التي ستحل به بعد أن يدير ذلك المقبض ، أنفاسه و دقات قلبه تتسابق ، أيهما الاسرع يا ترى ؟

لقد قرر اخيرا ادارة ذلك المقبض بيديه المرتعشتين ، بخطى بطيئة  راح يتقدم نحو ذلك الصوت الذي يجذبه كالسكير مخدر تماما ،  ابتلع ريقه بصعوبة رفع ناظريه الى حيث يصطع ذلك النور
شعر مجعد اشعث برتقالي اللون عيناها الصفراوين صفاء عينيها و ملامحها ، تلك الجالسة على الارض تحرك اساورها و تصفق بكفيها الصغيرتين  توزع ضحكاتها و البقية ، استقامت بجسدها الرشيق واقفت ، تقترب  ، ثوبها الزهري البسيط ، إمتدت يدها نحوه  كغصن شجرة فتيٍّ  رفيع  و ابتسامة صافية تزين محياها جعلته يتقدم دون تفكير فجأة ،


"اخيرا ، شخص ما "

امسكت بياقته تسحبه نحوها ، ماذا حدث ؟ تساءل الاشقر اين تلك الابتسامة


" اطلق سراحي حالا "


تلك الصرخة  و الملامح المظلمة الغاضبة أفزعت ذلك المخمور لتجعله يستيقظ من سباته


" أيها الاوغاد ، اخرجني من هنا حالا "


لقد وقع بالفعل بين يدي الشخص الخطأ هي لن ترحمه ليتنفس حتى ، تمسكه من أذنه بإحكام ملصقةً جسده بالبوابة
تؤوهاته بلغت السماء السابعة و كذا صراخاته
سيفي لا احد يحسدك على موقف كهذا ، انت الآن عاجز امام المرأة الحديدية


" الى متى سأبقى هنا بين هذه الجدران ، ألن تجيب "


سألت بنبرة عالية ذلك الواقع تحت رحمتها ، تسحبه بقوة نحوها


"اجبني ايها الـ"


"ااا..حسنا ، حسنا ، توقفِ ، فقط أفلتيني و سأتدبر امر خلاصك .."
قال مقاطعا ما كانت على وشك قوله


قلصت عينيها  ثم رفعت أحد حاجبيها في شك


" هل علي تصديق ذلك حقا "


اطبق سيفي كفيه متوسلا ثم قال متوسلا :


"أرجوكِ ، صدقي .."


لقد اطلق بالفعل العنان لساقيه الطويلتين مهرولا نحو المخرج يرمقها بين الخطوة و الاخرى بنظرات انزعاج و غضب الى أن اختفى خلف ذلك النور


"لا تنس  وعدك ..  "


صرخت به قبل أن يختفي خلف البوابة ثم عادت لتفترش الارض مجددا منتظرة اياه
"هو لن يتركني هنا ، أليس كذلك ..؟ "



طرق متتابع على ذلك الباب الخشبي تبعه صوت خافت يستأذن للدخول


"ادخل "


رد سريع تبعته تنهيدة طويلة اطلقها الواقف قرب النافذة


"ما الخطب سيفي ؟"


اعتدل الاشقر ثم استرسل قائلا :


"لا شيء طارئ سيدي ، فقط اردت اعلامك بشأن سيدة البطاقة هذا كل ما  .."

"سقها الى مكتبي في الحال "


رد الرقيب ثم اتخذ مقعده جالسا ، لوح بيده كإشارة للواقف امامه بالانصراف ولقد نفذ الآخر الامر بالفعل





"على رسلك يا هذا ، لما تجرني بهذه الطريقة هل انا خروف ام ماذا ..؟"

"الخراف وديعة اختاري كائنا اكثر شراسة لتشبهِ  نفسك به ، متوحشة .."

"ما الذي قلته ايها الـ"

مسكينة سينا يجرها جنديان ضخمان يتقدمهما ذلك الاشقر الذي اخرج لسانه ساخرً يقابل بوجهه تلك الغاضبة محمرة السحنة ، تصر على اسنانها ، ، تزفر الهواء بغضب كالثور ، تتوعده بالويلات ..
فقط انتظر عندما يفلتني هاذان العملاقان سوف ، سوف اقطع أذنك تلك و لسانك ، ما الذي اتفوه به انا الآن فقط ليطلقوا صراحي ، انا لا أريد أن اطبخ حية



لقد توقفنا بالفعل امام احد الابواب ، طرق البغيظ الباب ثم هم بفتحه بعد أن سمع ذلك الصوت الخشن يسمح له بالدخول ، كالسهم اخترق  ذلك ضوء النهار  عيناي كيف لا وانا مكثت داخل الزنزانة المظلمة لثلاث ساعات متتالية ،  ماهي إلا لحظات حتى  بدأت الرؤية تتضح و بدا لي ذلك الهيكل المهيب اكثر وضوحا ،  في الاربعينات من العمر ، يشابك ذراعيه خلف ظهره يقف بإستقامة صدره تلك الاوسمة المعلقة على بذلته الزرقاء الداكنة ، أسمر السحنة تملئ الندوب  وجهه ، بالقرب من شفتيه و أسفل عينه اليسرى ،  حاد النظرات كالصقر  ، عيناه سوداوان بلون الزيتون ، اما عن خصلات شعره الفحمي   فقد كانت منسدلة فوق كتفيه العريضين في حين يغطي البعض منها جبهته و حاجبيه


"راهبة و تسرق في وضح النهار ، مثير للاهتمام "


ارتفعت احدى زوايا فمه في سخرية و اشمئزاز ، نظرة مرعبة رمقني بها ذلك الواقف امامي و الذي تبدو عليه الرفعة و العلو


"أنا لا اسرق ، انت تستجوب  الشخص الخطأ .."


لقد تحدثت بالفعل مع ذلك الرقيب الذي لا تعرف عنه شيء بطريقة فضة وغير رسمية ، ما جعل افواه  اولئك الثلاثة الواقفين في الخلف تسقط دهشتً


"ألن تجلسني ام انك ستبقيني واقفة مكبلة ، لن تحصل مني على شيء حتى إن كنت المذنبة .."


افواههم لا تزال على حالها و اعينهم جحضت كذلك الشيء الوحيد الذي يتشاركه الثلاثة هو فكرة أن تلك الآنسة المتوحشة ستلقى حتفها اليوم قبل الغد أن استمرت بالحديث بفضاضة و بنبرة الصوت ذاتها ، انتقلت أعينهم لتستقر على ملامح ذلك الشخص الجالس خلف مكتبه ، زوايا فمه ترتفع شيئا  فشيئا ..


"ماذا ؟ هل ابتسم الرقيب للتو ؟"


تبادل الثلاثة همساتهم بذهول و ما زادهم ذهولا هو تلك الضحكة الصادقة  التي احتضنتها جدران الغرفة ، الطريقة التي رفع بها الرقيب خصلات شعر عن عينيه


" أحضر كرسي ً لضيفنا ، سيفي"


ابشركم يا قوم أن الشمس ستشرق من المغرب اليوم ، الرقيب صاحب الهالة السوداء يضحك من اعماق قلبه و الافضع انه يطلب كرسيا لشخص آخر أدنى رتبة منه ، اوه ، تبا انا سأستقيل حتما ..


"سيفي .."


انذار آخر أخير ، هذا ما يسمى بالإنذار الاخير لأن  ما بعده  موت


"سأنفذ في الحال .."


" و اطلب من الجنديين الآخرين المغادرة إذ لا حاجة لبقاءهما "


"حـ حاضر سيدي "


استأنف الرقيب الحديث بنبرة هادئة و ابتسامة طفيفة يشابك اصابع يديه فوق المكتب


"إذا بما أن الكرسي موجود ، لنبدأ تحقيقنا اذا "
جلست فوق الكرسي ثم قالت :
" حسنا  .."


"شوهدتِ في شوارع ماليديا تحملين بطاقة صفراء ، تعلمين ما يعنيه ذلك ؟"


"بلى ، وما المريب في الامر ؟"


تنهد الرقيب قبل أن يعود بجسده نحو الخلف ثم أردف قائلا:


"المريب هو من اين حصلت آنسة شابة بلغت للتو الثامنة عشر من العمر على البطاقة  ، كما انكِ ..."

"بمظهركِ الرث هذا تقل احتمالية أن تكون البطاقة خاصة بك لهذا قمنا بإعتقالكِ ، أهذا ما كنت تريد قوله ؟
بترت كلامه و مرة اخرى تخاطبه بلا رسمية ، جدية بدت على ملامحها ، دفعت الكرسي بقدمها ثم استقامت واقفة


" من فضلك اعد  الحقيبة  و اسمح لي بالمغادرة .."

"لماذا ، كنتِ تبلين حسنا قبل قليل لماذا ترغبين بالمغادرة فجأة ؟"
تنهدت بملل ، تقدمت خطوة نحو الامام ، وضعت يديها  فوق المكتب مقابلة ذلك الجالس امامها ،  ترمقه بنظرة باردة لم يفهم مغزاها ، منزعجة ، أم تتحداه ، ربما شيء لا يجب عليه أن يسأل عنه ، ثوان معدودة وهما على تلك الحال قبل أن تعود نحو الخلف ، قالت :


" سيدي الرقيب ، انا لن استطيع اطلاعك على شيء متعلق بالبطاقة و كل ما لدي لأقوله هو انني لم اسرقها و لك حرية التصديق .. لذا رجاء اعد حقيبتي إلي "


" اسمحي لي بأن اسأل عن السبب .."

تقترب منه بخطوات بطيئة ، استندت بذراعها على مكتبه ، رفعت اصبعا السبابة مقربةً اياه من فمها ثم قالت مقلصة عينيها :


"  اعتبره شيء خاص ، سر ً "

" أن كان الامر كذلك ، سنتوقف هنا اذا "

"شكرا جزيلا ..حضرة الرقيب "

" ماذا عن الشكوى المتعلقة بسرقة التفاح "

تأففت بضجر قبل أن تسترسل قائلتا :

" سيدي الرقيب لا تكن غبيا هكذا ، سآكل طوال هذا الاسبوع طعاما بالمجان لماذا  سأسرق شيء سأحصل عليه مجانا .."
ضحك الرقيب بخفة ثم استدعى سيفي

" سيفي ، أحضر حقيبة الآنسة و رافقها الى الخارج .."
" لكن سيدي ، انها .."
" نفذ سيفي "


تقدمت نحو الامام مغادرة المكتب ، توقفت لبرهة كما لو انها نسيت شيء ما ،  استدارت مبتسمة ، همهمت ثم قالت :


"بالمناسبة ، ادعى سينا ، اعلم اننا لن نلتقي مجددا لكنني أحببت اخبارك .."


ضحكة كتمها صاحب العينين الداكنتين فور سماعه لما قالته تلك الجنية الغريبة كما لقبها ، بالنسبة له كان ذلك التشبيه الوحيد ملامحها الغريبة  ، لوح بيده ، اشارة منه لها بالانصراف ثم قال


احرصي على عدم ارتكاب الاخطاء حتى لا نلتقي مجددا "





لا اصدق أنني سأغادر حقا ، لما اصبح الرواق طويلا فجأة ، خطوات هذا المزعج واسعة ولا استطيع مواكبة ذلك ، ما كل هذه المنشورات على الجدار ، ماليديا المكان الانسب للصوص و المهربين حقا رائع

أوه ، هذا الشخص هو لا يبدو هكذا لقد اخطأتم رسم ملامح جهه بوضوح "


"عذرا !"


اشارت بأصبعها السبابة الى المنشور  المعلق على الجدار  ثم قالت :


هل هو مطلوب ؟ ، هل هو خطير حقا؟


توقف سيفي عن المشي ثم استدار نظر الى المنشور المعلق على الجدار  اخذ نفسا عميقا ، صفع جبهته ثم قال ساخرا  :


" لا ابدا بل هو ارستقراطي  مشهور ، اه بربك ،  ما الذي  يبدو لك ؟

ثم اضاف :

المهم ،  هل صادفته في مكان ما  ؟"

ليس و كأنكِ ستخبرينهم انك وجدتي الرجل طريح الارض بجروح بليغة و قمتي بمعالجته سينا قديجزونكِ في السجن مجددا أن فعلت


"أبدا .."

"حسنا ، حسنا يمكنك المغادرة هاهي حقيبتكِ ، وها هو الباب ، وداعاً .."


"بغيض ، أنت فاشل في التعامل مع النساء ..فلتحترق "


دنوت لأنتشل حقيبتي من الارض ،  ثم رحت اشق طريقي مبتعدة عن ذلك المكان المقرف أركل ما وقعت عليه عيناي مهلا لحظة ،  لما أشعر بالذنب و الخيبة الآن ؟ ليس و كأنني سأعود للداخل و اعترف بكل شيء ، لا ، ابدا لن يحدث ، مستحيل ، ضميري اخرس من فضلك ، انا لن اعود ، انتهى ، اكملي طريقك سينا إلى المعبد حالا ، اااه .. 
تفحصت النبض في معصمها ثم قلبها ملأت رأتيها بالهواء ثم عائدت أدراجها

ليس وكأنني استطيع السكوت لمدة طويلة
علي اللعنة لا اصدق أنني سأفعل هذا
"سيفي .. أنا أعلم مكانه !"




جلست القرفصاء فوق ذلك الكرسي الخشبي ، تحدق بوجوههم المكفهرة مطأطأت الرأس 
" حسنا سأفعل ..لكن لدي شرط "رفعت راسها تمرر نظراتها على الواقفين امامها ، نضفت حلقها ثم استرسلت قائلتا :

"لنعقد اتفاقا ، أساعدكم على ايجاده وبالمقابل لن تقوموا بإعتقالي ، أساسا لا فرصة لديكم غير هذه  ، اذا ، هل لدينا إتفاق ؟" تلك الابتسامة البلهاء التي رسمت على محياها زادت الطين  بلة ليس وكأنها ستخرج من هنا كالشعرة من العجين  خاصة بعد أن اعترفت بمساعدتها للمحتال أصبحت شخصا مشكوكا في ولائه للإمبراطورية ، هي حتى لا تعلم ما اقترف ذلك الشخص ..

مدت يدها لتصافح يد الضخم الواقف امامها مقطبا حاجبيه يضم ذراعيه الى صدره ،
"يبدو انه ليس لدينا " تمتمت وهي تبعد يدها الفارغة خاب أملها بالفعل

ساد الصمت لبرهة قبل أن يكسره الرقيب قائلا :
"حسنا ، ماذا لديكِ ..؟"

"لقد دخل الحانة قبل قليل ضغط دمه و دقات قلبه متزنة تنفسه طبيعي ، غادر حاملا زجاجة من النبيذ و حفنة من الجوز تنتظره ، تنتظره ..."


"أكملي رجاء .." قال الرقيب


"تنتظره عربة خشبية متجهة نحو الميناء ، سيبحر على متن قارب خارج الحدود "


تنهدت سينا ثم أضافت :


"اوه ، شيء آخر لديه حساسية من الجوز ، إبتاعه لرفيقه غالباً "

"ماذا عن الآن ،  هل لدينا اتفاق الآن ..؟!"

"ليس بعد ، سيفي تحقق من ما ادلى به الشهود في الاربع و العشرين ساعة الاخيرة .."

"أ-أمرك .."


الوقت يمر بسرعة ، الشمس على وشك أن تغرب بالفعل ، لقد لاحظ الرقيب التوتر الذي اعترى سينا وكيف كانت تتحرك جيئة و ذهابا في الغرفة ، تفرك كفيها ، اصابعها بعضها ببعض ، تكاد تمزق ثوبها من شدة التوتر ، تعض  اضافرها و اصابعها بشدة ، تنهدت ثم اعتدلت جالسة فوق الكرسي


"هل سيطول الامر ، أنا .."


ابتلعت ما كانت على وشك قوله فور سماعها  لصوت طرق على الباب جعلها تنتفض من مكانها ترجو في جوفها أن تكون اعتقاداتها صحيحة
دلف اخيرا الى الغرفة بعد مضي قرابة الساعة على مغادرته


"سيفي .."


خرجت من بين انفاسها فور وقوع ناظريها على هيئته ، تقدم نحو سيده بخطى ثابته يحمل بيمناه  ملفا وضعه فوق المكتب رمق سينا بنظرة لم تفهم معناها لكنها كانت كفيلة   بجعل الرعب  يتسرب الى نفسها ، يتغلغل في أطرافها
حدق الرقيب بالملف لثوان ثم راح يتصفح ما فيه يتبع بحدقتيه كل سطر من ما كتب ال أن توقف فجأة رفع رأسه نحوها حدق بها لثوان قبل أن يتنهد ويعود بجسده نحو الخلف


"الدورية الخامسة ، سترافقكم في حال طرئ امر معاكس ، اما بالنسبة لك ، لنعتبر من الآن أن لدينا اتفاق الى حين يتم الامساك بذلك الشخص .."


تنفست الصعداء اخيرا ، استنشقت الهواء بتلذذ قبل أن ترمي بجسدها فوق الكرسي براحة


"حسنا .."

اتخذ كل منهم حصانه ، كانوا خمسة جنود ترافقهم سينا تقدم احدهم ليناولها عباءة سوداء أشبه بالتي يرتدونها ثم امتطت بمساعدة سيفي الحصان الذي ستشاركه ركوبه ، انطلقت ترشدهم إلى المكان الذي يختبئ به ذلك المجرم تنظر بين الحين و الاخرى الى الأفق بقلق شديد


" أيعقل أنكِ تخافين ركوب الاحصنة .."


شق سيفي الصمت السائد بسؤاله بعد أن لاحظ الطريقة التي تشد بها فستانها


"الامر ليس كذلك .."


رد وجيز ونبرة صوت هادئة لم تخاطبه بها منذ لقاءهما جعلت من أمارات التعجب تحط رحالها على سحنته

" ما الخطب إذا .. أن كنت قلقة بشأن ما قاله الرقيب قبل مغادرتها فلا حاجة لذلك هو طيب القلب لن يحتجزكِ  ؟"


الامر ليس كذلك ما أشعر به نوعا ما غير قابل للتصديق أن قلت بأنني أشعر بأنني احتضر وان شيء ما يضغط على صدري بقوة  فلن يصدقني احد


"حسنا .."


"المرأة التي ناديتني بإسمها عندما دخلت الزنزانة ، "صوفيا ، هل هي فتاتك ؟"
قالت مستفسرة محاولة تغير الموضوع


"ااا .. الامر ليس كذلك ، كانت بائعة زهور امام تقاطع شارع لومسون و شيلبي أيام الانقلاب ..لكنها اختفت فجأة "


"معجب بها .."


"ما خطب هذه النظرة الآن "


"احمر خداك ، اذا انت تحبها ، الامر واضح وضوح الشمس ، أليس كذلك يا رفاق ؟


قالت مخاطبتا بقية الجنود الذي اجابو بصوت واحد "بلى "


"متى كانت آخر مرة إلتقيت بها ؟"


"لا أذكر ، كان ذلك منذ ثلاث سنوات "


"ثلاث سنوات ، أبشرك يا رجل انت عاشق "صفقت بيدها ثم أضافت :


"بالنسبة لك ذلك الشخص هو الوحيد الذي تراه عيناك و ترغب بشدة في حمايته ، تضطرب أنفاسك و دقات قلبك عند رؤيتك له ، لكن ذلك ليس بالسيء على الاطلاق ، كما لو انك تستنشق هواء النعيم ،
بغض النظر عن السنوات التي تمر يبقى الشعور نفسه يداعب صدرك "


"تتحدثين عن نفسكِ على ما يبدو  "


وضعت كفيها فوق خديها بخجل ثم قالت بصوت مهموس :
"أوه ، حقا هل يبدو الامر كذلك ؟!"


إنفجر ضاحكا ، الطريقة التي تخفي بها خجلها بيديها و الحمرة التي غزت وجهها المستدير و خديها المكتنزتين
"سوف اجدها ..!" تحدثت بنبرة جادة جعلت الآخر يتغرب


"ماذا ؟ من ؟"


"صوفيا ، سأجد صوفيا ..!"


ابتسم الآخر ساخرا رافعا احدى زوايا فمه ثم قال :
"كيف ذلك ؟وانتِ لا تعرفين سوى اسمها ؟"

"ان جرت الامور كما خططت لها فسأجدها و بالمقابل .."
"و بالمقابل ..!"سأل سيفي مترقبا ما ستطلبه تلك المجنونة الجالسة أمامه ، تنهدت سينا لبرهة ثم أضافت:
"ستصبح حارسي الشخصي "
ضحكة كتمها الاشقر صاحب العينين الخضراوين فور سماعه لما قالته ،  شيء ما يميز هذه الفتاة لكنه لايعرف ما هو ، لقد صدق بالفعل ما قالته رغم وجود ذلك الجانب منه يضحك في الزاوية على غباءه و سذاجته ربما هذا ما اعتقده سيفي لكنه ورغم ذلك الصراع بداخله ابتسم و قال :
"فليكن إذا .."





نشق طريقنا وسط الغابة المظلمة الكثيفة ، نحن نتنقل منذ ساعة تقريبا و الشمس غربت بالفعل ، ذلك الشعور لا يزال يؤرقني ، مؤلوف جدا ، كما لو انني مررت بالفعل بهذا الموقف ، قلبي يتأرجح بين ضلوعي ، أنفاسي عالقة ، كما لو أن احدهم يسحب روحي من جسدي قصرا ،  يضغط بقوة على صدري ، غير مريح ، كما لو انني أحتضر .. لا ، لا يعقل أرجو أن لا تكون ..
قادني الشعور الى هذا المكان ، ذلك الكوخ الذي توقفنا أمامه لا ينم عن اي حركة أو حياة بداخله ، انا متأكدة من انه المكان الصحيح ترجلنا من على الاحصنة نتفحص المكان بأعيننا ، "لا وجود لمظهر من مظاهر الحياة في هذا المكان " قال احد الجنود
"المكان الخطأ على الاغلب "رد الآخر

"انه المكان الصحيح انا متأكدة من ذلك " صرخت في وجوههم بإنفعال ، تحكم قبضتها على معصمها ،

انقسم الفريق الى افواج لتغطية مساحة أكبر  ، انتشروا في الغابة و خلف الكوخ للبحث ، كانت تلك فرصتها الوحيدة ، تريد ان تعرف لماذا الآن بالتحديد تشعر بهذا الكم الهائل من الطاقة الغير نقية و المظلمة ، تَقدمتْ بخطى حذرة
وَقفتُ امام مدخل الكوخ المهترئ أتفحص  الداخل بحذر و خوف ، وجهت جل تركيزي  على ما سأسمعه ، لا شيء ،  الصمت هو السائد ، دفعت الباب ببطئ ثم دلفت الى الداخل بهدوء شديد ، الى حيث استقرت تلك الجثة مفصولة الرأس علي أن أشكر ضوء القمر الذي جعلني  أتعرف على صاحبها ،  على ما يبدو لقد صارع حتى آخر رمق  ،  تلك الجدران تشهد على ذلك ،  واضح من بقع الدماء التي لطخت جدران الكوخ كما انها حديثة التكوين ،
أن خرجت من هنا حية سأكون ضيفة بين قضبان السجن
صرخات متتالية انتشلتها من شرودها ، جعلتها تستقيم  مسرعة متعثرة بالارضية غير المستوية
ذلك الهيكل اصبح اكثر وضوحا ، تلك الصرخات التي اصدرها الرجال من خلفي ، تتلاشى الواحدة منها فتحل محلها اخرى اشد حدةً ،  جعلت من جسدي متيبسا تتردد في ذهني تلك الصورة مجددا ، مجزرة ،
لا تلتفتِ سينا ، صدر صوت من جوفي يمنعني من النظر ، صوت اجسادهم ترتطم بالارض كان عاليا  تزامن ورفرفة الغربان  مبتعدة عن فروع الاشجار
إنه يقترب بخطوات بطيئة بقع الدماء تملئ كل شبر منه خاصة سيفه الضخم

أرجوك لا تفعل ، ليس الآن
إمتدت يدها المرتعشة داخل حقيبتها ، تلك الزجاجة الصغيرة ، ذلك القاتل لا يزال يقترب منها ، تراجعت نحو الخلف  وبمحاولة فاشلة منها في الوقوف ، تقبض على تلك الزجاجة بقوة عليها أن تتجرع منها قبل أن تغط في سباتها ، ذلك النصل يرتفع و يرتفع ليستقر اخيرا على عنقها العاري ، بالكاد تستطيع الرؤية بوضوح الالم يفتك برأسها و عينيها ، جسدها مخدر بالكامل و الزجاجة هي السبيل للخلاص ، فارغة ، اعتصرت بأسنانها شفتها السفلى بقلة حيلة ، ما تكون في جفنيها من سائل مالح فاض  على خديها ، سيفي و البقية

هل انتِ سعيدة الآن، سينا ؟

نحس ، تماما كما يقال ، ربما الموت هو الطريقة الامثل للخلاص مني ، أنا حقا أكره ..
، رفعت رأسها عاليا ، أرادت أن تلمح  الشخص الذي ستلقى حتفها على يديه ،  صاحب العينين الزرقاوين اللتين جعلتا زوايا فمها ترتفع  تزيل الستار عن اللؤلؤ المتراص خلف شفتيها الصغيرتين الممتلئتين ، انشرح صدرها لجمال المشهد ، الابتسامة الأخيرة .
كقطرات الندى فوق ورق الشجر صبيحة يوم مشرق أهوي ، لا اشعر بشيء عدا ذلك الثقل الذي تلبس جفني  ، يبدو ان اهدابي اشتاق بعضها لبعض ..
إمتدت يدها ببطئ لتلامس ذلك النور ، تلك الزرقة الصافية
"جميل .."

قبل أن تغط في سباتها الأبدي كما اعتقدت ..

_أغلقت عيني مستسلمة لمصيري المجهول ، لم أعد اعلم إن كان بدني يهتز خوفا ام يقشعر لبرودة ذلك النصل المستقر على رقبتي يعيقني عن ابتلاع رمقي الاخير ، لكن ما انا متأكدة منه هو أن ذلك المشهد كان أجمل  ما رأيت على الاطلاق  _
© جو ليآ,
книга «شمس أوستن».
الفصل الثالث : لنتزوج !
Коментарі
Упорядкувати
  • За популярністю
  • Спочатку нові
  • По порядку
Показати всі коментарі (11)
Ghadeer_29
الفصل الثاني : الجنّية الغريبة
بدي كمان 💛💛💛💛💛💛😭
Відповісти
2020-10-18 13:34:43
1
マリーヤム
الفصل الثاني : الجنّية الغريبة
@Ghadeer_29 سيم سيم نفس الإحساس
Відповісти
2020-10-19 07:55:24
2
فاطمة الزهراء
الفصل الثاني : الجنّية الغريبة
لحظة أستوعب، هي بتحس بالطاقة، و القاتل شافتو حلو ومثل النور،. لكن ما خطب الزجاجة؟؟،. أعني ليش نامت أو أغمى عليها بهاد الوقت بالضبط
Відповісти
2020-12-04 15:15:19
1