مُقَدِّمَةٌ
الفصل الاول : أمُّ المصائب
الفصل الثاني : الجنّية الغريبة
الفصل الثالث : لنتزوج !
الفصل الرابع : زوجة بالإيجار
الفصل الخامس : زفاف مثالي لكن ..
الفصل السادس : لن اخسر سوف اتسلـق !
الفصل السابع : ولـيـمـة غـنـيـة بالوجوه
الفصل الثامن : يُطبخ بعناية
الفصل التاسع : الارشيدوق الجديد
الفصل الرابع : زوجة بالإيجار


تجاهلت حرقة عينيها و ثقل جفنيها ، كانت تكافح لانقاذ كبريائها الضرير تكتم تلك الشهقة العالقة في حلقها كالغبار ، عيناها و نظراتها لم تفارق خاصته ، تفرست ملامحه الثابتة ، تمعنت في زرقة عينيه ، أنفه المنحوت و صولا الى شفتيه ، ترددت للحظة ، حولت نظرها الى موريس و السيدة بجانبه ، لقد أدرك بالفعل ما أرادت فعله ، في اللحظة التي اغلقت فيها عينيها بإحكام تحبس بذلك دموعها التي أوشكت على الانهمار كانت تفكر في شيء غبي ، تصرف متهور ، احاطت ذراعيها خلف عنقه ثم

" قبلة ! "

حقا سينا ، لم تجدِ سوى القبلة كحل للخلاص ؟!

" سينا ! "

استفاقت اخيرا من شرودها على صوت ميش تناديها ، لقد كانت واقفة تحمل الصحن بين يديها 

" بما كنت شاردة ؟! "

لقد مر على تلك الحادثة يومان بالفعل لكنني لازلت افكر في ما فعلته ليلتها ، تبا لي !

بعثرت خصلات شعرها بإحراج تلعن نفسها في صمت ثم اتخذت كرسيا للجلوس تتأفف بعبوس

" ما الذي كنت تفكرين فيه بحق السماء ؟! "

جلست ميش بجوارها ثم وضعت الصحن على الطاولة و أضافت :

"قبل افتراقنا قُلتِ أنكِ سَتلتقين بموريس ثم اختفيتِ ، اعتقدتُ بأنكِ حَللتِ المُشكلة لكن عندما قَدِمتُ لتَفقّدكِ فُوجِئتُ حقًا ، أنتِ تَحفرين قَبركِ بيديكِ سينا ، أتعلمين هذا ؟! "

" لم ارغب في الظهور بمظهر الخاسرة "

" ها حقا ! لأنك لم ترغبي بذلك قمت ب- "

سحبت ميش نفسا طويلا ثم أضافت صارختا :

" التصقت بالرجل تقبلين شفتيه ! "

" كم مرة علي ان اقول هذا .."

اشارت سينا بأصبعها السبابة الى زاوية فمها ثم قالت معترضة بإنفعال

" انا لم اقبل شفتيه بل زاوية فمه فقط ! "

" وما الفرق !؟ ، انا لا اصدق انك فعلت ذلك وسط ذلك العدد الهائل من الناس "

زفرت ميش انفاسها ثم قالت معاتبةً :

" انت لا تعرفين حتى من يكون ذلك الشخص ، هل تعرفينه ؟! "

" بشأن ذلك انا .."

" لا تنظر إلي بتلك الطريقة سينا ، اه يا الهي ! ما الذي سأفعله معك ؟! " عقدت حاجبيها بإنزعاج ثم أضافت :

" لم تجد سوى دوق اللقبين لتتوطي معه ! "

" دوق ماذا ؟ اللقبين ! "

صفعت ميش جبهتها ثم تراجعت نحو الخلف تمسك بطنها متأوهةً ، جلست على جانب السرير ، ربتت على صدرها ثم رفعت نظرها

" انت لا تعرفين من يكون ؟ هل انا على حق ؟ "

ابتسمت سينا ببلاهة ثم قالت :

" من يكون ؟ "

تجمدت ملامح ميش كانت تفكر في طريقة لإبراحها ضربًا ، استقامت واقفة ثم راحت تفرغ طاقتها القليلة المتبقية على سينا

" كيف قبلت عرضه وانت حتى لا تعرفين من يكون ؟ هل جننتِ ؟ لم تجد سوى بروسبر كيران كينجي للتورط معه "

" بروسبر كيران كينجي ، حقا ؟! "

صفقت بيديها ثم ادلت باستنتاجها الخطير بحماس :

" كنت اعلم انني رأيته في مكان ما ، الجرائد ! "

" ايتها ال- "

ميش التي وصل غضبها حد الذروة زادت من حدة عتابها

" توقف انت تؤلمينني لماذا تهتمين لهذا كثيرا ، انا واثقة من انه نسي أم-  "

" الدوق و رجاله يقتحمون المعبد ! "

ذلك الصوت المحذر الذي انتشر في ارجاء المعبد جعل سينا تتصلب في مكانها كالخشبة

" نسي امركِ ، واضح ! "

هرولت نحو النافذة للتأكد من الخبر اللعنة ، شحب وجهها و راحت طبول قلبها تقرع بقوة لحظة تبادلها و كيران النظرات

تبا لما هم كثر هكذا ؟! و ايضا ، لماذا يرتدون دروعهم ؟! ، أيعقل-

قفز من ذاكرتها ذلك المشهد ، لقد لمحته ليلتها يراقب المحافظ لكنها لم تعر شكوكها و فرضياتها اي اهتمام ،

لقد سمعت ان جريمة قتل ارتكبت ليلة العيد بعد التحقيق تبين ان المحافظ هو الضحية في حين كان القاتل مجهول الهوية

كانت تسترق السمع ، الراهبات الثلاث اللواتي كن في حالة ذعر ، يتحدثن بنبرة صوت منخفضة

" ما الذي سنفعله الآن ؟ موت المحافظ يعني نهايتنا ايضا "

" ما الذي تقصدينه ؟! "

بعد التفكير في الامر ، ما قالته تلك الراهبة صحيح ، ان فتح السجل

سيتم البحث عن اتباع المحافظ وكل من كانت له صلة به كإجراء يخدم التحقيق ، أن حدث ذلك سيكون سيد المعبد اول المتهمين

ما الذي يحدث بحق الخالق ؟ ان صحت شكوك فإننا سنحتجز هنا للابد هذا ان لم يتم قتلنا جميعا ، علي ان اجد حلا ما

لن اسمح له بذلك !

رفعت رأسها ، تراقب تلك الوجوه الفزعة المستفهمة للحظة ثم تنهدت بيأس و أطلقت العنان لساقيها غير مبالية بنداء ميش

" سينا ، الى اين انت ذاهبة ؟ "

" للمراهنة على ارواحنا ! "


كانت تركض في اروقة المعبد وسط تلك الوجوه المستغربة و المتفاجئة ، تتفادى الذهاب في اتجاه تواجده و الجنود غير مبالية بالألم الذي راح يتصاعد مخدرا ساقيها ، لون الضماد الذي لفهما اصبح احمر قانٍ ، ثوبها الطويل يعيق خطواتها ،تنظر بين اللحظة و الاخرى خلفها بارتباك و خوف ، صوت انفاسها المضطربة اختلط و صدى خطوات ذلك المدرع

تسمرت في مكانها فور وقوع ناظريها على هيئته ، في اللحظة التي التفت كانت بالفعل على وشك بلوغ المخرج الخلفي لكنها تراجعت

لم يكن صعبا عليه رؤية الضماد يلف قدميها الحافيتين ، صك اسنانه بغضب

لمحت لوهلة هيأتها ، حجمها الضئيل ، شعرها شديد الطول بلون اليقطين يتراقص خلف ظهرها ، ثوبها الابيض الطويل الفضفاض انزلق جانبه مبرزا احد كتفيها ، امعنت النظر في تفاصيلها الى ان وقع نظري على ما يلف قدميها ، اولئك الاوغاد , كيف يجرؤون؟

" توقفِ !"

صوته الصارم شل حركتها ما جعلها تسكن للحظة لتستوعب الوضع ، اخذت نفسا عميقا فور سماعها وقع قدميه يصبح أقرب ، قلبها المضطرب يستغيث

" فكري سينا ، فكري !"

تمتمت بصوت مهموس تحرك حدقتيها جيئةً و ذهابا ، قضمت اضافرها بارتباك ثم فجأة ودون سابق انذار رفعت رأسها و التفتت نحوه ، لقد نجحت في استدراجه

أنه يقترب ، تبا .. حان الوقت للتصرف بقذارة ، أساسا لم يعد هناك حل آخر

" أ-أنا .."

انا ، انا ماذا ؟! قولي شيئا سينا ، شيئا وقحًا ، سيتركك وشأنك ان خاطبته بوقاحة ، هيا يا انا ، تدفقي ايتها الكلمات القذرة ، "وغد" لا "عديم الاحساس" و هذه ايضا لن تجعله يغضب ، شيء ما .. انا بحاجة الى كلمة ذات وقع كبير مثل ، مثل ..

"خنزير !"

" ما الذي قُلتِه للتو ؟"

نضفت حلقها بعد أن استوعبت ما قالته ثم كتفت ذراعيها و رفعت رأسها لتواجه خاصته

" كما سمعت ، انا لا أريد لخنزير مثلك أن يكون زوجي ، على جثتي الهامدة "

استرسلت تخاطبه بوقاحة مؤكدةً على كل كلمة تنطق بها ، سحبت خصلة من شعرها الطويل تلفها حول اصبعها بملل

" حقا ؟ "

نظرت إليه من رأسه حتى اخمص قدميه ثم اومئت برأسها بتعجرف

ما لم تكن سينا مدركة له هو أن الشخص الواقف امامها ليس طفلا ينزعج لأتفه الاسباب ما جعل تصرفاتها تحسب ضدها و هذا ما كان زوجها المزعوم مدركا له جيدا ، إبتسم بخبث لثوان ثم ارتد قناع العبوس و قال :

" في تلك الحالة .."

رؤيتها لملامح وجهه الذابلة جعل داخلها يرقص فرحًا وجل ما كانت تفكر فيه هو انها بلغت مقصدها بالفعل ، ابتسمت ابتسامة النصر وبينما هي على وشك اتخاذ خطوة للمغادرة

"عليك أن تُودعِ جُثتكِ الهامدة او تستسلمِ لهذا الخنزير "

صعقت ! لقد سقط فكها بالفعل و ما زاد الطين بلة هو حركته السريعة التالية ، ذراعه خلف ظهرها تسحبها نحوه بقوة

نظرت إليه بعينين مفتوحتين على مصراعيهما وفاه فاغر ، لقد نسيت لصدمتها كيف تتكلم ، تتحرك شفتاها لكن لا صوت يخرج ، صوت انفاسها المضطربة راح يعلوا و يعلو مُبَدِّدًا سُكون الرواق ، عيناه ، نظراته الحادة جعلت جسد سينا يقشعر ، نبرة صوته الخشنة ، ثوانٍ من السكون انقشع فور سؤاله

" هل تريدين العودة الى موطنك بشدة ؟ إن كنتِ كذلك فلن أمنعكِ "

خاطبها بنبرة هادئة ثم سحب ذراعه ، تراجع خطوة نحو الخلف و أضاف :

"لكن ، ليكن في علمك أن الجميع يعلم بحادثة الصلاة كما انه .."

" هل تهددني؟! " أردفت مقاطعتًا

تفرس ملامحها المنزعجة باستمتاع ثم أضافت بينما راح يتحرك جيئةً و ذهابا

" ليس بالمعنى الصريح للتهديد فأنا رجل طيب القلب يهتم لمصلحتك و سلامتك و بما أنني كذلك اسمحي لي بأن اشير الى بعض الامور المتعلقة بالسلامة مثل : قد تفقدين ساقا وربما ذراعا ، مهلا لحظة ! ماذا عن الرأس؟ "

صوته الذي اخترق اذنها في اللحظة التي همس فيها بجملته الاخيرة جعل فرائصها ترتعش ، لقد أدركت الكثير ، مصيرها على وجه الخصوص بالاضافة الى سبب تلقيب الواقف امامها بالقذر ، الحقير ، عديم الاحساس ، فقد تبين ان شخصا مثله لا يهتم لأمر جنس الضحية سواء كان ذكرا ام انثى ، يفعل اي شيء إن كانت سُمعته على المحك

بروسبر كيران كينجي انت حقا .. لا يساء تقديرك ابدًا

راقب بصمت تحركاتها و ملامحها منتظرًا بلهفة ما ستقوله ، بعد ثوان من السكون

"حسنا ، لكن لدي شرط في المقابل "

ابتلعت ريقها بصعوبة ثم سحبت نفسا متقطعا و التفتت :

" ان كنت سأرافقك عليك بالمقابل أن تطلق صراحهم "

رفع خصلات شعره التي كانت تغطي جبهته ثم قال باستفزاز بعد أن ابتسم ساخرًا :

" حاولي اقناعي ! "

لم تتفاجئ سينا ابدا ، لقد توقعت بالفعل رده هذا ، اعتصرت شفتها السفلى بقلة حيلة ثم سمحت لركبتها بتقبيل الارض ، لقد اصدر ارتطام ركبتها بالأرض الصلبة صوتا انتشر في القاعة تبعه قولها

" أتوسلُ اليكَ "

اهتز صوتها

فتح عينيه على نطاق واسع ، لم يتوقع ردة الفعل هذه ابدًا ، تفحص هيئتها ثم ضحك بإستغراب ، كان غاضبا جدا ، والسؤال الوحيد الذي كان يدور في ذهنه هو لما قد ترغب بحمايتهم رغم سوء المعاملة التي واجهتها

هذه الفتاة لا يتم توقع تصرفاتها

فرك مؤخرة رأسه ثم قال مشيحا ناظريه عنها بعد أن زفر أنفاسه

"حسنا قفِ ، ستؤذين ركبتيك .. "

لم تحرك ساكنا ، اكتفت بالتحديق في الارض بإحراج ما جعله يستشيط غضبا

" ألم تسمع ما قُلت ؟ ، قفِ ! "

" انا .. "

سحب كيران نفسا طويلا ثم قال صارخا بحدة

" انتِ ماذا ؟ هيا قفِ ! "

" لا تصرخ في وجهي ايها ال- "

ردت بنبرة الصوت ذاتها التي خاطبها بها ثم تراجعت ، سحبت نفسًا طويلا ، عدلت نبرة صوتها ثم أضافت بتلعثم مطأطأت الرأس تتحاشى النظر الى وجهه بإحراج

" س-ساقاي مخدرتان ، أ-أنا لا استطيع الوقوف "

" اللعنة ! "

كانت بالفعل مستعدة للرد على ما قاله ، جمعت تلك الكلمات اللاذعة و القذرة التي اكتسبتها طوال سنوات حياتها ثم قطبت حاجبيها و ضغطت اسنانها بقوة ، لكن ..

" أمسكِ يدي ! "

" هاه ؟! "

متفاجئة من تصرفه ، لم تلاحظ اليد التي إمتدت ناحيتها ، ترددت للحظة ما جعل كيران يسحب يدها بسرعة لتستقيم واقفةً ثم لفّ ذراعه حول خصرها لإسنادها

" تمسك بي "

تصلب جسدها ، كانت لاتزال اثر الصدمة ، وجهها الذي اصبح بلون الدم لشدة احراجها ، ضمت قبضتيها الى صدرها تنظر اليه بدهشة و إحراج

انا بين ذراعيه ! لما انا بين ذراعيه ؟! هل هذا طبيعي ؟ انه قريب جدا ! صدره صلب ، لماذا لديه صدر كبير و صلب هكذا ؟! لالا تكوني منحرفة سينا ، فكري في شيء آخر ، شيء آخر اجل ! الجو جميل ، لما الجو الجميل و حار ايضا ، انه الصيف ، الصيف ، نعم الصيف ..

" ارخي جسدك وتوقف عن التفكير المبالغ فيه "

حول نظره نحوها ثم قال وهو يراقب تذبذب ملامحها

يا الهي ! لما هو وسيم جدا ؟ انا لا استطيع التنفس ، رفقا بي رجاءً ! قلبي توقف عن هذا !

" ما الذي كنت تفكرين فيه ؟! "

" عفوا ؟! "

" ما دمت لا تستطيعين الركوع لما فعلت ذلك ؟! "

قال بنبرة معاتبة

" اعتقدت انني إن فعلت ذلك ستستجيب لطلبي ، أليس هذا ما يفعله العبيد و عامة الشعب للحصول على ما يريدونه من اصحاب السلطة ؟ "

" من قال هذا ؟! "

" لا احد ، لكنه الواقع "

كان ردها العفوي البريء صادقًا و حقيقيًا ايضا ما جعل كيران كينجي عاجزًا عن الاجابة ، ربما لان ما قالته صحيح وهو غير قادر على الاعتراف بذلك ، ساد الصمت

تلك النظرة التي رمقتني بها ، عيناها الفريدتان بشكل مرعب ، انا ارى بالفعل الواقع امامي ، اراه في صفاء عينيها الحزينتين ، ارى الواقع في يديها المشوهتين ، انا اراه في كل شبر من جسدها الهزيل

مرر نظراته المتفحصة ، تمعن في ملامحها الغريبة ، لون عينيها و شعرها ، أهدابها ، أنفها الصغير وصولا الى شفتيها المزرقتين ، بشرتها المتعبة نزولا الى رقبتها الطويلة التي تخفيها خصلات شعرها بلون الغروب ، استوقفه خداها المتوهجان ارتفعت زوايا فمه ، ابتسامة صادقة ساحرة ارتسمت على محياه جعلت قلب سينا اكثر جنونا

" في تلك الحالة ، ألا تعتقدين انه كان من الافضل الركوع لخطيبك تلك الليلة ، على الاقل قد تحصلين على فرصة اخرى ، فتتخلصين مني ، ألستُ على حق ؟ "

" ماذا ، هل انت مجنون ؟! "

كتفت ذراعيها امام صدرها ثم قالت بانزعاج :

" لما قد افعل ذلك ؟! ذلك الوغد الخائن هو من عليه الركوع وليس انا ، لما قد اتحمل انا تصرفه المقرف ، فليحترق في الجحيم ! "

" افهم من كلامك انك لست نادمة على ما فعلته تلك الليلة ؟ "

" مطلقا ! " صرحت بثقة

" انت لم تقومي بلعني في سِرك ، أليس كذلك ؟

" بشأن ذلك ا-انا .."

كانت تتفادى التقاء عينيها بخاصته تخفي بكفيها وجهها بإحراج ، ضحك بخفة على تعابيرها ثم 

" اوه ! "

رفع بذراعه الاخرى الجزء السفلي من جسدها ثم ابتسم ابتسامة جانبية و قال :

" لنكمل ما بدأناه اذًا ، يا زوجتي "

لا اشعر بالارتياح بعد ما قاله ، شعور سيء ، سيء جدا

مايك ، احضر كرسيين و اتبعني "

خاطب كيران احد الجنود الثلاثة الواقفين و الذي تبين ان اسمه مايك ، انحنى المعني بالأمر ثم انصرف لتلبية طلب سيده



مرورا برواق المعبد الرئيسي حيث يقف مجموعة من الجنود باستقامة في حين اكتفى البقية باعتقال اي شخص تقع عليه أعينهم

سينا التي كانت تبحث بعينيها عن شخص ما بقلق و ارتباك انعكس على محياها ، لقد لاحظ كيران ذلك

" انا لن امس جماعتكِ بسوء ، لا تقلقي لست لدي رغبة في الخوض في نزاع  داخلي اخر "

رغم خلفية هذا الشخص الا انه استطاع بكلامه تهدئتها و طرد القلق عن نفسها نبرة صوته و طريقة كلامه بدت نوعًا ما صادقة بالنسبة لسينا، لقد جعلها ذلك تشعر بالراحة

" ماذا عن البقية ، هل .. "

نظرته الحادة المحذرة جعلت الاحرف تتبخر من فمها ، خفضت رأسها بعد ان ادركت خطأها و التزمت الصمت

الفوضى التي كانت تعم المكان تلك الوجوه الشاحبة ، صرخات الرعب و الهلع التي انتشرت تتبع الواحدة منها الاخرى جعلت عقلي مشوشا و قلبي يخفق بجنون لدرجة انني لم ألاحظ إلا بعد مدة من وصولنا الى وجهتنا ، لست أعلم طبيعة ذلك لشعور الذي انتابني حينها ، الخوف و القلق ايضا ، انا لا أريد لهذا أن يحدث ، لقد اعتقدت انني سأكون هنا يوما ما لكن ليس مع هذا الشخص ، لم ادرك ذلك ، كيف تشبثت بردائه الازرق بقوة 

" خائفة ؟! " سأل مستفسرًا

نعم انا كذلك ، خائفة جدا ، انا لا أريد فعل هذا ، أرجوك لنعد ادراجنا .. لكن موريس ، هل سأتركه يفلت بفعلته تلك حقا ؟! أ-أنا ، تبا !

" لا "

سحبت يدي بعد أن ادركت ما فعلت ، لقد جعلت من ردائه الفخم منكمشًا ، سيغضبه ذلك حتما يا إلهي ما الذي فعلته !؟

" آ-آسفة ، آسفة جدا حقا انا .."

انت معجزة حقا سينا ، كتلة مصائب

كانت تحاول بجهد التخلص من الانكماش الذي نتج عن ضغطها بيديها طرف الرداء ، تلعن نفسها بصوت مسموع

" لا عليكِ "

" حقا ! ألا يعتبر هذا جرما ؟ "

" من قال هذا ؟! "

من اين تأتي هذه الفتاة بكل هذه الافكار و اللعنة !

" في اوستن ، إن تسبب احدهم بإتلاف لواحق احد رجال السلطة سيعاقب اشد العقاب ، هل ستفعل المثل بي ، صدقني انا لم اقصد ذلك ؟!

" ماذا ؟! "

هل هي على وشك البكاء الآن ؟! اه يا الهي ! حقا ؟

" اا .. حسنا ، توقف ، توقف ، انظري الي هل ابدو كشخص يفعل ذلك ؟ "

قلصت عينيها ثم اجابت :

" هل علي الاجابة على سؤال حقا ؟ اعني انت .."

" فهمت ، حسنا حتى إن كان هذا الرداء المفضل لدي انا لن اقتل احدا لانه قام باتلافه "

نضف حلقه ثم فرك أنفه و أضاف :

" انا لست بهذا السوء "

رفعت سينا احد حاجبيها ترمقه بنظرة شك ما جعل كيران كينجي يعيد التفكير في ما قاله

هل انا حقا سيء ؟ لا اصدق انني اهتم لما تقوله هذه البرتقالة ، آه يا إلهي !

"حسنا فهمت والآن هلا دخلنا ؟! "




اراحت ذراعها على الطاولة تتثاءب بملل بعد كل الثرثرة التي أجبرت على الاستماع إليها أدركت سينا انه لا مفر من الخوض في هذه التمثيلية

بعد الحادثة جل ما كانت تفكر فيه هو ايجاد البديل نبيل برتبة متدنية كان بالنسبة لها الحل الوحيد لجعل خطيبها الخائن يدفع الثمن ، التخلص من حياة الدير المقيدة كانت غايتها من البداية سواء كان ذلك مع موريس او غيره ، لم تتراجع

فكرت في الامر مليا ، بدل النبيل ذو الرتبة المتدنية ظهر امامها دوق اللقبين يعرض عليها الزواج شخصيا

هذا توفير للوقت والجهد !

فكرت سينا ترمق بنظراتها الجالس امامها ، الخيوط التي كانت تغزلها داخل رأسها بدهاء انعكس على محياها

"إذا ، ما الذي علي القيام به؟ وضح رجاءً "

تنهد كيران ثم التفت الى الجندي الواقف بجانبه ، انتشل الملف من يديه ثم قال :

" اقرئي هذا ثم قومي بتعديله و اضافة أي شروط اخرى تناسبك "

سحبت سينا الوثيقة من المغلف ثم راحت تقرأها بتمعن

_عقد زواج مزيف_

لقد جعلت تلك الكلمات الثلاثة المكتوبة بخط غليض اعلى الوثيقة سينا تشعر بالراحة ، زفرت انفاسها ببطيء ثم اكملت القراءة تتبع بحدقتيها كل سطر و كل كلمة بتمعن تام

_البند الاول سيكون الزواج شكليا قائما على المصلحة 

يمنع على الطرفين افشاء سرهما المتعلق بشكلية الزواج ، في حال قام احد الطرفين بذلك دون موافقة الطرف الاخر سيتم خصم نصف الاجر المتفق عليه

" نصف الاجر ؟! "

سعلت بقوة  تربت على صدرها ، نظفت حلقها ثم اضافت :

" ماذا عنك انت ؟ انت لا تفكر في جعلِ المسؤول الوحيد و المتضرر في هذه العلاقة ؟ "

" لما قد اخاطر بإفشاء السر الذي قد يدمر سُمعتي؟ "

نظرت اليه بعينين حانقتين ثم واصلت  قراءة الشروط

اكره كونه محقا !

_سيكون العقد صالحا لمدة ستة اشهر فقط بعدها لن يكون الطرفان مجبرين على البقاء معا

ستة اشهر فقط ؟ ما الذي سيفعله في هذه المدة القصيرة ، من يهتم فقط لننتقل للتالي

_في حال وقع احد الطرفين في حب الآخر سيكون عليه بالإجبار الانسحاب ليتم بعدها تلقائيا سحب المكافئة و الاجر وكل ما تم الاتفاق عليه

" لا اصدق ، كم انت بخيل و غير متسامح هل تعتقد حقا انني ساقع في حب مجرم مثلك ، مغرور"

" لقد احببت رجلا خائنا لن يكون صعبا عليك ان تحبي قاتلا "
ابتسم ملء شدقيه ثم أضاف :

" مهلا لحظة ، ايعقل انك خائفة من حدوث ذلك ؟"

" يالك من- "

دعك منه سينا ، فقط لنكمل ، خذي نفسا ، شهيق و الآن زفير .. يمكنك الالتزام بذلك تستطيعين ذلك ، كله يهون من اجل المال

" حسنا ، انا موافقة لكن .."

قربت وجهها من خاصته تتفرس ملامحه بعينيها الحانقتين ثم اضافت بعد ان تراجعت نحو الخلف

" عليك ان توافق على شروطي ايضا "

ابتسمت بخبث ثم فصلت شفتيها

" ان كنت سأخوض هذه التمثيلية عليك اولا ان تأخذ شروطي بعين الاعتبار و اولها .. "

استندت بمرفقيها على الطاولة ثم استرسلت تعرض شروطها :

" يمنع منعا بات أي نوع من الاتصال الجسدي بمعنى لا قبل لا عناق لا امساك بالأيدي في حال قام الطرف الاخر بمخالفة هذا الشرط سيتم الغاء العقد تلقائيا مع الزامية تسديد ضريبة الاتصال الجسدي ، هل لديك اعتراض ؟ "

" كيف يفترض لنا ايهام الجمهور بعلاقتنا الشاعرية و نحن لا نستطيع امساك ايدي بعضنا البعض ، الا ترين انك تبالغين ؟ "

تنهدت سينا بيأس ثم قلبت عينيها بإنزعاج

أكره كونه محقا للمرة الثانية !


" شيء آخر ، المكافئة و نفقة الطلاق و الاذية ، هل ستتحمل المسؤولية ؟ "

ضحك كيران ثم اعتدل في جلسته واضعا الساق فوق الاخرى و قال :

" يمكنك كتابة المبلغ الذي ترغبين به كمرتب شهري بالاضافة الى نفقة الطلاق و الاذية لانه في النهاية انا واثق بأن اموالي ستعود إلي "

احكمت قبضتها ترمقه بنظرات ذئب متوحش يتجهز للانقضاض على فريسته

سلام يا سينا ، اهدئي و لا تنفعلي تنفسي بهدوء ، زفير ..

كيف ستمضي الاشهر الستة مع هذا المغرور المتعالي كيف ؟! ، كم اريد لكم وجهه ، لا بأس يمكنك فعلها كله يهون من اجل المال ، تذكرِ ذلك سينا

زفرت انفاسها ترمقه بإشمئزاز تحاول الحفاظ على ابتسامتها المشدودة لأطول فترة ممكنة

" شيء اخر ، الى ان يحين موعد نهاية المسرحية .."

أرجو أن تمر بسرعة قبل أن يجن جنوني

" عليك ان تحرص على حمايتي ، لا اريد ان اكون ضحية مجازرك العشوائية ، هل هذا واضح ؟ " قالت بإنفعال 

" ان كنت قلقة بشأن ذلك ، يمكنني التعاهد بذلك للآلهة "

" هل تسخر مني "

" هل تبدو هذه ملامح شخص ساخر؟ "

قاتل متهور يعتبر الزواج مجرد لعبة ولا يؤمن بوجود الاله يريد التعاهد للآلهة ، لما قد يفعل ذلك ؟

" ان كنت قد انتهيت من عرض شروطك يمكنك مرافقتي حتى تكوني شاهدة على ذلك "

" هل انت جادة ؟ انت لا تعلم ما يعنيه ذلك .."

هو حتى لم يكلف نفسه عناء الاستماع الى ما ارادت قوله ، استقام واقفا ثم خطى مغادرا القاعة غير مبال بندائها

فكري في الامر جيدا سينا لما قد يخاطر هذا الشخص بفعل ذلك ؟ يال من بلهاء ساذجة سيخدم ذلك التمثيلية ، ان انتشر الخبر كيران كينجي ينصاع لطلب عشيقته و يتعاهد بولائه لها و للآلهة

كان علي الانتباه لذلك من البداية ، ما الذي كنت اتوقعه بحق السماء

طردت تلك الافكار الساذجة عن ذهنها ثم هرولت تتبعه محاولة تقليص المسافة بينهما رغم خطواته السريعة و الواسعة



دلف الاثنان الى القاعة الكبيرة التي يتوسطها تمثال ضخم الحجم يستقيم بشموخ رصت اسفله العديد من الشموع كحلقة دائرية تكفل باشعالها ذلك الرجل الذي يرتدي ثوبا ابيض اللون طويلا


" كنت في انتظاركما "

عجوز طاعن السن تتدلى لحيته البيضاء ، عيناه الغائرتان الذابلتان ، وجه شاحب تملأه التجاعيد

لا اذكر انني صادفته من قبل ؟

ما الذي اقوله كيف سأصادفه و هذه المرة الاولى التي ادخل فيها الى هنا

" تقدم ايها الشاب ليباركك الاله "

لا تخاطبه بتلك الطريقة ايها العجوز ستفقد حياتك فنغرق كلنا في الدماء ..

فتحت سينا عينيها بدهشة

لا اصدق انه انصاع لأمر هذا العجوز، هل هذا كيران كينجي حقا ، الشخص الذي لا يستمع لأوامر احد حتى ان كان الملك نفسه ، واو

كانت قطرات الدماء المتسربة من الجرح الذي شقه في كفه اليسرى تقطر داخل الاناء الفضي الصغير تتبع الواحدة منها الاخرى بسلاسة بعد أن انتهى من ذلك سكب العجوز الدماء أسفل قدمي التمثال

" يمكنكما الآن أن تطلبا ما تريدانه "

عن نفسي ليس لدي رغبة محددة فقط اريد ان تسير الامور على خير ما يرام هذه المرة و أن تمر الاشهر المتفق عليها بخير فأستطيع العودة لحياتي السابقة لكن ماذا عنه ؟

لم اعتقد قط أن شخصا مثله قد يفعل شيئا كهذا ، يبدو صادقا بحق ، هدوئه و اندماجه التام 

" سينا "

كانت تحدق فيه الى أن شردت

" هاه ! "

" ألن تقومِ بربطه ؟ "

" ماذا ؟ "

خيط القدر ! اوه يا الهي هل تمزح معي ؟!

كانت تنظر اليه بعيون جاحظة و فاه فاغر غير مصدقة
هل هو جاد حقا ؟!
همست " هل انت بكامل قواك العقلية ؟ "

ليرد هو الآخر بنبرة الصوت ذاتها

" حاليا ، نعم ! "
رفعت رأسها تتمتم بعبوس و عينين ذابلتين

" آه يا إلهي ! ما الذي إقترفته "

ثم اخذت كبة الخيط الاحمر و قامت بربطه حول معصمه

"فلتباركما الآلهة و لتغمر حياتكما بالحب و السعادة"

حقا ! لا اصدق ،  لقد عشت سنوات ١٨ على انني شخص قبيح مسخ منبوذ لكن وفور دخول رجل ، هذا الرجل إلى حياتي اصبحت مباركة ، حقا .. يالسخرية القدر

اذكر انني كنت سابقا أعامل كالماشية ، أليس هذا ما يسمى سحر السلطة ، لو كنت متورطة مع شخص من العامة لتم جلدي حتى الموت ، هل علي ان اكون ممتنة لهذا المتعالي حقا ؟
حسنا سأفعل

" زواج احتيالي ، أليس كذلك ؟ كيران "

بعد أن غادر ذلك الكاهن القاعة كان علي ان اوضح بعض الامور
" سأناديك باسمك من الان فصاعدا ، إن كنت سألعب دور زوجتك سيكون من الصعب علي مناداتك بالدوق او باسمك الكامل طوال الوقت لذلك أرجو أن توافق على ذلك كما انه سيكون من الجيد لنا كزوجين مزيفين محتالين هدفهما الاول هو اقناع الجمهور بقوة حبهما منادات بعضنا البعض دون رسميات ، ألا توافقني الرأي ؟ "

لقد بدا تصرفها فضَّا نوعا ما لكن بالنسبة لكيران كان ذلك جريئا ، لقد احب جرأتها و نظراتها الجادة ، رغم معرفتها لهوية هذا الشخص هي لم تفكر منذ لقائهما في مجاملته او التودد اليه ما  جعله يستغرب تصرفاتها في كل مرة كانت تفاجئه

انتظرت اجابته عن سؤالها لكن صمته دفعها للإضافة قائلةً :

" ان كانت مناداتي لك باسمك مزعجة لك او شيء من هذا القبيل .."

كانت تفكر ، فركت ذقنها لتبدو كسيدة حكيمة منظرها بدى مضحكا ، انتظر كيران ما ستدلي به معتقدا انها ستتراجع عن ذلك ، لكن ..

" عليك ان تتحمل ذلك ، ستة اشهر فقط انت لن تموت بسبب مخاطبتي لك بدون رسميات "

احتضنت جدران القاعة ضحكته الصادقة التي اطلقها فور سماعه رد سينا الجريء ، مسح الدموع المتسربة من عينيه جراء الضحك ثم قال لاهثا :
" حسنا انا استسلم ، افعلِ ما يحلو لك "
" حقا ! " صاحت بحماس تنتظر تأكيده لكلامه

أومئ كيران برأسه ثم أضاف :
" نعم ، انا اسمح لك بمناداتي بإسمي دون رسميات فقط إن .."

فقط إن ماذا ؟!

" فقط إن سمحتِ لي بمخاطبتك بإسمكِ "

نضفت سينا حلقها ثم ارجعت خصلات شعرها نحو الخلف تتصنع الغرور

" لا بأس لكن أرجو أن لا تبالغ في ذلك ، فأنا شخص يهتم كثيرا لسمعته "

كانت تمثيلها لدور المرأة الارستقراطية المغرورة مضحكا جدا ، كيران الذي حاول كتم ضحكته لم يستطع التحمل فانفجر ضاحكا لكنه توقف فجأة ، لقد تذكر شيء ما ..


" لحظة رجاءً "

" هل هناك خطب ما ؟! "

" بخصوص الخاتم انا .."

خاتم ؟

اخرج من جيبه خاتما فضيا بسيطا تتوسطه جوهرة قرمزية صغيرة زادته بريقا

" اعلم أن هذا لا يعتبر خاتم زواج  لكن .. "

كله بسبب اولئك الاوغاد لقد حذرتهم من ذلك ، سألقنهم درسا قاسيا

كان يخفي وجهه المحرج بكفه الكبيرة

" يبدو انه كبير ، اصابعك رفيعة جدا ، لقد طلبت من اولئك الاوغاد أن ينتبهوا "

كانت غاضبا يتواعد رفاقه بالويلات

" قلت ان زواجنا سيكون شكليا ، لست مضطرا للاهتمام بهذه الامور "


" اعتذر عن ذلك ، اعدك بأنني سأشتري لك الخاتم الذي تطلبينه فور وصولنا إلى العاصمة الى ذلك الحين .. "

" الى ذلك الحين سأتدبر أمري بهذا الخاتم بغض النظر عن حجمه الكبير الا ان تفاصيله فاتنة ، انا مغرمة به "

تمعنت في تفاصيل الخاتم الذي استوطن اصبعها الرفيع غير مصدقة ، رغم كبر حجمه الا انها كانت سعيدة جدا به ، لقد لاحظ كيران تقوس عينيها ، ضحكتها الرنانة تلك ، كانت تراقص اصابعها بحماس  ، رغم كل الفوضى و الاحداث المتسارعة التي حدثت خلال هذا الاسبوع و التي كادت تدفع سينا للجنون الا أن الخاتم و الإتفاقية دفعاها للتفكير في حلول اخرى و عدم الاستسلام

" كما تريدين "

اعتدل كيران واقفا بعد أن استيقظ من جلسة تأمل الغريبة الواقفة أمامه ثم أضاف :

" سأطلب من مايك أن يرافقك الى العربة ، لدي بعض المهام علي إنهائها قبل العودة ، سألحق بك"

مهام ؟! لقد أدركت سينا نوع المهام التي عليه إنهائها لم يكن صعبا عليها معرفة ذلك 

" ستقتله ، أليس كذلك ؟ " قالت بجدية ثم اضافت :

" كما فعلت بالمحافظ ، هل انا على حق ؟ "

نظرتها الحادة تلك التي رمقته بها جعلته يراجع اعتقاداته

لقد صُدم ، لم يعتقد قط بأنها بهذا الذكاء لكنه اصبح متأكدا من ذلك الآن قدرتها على ربط الاحداث بعضها ببعض ، دقتها و اطلاعها لقد اعتقد انها فتاة ساذجة امية من اوستن تتصرف بعبث و دون تفكير

لقد اسأت تقديرها !

اعترف لنفسه ، هذه الفتاة التي استطاعت كشف حقيقته و مواجهته بها ، نظرتها تجعله عاجزا تماما

قدرتها على السيطرة على دواخلي ، كما لو انها ترى نفسي العارية بوضوح دون ستار

مثير للاهتمام

دنى منها يربت على راسها بكفه الكبيرة ، هذب خصلات شعرها المبعثرة بعشوائية التي كانت تخفي وجهها الدائري الصغير، تمعن مطولا في عينيها ، لقد كان غارقا داخلهما يفكر في اجابة ما يقنعها بها رغم علمه التام بأنها لن تصدق اكاذيبه ، كان يخيل له ان لها القدرة على سحب الحقيقة من جوفه ، رغم عجزه التام الا انه استطاع الافلات بأعجوبة

ارتفعت زوايا فمه و تقوست عيناه الصغيرتان ثم اعتدل واقفا

انها المرة الاولى التي يكون فيها عاجزا بهذا القدر ، عاجر عن الاعتراف بنفسه

" لا تتعبِ رأسك الصغير بالتفكير في هذه الامور التي لا تعني لك شيئا ، فقط اهتمي بشؤوننا نحن ، انا و انتِ ، يا زوجتي "

لقد لاحظت تبددت تلك الابتسامة بمجرد انهائه لحديثه ، ملامحه الباردة كالصقيع اعادتها الى تلك الليلة ، مشهد اللقاء الاول ، النظرة و الرعشة نفسها بالرغم من انها عملت بجهد على اخفاء خوفها الشديد منه طوال الوقت الا انها فشلت لحظة تركه لها خلفه تحاول ايقاف جسدها عن الارتعاش و ايجاد تفسير او سبب منطقي واحد على الاقل لما يفعله زوجها المزعوم

بأي حق ؟ لما يصر هذا الشخص على زهق الارواح ؟

لم تتوقف عن طرح هذه الاسئلة ابدا ، كانت تحاول ايجاد تبرير لتصرفاته و بينما هي على تلك الحال استقبلت  ذلك الصوت

" سيدتي "

ذلك الشاب الذي يدعى مايك ، عليها الآن ان تنصاع لأوامر كتلة الجليد ذاك و ترافق هذا الجندي

حقا سينا ، هل ستفعلين ذلك ؟

"سيد مايك ، هل سبق و رأيت غضب سيدك يصل الى الذروة ؟ "

" سيدتي ، لا احد يجرأ على اغضاب سموه "

حقا ، هذا جيد ستتسنى لك فرصة لرؤيته غاضبا اذا ! "

رغم عدم فهمه لمقصدها الا ان ما قالته جعل مايك المسكين مرعوبا غير مصدق خاصة بعد ان لمح ابتسامتها الخبيثة التي ختمت بها حديثها ، لقد حصل بالفعل على انطباع اول رائع عن سيدته ذات الملامح الغريبة ما جعله مرتبكا ، ابتلع ريقه

" سـ سيدتي ارجوك لنعد للعربة "

عندما كان يحاول توسلها للعدول عن ما تفكر في فعله كانت بالفعل قد اطلقت العنان لساقيها 

" لا عليك مايك ، سأخبره بانك قمت بواجبك على اكمل وجه ، انت شخص جيد "


كان كيران يستند على الحائط وسط الظلام عندما انتبه سيد المعبد لوجوده

" ما الذي تفعله ؟! كيف تجرأ على اقتحام مكان مقدس تحرسه الآلهة !؟ "

" حقا ؟! إذا اعتقد انك لن تمانع الموت في سبيل الآلهة ، اسمح لي باقتلاع رأسك "

نظراته الباردة و نبرته الساخرة

" لا اصدق انني اخوض في الحديث معك لو كنت حقا تهتم لقدوسية هذا المكان لما كنت اثرت الفوضى وتحايلت على الشعب باسم الاله "

" هراء ، كيف تجرأ على مواجهتي باتهامات
باطلة "
قهقه كيران ضاحكا ثم راح يخطو نحو فريسته 

" في حال لم تعلم ، لقد توقفت عن امتهان دور المستجوب منذ سنوات بمعنى .. "

سحب سيفه من غمده ثم وجهه نحو سيد المعبد الذي سقط ارضا يعد ما تبقى له من ثوان  

" انا هنا لحسم الامر "

تسمرت في مكانها تراقب ، بركة الدماء تلك تصبح اكبر شيئا فشيئا ، شهقت بقوة

كان سيفه الضخم لايزال يقطر دما في اللحظة التي التقت فيها اعينهما ، خطى مسرعا نحوها ، ملامحه الغاضبة ، ارتفعت كفه لتستقر على عنقها العاري

" ألم امرك بالبقاء داخل العربة ؟! "

صراخه في وجهها جعل عروق رقبته تبرز ، صدى صراخه العالي جعل قلبها يسقط من مكانه مبعثرا دقاته الكثيرة
" هل ستحدث مشكلة ان لم تقتله ، الا تستطيع ابقاءه على قيد الحياة في النهايه سيكون محبوسا ومراقبا طوال الوقت ، الا يكفي ذلك ؟ هل القتل هو الحل الوحيد ؟ "
أمسكت قبضته الكبيرة بكلتا يديها ثم أضافت :

" ألن تجيب ؟ "

راقبت ملامحه الغاضبة بهدوء ، كفه لا تزال ملتصقة   برقبتها الا انها واصلت مواجهته رغم اختناق انفاسها و تذبذب صوتها

لقد استطاعت بهدوئها استفزازه

"  انت خائف من الخروج ، هل انا على حق ؟

كان لصوت سقوط الخاتم على الارض وقع خاص ترك و كلماتها فجوة في داخله ، ارخى يده تدريجيا دون وعي منه ثم تراجع  نحو الخلف بصدمة

كيف امكنك ؟!

اراد طرح سؤاله ، فصل شفتيه لكن سرعان ما إنحرف عن مراده

" غادرِ ! "

صرخ في وجهها ما جعل جسدها يرتد 


لم تكن سينا مستعدة لمواصلة الحديث تراجعت مبتعدة عنه بيأس ثم ادارت جسدها المرتجف تهرول مسرعة إلى اللامكان تحبس دموعها و تكتم شهقاتها بكفها الصغيرة بينما تخطو نحو مخرج المعبد الرئيسي

في مثل هذا الموقف ، لطالما كانت ميش ملاذها الوحيد و الشخص القادر على ايجاد حل لمشاكلها ، لقد كان حضنها الدافئ كفيلا بجعل سينا تنسى كل شيء لكن وبسبب تهورها و عنادها لم يعود في استطاعتها معانقة ميش بعد الآن هي لم تعد تنتمي الى هذا المكان ، التفكير في ذلك وحده يزيد من حدة بكائها

بلغت المخرج اخيرا ، رفعت رأسها تحدق في السماء الصافية بحزن ، مسحت دموعها المترسبة ثم بحثت بناظريها عن شخص ما ..

" مايك ! "

لقد كان ايتبادل اطراف الحديث مع الجنديين الآخرين المرافقين لكيران ، ثلاثتهم مختلفون عن بعضهم البعض تماما

إقتربت منهم ثم استطاعت بمساعدة مايك ركوب العربة الكبيرة ، لقد بدت من الخارج صغيرة جدا و بسيطة  لكن داخلها ..
رائعة !
تفحصت كل شبر منها كالطفل الصغير الذي يكتشف الاشياء لاول مرة 

جلست وسط العربة تنظر الى زواياها ، كانت شاردة تحدق في تفاصيلها بتمعن تام ، تلك الزخارف والنقوش في الزاوية و الأقمشة الفاخرة التي تغطي جوانبها الاربع

فاخر جدا ! هذا كثير ، قلبي الصغير فلتعتد على مثل هذه الامور من الآن
استلقت على الارضية تبتسم ببلاهة

" انه النعيم ! "

" لماذا تستلقين على الارض ؟! "
وجهت نظرها نحو مصدر الصوت ، كان ينظر اليها رافعا احد حاجبيه بإستغراب

" اوه ، يا إلهي ! "

إنتفضت من مكانها بفزع ثم استقامت

متى فتح الباب !؟

" لا شيء ، فقط أ-أنا اا .. لقد كنت .."

ما هذا الموقف المحرج الآن

" ها ، حسنا اجلسِ سننطلق بعد لحظات "


" حـ حسنا "

لقد انطلقنا قبل دقائق متجهين الى العاصمة ، لا اصدق انني سأذهب الى هناك ، انا متحمسة ،
لكن ..

لماذا ينظر  إلي بهذه الطريقة المريبة ؟! ما خطبه ؟

تجاهليه سينا ، فقط تجاهليه وواصلي استكشاف المناظر من النافذة
كما لو انه غير مو-

" ارفع ثوبك "

" عذرا ؟!"

" قُلت ، ارفع ثوبك "

علمت أن هناك شيء مريبا خلف تلك النظرة ، لا وألف لا ، لا اصدق انه يرغب بفعل ذلك بهذه السرعة ، نحن لم نقم زفاف حتى والاهم لقد وقعنا للتو على عقد زواج احتيالي ما الذي-

قاطع تفكيرها هيكله الذي اصبح قريبا منها ، يده التي استقرت على ركبتها انزلقت ببطيء وجهه الذي اصبح قريبا جدا من خاصتها جعل خدودها المكتنزة تتوهج و عينيها مفتوحتين على نطاق واسع

" مـ ما الذي تعتقد نفسكـ .. "

امتدت يده أسفل ثوبها لتلامس قدمها فكاحلها 

" لـ لا تفعل ! "

دوت صرختها لتبلغ آذان الجنود الواقفين لحراسة العربة الذين اكتفوا بالتعليق الساخر و الضحك

" يبدو أن القائد لم يستطع المقاومة " قال احدهما ، فرد عليه آخر

" لقد استعاد عاداته القديمة "

ثم انفجرو ضاحكين ، اما عن سينا فقد كانت ..
" مؤلم لما فعلت هذا ؟! "

صرخت بإنفعال ترشقه بنظراتها الساخطة

" لقد قمت بتبديل الضماد فقط "
" هل كنت ستموت ان عاملتني برفق ، لقد آلمني ذلك حقا ! "
" انا لم اتعمد التعامل معك بخشونة لذا لا تُضخمِ الموضوع "
" لا تصرخ في وجهي "
" اه يا إلهي ! انت من بدأ بالصراخ اولا "  
فصلت شفتيها للرد لكن سرعان ما تراجعت فور سماعها تلك الصرخات الفزعة 

" سيدي القائد ، الغيلان تهاجمنا ! "

تصلبت في مكانها

ما الذي قاله للتو ، غـ غيلان !

ابتلعت ريقها بصعوبة ثم التفتت نحو كيران 

" مهما حدث اياك و مغادرة العربة ، واضح ؟ "
لم تتسنى لها فرصة للرد على تحذيره لانه غادر بالفعل ، تركها خلفه تستمع الى صرخات الجنود العالية ، رفعت نظرها فإذا بها تفاجئ بتلك العينين الكبيرتين تراقبانها


  نظرات ذلك الغول العملاق التي كانت تخترقها من خلف النافذة جعلت قلبها يسقط من مكانه ، تراجعت نحو الخلف بفزع تشتت ذهنها لم يعد باستطاعتها التفكير في حل لقد حذرها كيران من مغادرة العربة لكن ان لم تفعل ستلقى حتفها تراجعت خطوة اخرى الى ان ارتطم ظهرها بالجانب الاخر من العربة ، حمل ذلك العملاق العربة بكفه والواحدة  ما ادى الى سقوط سينا من النافذة

كان سقوطها على الارض الصلبة مؤلما نظرت حولها بخوف ثم زحفت مبتعدة لحظة اقتراب ذلك المتوحش منها

_اقتل ! _

ذلك الصوت الشبيه بحفيف الافعى يدندن داخل رأسها ، اخترق اذنيها  ، عانقت جسدها بقوة ثم أغلقت عينيها بإحكام ، كانت تئن كمن رأى كابوسا ، تلك المشاهد الدموية التي كانت تستحضرها رغم اغلاقها لعينيها و بينما هي على تلك الحال انتشرت تلك الاذرع السوداء الكثيفة الضبابية في الارجاء ، التفت حول ذلك الغول العملاق تعتصره بقوة

 

لقد شعرت بذلك يتم دفعي داخل الفراغ ، يصبح ضيقا شيئا فشيئا ، يتحكم بي و يعيق سيطرتي

احكمت امساك رأسها تئن بشدة

_ اقتل _

يا الهي لا ، ارجوك ليس مجددا


نظرت حولها بفزع تبحث بيدها المرتعشة عن حقيبتها ، المشهد ذاته يتكرر  ، سحبت منها تلك الزجاجة الصغيرة ، فتحتها وبينما هي على وشك الارتشاف من ذلك السائل الشفاف

_ اقتل ! _

اشتد ألم رأسها ، اصابعها كانت تتحرك بعشوائية دون وعي منها ما ادى لسقوط تلك الزجاجة على الارض

انا لا اشعر بشيء ، انه يسيطر على جسدي مجددًا 

" عد اختفي هيا اختفي "

_دماء _

"اصمت ! "


الشيء ذاته يحدث مرارا وتكرارا 

تلك القطع المتعفنة و الاجساد المكدسة المتناثرة في كل مكان تلك الارض التي كانت تملأها الاشجار و العشب الاخضر اصبحت مقفرة جرداء يلفها ضباب اسود ..

جحضت عيناها بفزع ، رؤية مؤساوية اخرى

كانت تتوسط تلك البقعة شديدة السواد ، جاثية على ركبتيها دون حراك تحكم قبضتها على معصمها تبكي بحرقة لشدة الالم ، تلك العروق البارزة المنتفخة اثقلت يديها ، صداع رأسها و النعاس الذي تلبس جفنيها كان تترنح بين الواقع و الخيال ، مشتتة الذهن تراقب بيأس و صدمة تلك الارض التي كانت قبل لحظات شديدة الخضرة تحيطها الاشجار من جميع الاتجاهات تحول جرداء ، تربتها بُورٌ ، يلفها الضباب الخانق من كل جانب


_ عُد الي !_

صوت ذلك الغريب المستمتع في عقلها يتمتم  بطلاسم غير مفهومة تعلو وجهه المشوه نظرة شيطانية مخيفة

" لا أريد "

حاولت غلق اذنيها بقوة لعل ذلك الصوت يتوقف 

_انه المصير _

" اخرس ! "

_ انت تنتمي الي ، ايليا ! _


لقد كنت على وشك الغرق ، لماذا يحدث هذا الآن ؟! شخص ما ، لينقذني احد !

" أر-أرجوك "

ذلك النور الازرق الخافت يخترق الضباب ، تماما كما حدث ليلتها اريد ان احصل عليه ، تلك الزرقة ، انا اريد ..

" كـيـ - ران "

ارتفعت يدها

لقد شعرت بكفه المرتعشة الدافئة تحط على خدي ، صوته القلق ، كان ينادي اسمي ..

" سينا ! "

نعم انا سينا

لست شخصا اخر 

انا سينا

ابتسمت براحة ثم اغلقت عينيها مستسلمة للنعاس والسؤال الوحيد الذي كان يدور في ذهنها هو كيف لهذا الشخص أن يكون سبب تعاستها و خلاصها معا

" بروسبر كيران كينجي ، من تكون ؟! " 


© جو ليآ,
книга «شمس أوستن».
الفصل الخامس : زفاف مثالي لكن ..
Коментарі
Упорядкувати
  • За популярністю
  • Спочатку нові
  • По порядку
Показати всі коментарі (4)
ماريَام '
الفصل الرابع : زوجة بالإيجار
فصلل عظيم بجد ♥️♥️♥️✨
Відповісти
2020-12-04 17:23:08
1
マリーヤム
الفصل الرابع : زوجة بالإيجار
من كتر ما الفصل حمسني كنت بقرأ شوية واقف امثلهم مع نفسي، وده اعلى مراحل الإندماج اللي ممكن اوصلها ♥♥
Відповісти
2020-12-04 17:59:10
1
starlittiara
الفصل الرابع : زوجة بالإيجار
من أكثر الفصول اللّي حبيتها ، الرّواية فيها تفاصيل جميلة.
Відповісти
2021-01-14 16:10:40
1