بينما أهرب|| Intro
CH1||مرأة مُلفِتة ورَجُلٌ عابِر
CH2|| خلق الأقدار الجميلة
CH3||الرجل الذي لا يخاف
CH4||الكتوم والآنسة الباكيّة
CH5||فضول إعجاب أم حُب
CH6||الكُره وأشياء أُخر
CH7||وجعٌ أُغنّيه
CH8||حُب العندليب
CH9||كيوبد مُتهوِّر
CH10||ملاكه الحارس
CH11||حُب الشلَّال
CH6||الكُره وأشياء أُخر
وو ويفان (العندليب)

العندليب والبرّيّة|| The Nightingale and the Wild

"الكُره وأشياء أُخَر"

...

"سمعتُ أنَّكَ تزوَّجت، هل هذا صحيح يا ويفان؟!"

لم يَكُن ويفان يتوقَّع أن يرى هذهِ الفتاة هُنا بالجِوار؛ ولكن لِمَ لا يفعل؟!
هذا سلوك طائش ومتوقَّع من إبنةِ الزعيم الطائشة والمُدلَّلة.

ليان إبنة زعيم القرية وشقيقة ايشينغ، عرضت عليه عِدَّة مرّات أن يتزوَّج بها دون أن تُحمِّلهُ أية تكاليف؛ ولكنَّه لطالما رفض قائلًا بأنَّهُ لا يرغب بأن يتزوج أبدًا.

وها هو على مشارف الأربعين وما زال يرفض الزواج منها، ولا تجرؤ أي فتاة في القرية أن تنظر له، الجميع يعلم أنَّها تعزف عن الزواج حتى تتزوَّج به، وبما إن إبنة الزعيم تُريده فلا تجرؤ أي فتاة أن تُريده لها.

إقتربت منه فيما تتكئ على بُندقيتها، عيناها ذابلة ووجهها شاحب.

"لا بُدَّ أنَّ زوجتك ليست من القرية، لا تعرفني، ولا تعرف أنَّكَ ملكي"

"من قال؟!"

عقدت حاجبيها لا تفهم سؤاله فوضَّح.

"من قال أنّي ملكك؟!"

ضحكت بسُخرية ومسحت الدموع التي تَخُط وجنتيها.

"أنا أقول وسأُريك"

أشارت لرجالها نحو لوكاس تقول.

"اتركوه يذهب، لا أنوي أن أؤذي طفل صغير"

نظر ويفان نحوه وقال.

"اذهب من هنا ولا تقلق بشأني"

إبتلع لوكاس جوفه ونفى برأسه يرفض أن يهرب بجلده ويترك ويفان وحده؛ لكن ويفان أصر.

"أخبرتُكَ أن تذهب بسرعة"

إكتسحت الجدّية نبرة ويفان وسِنحتِه؛ لذا غادر لوكاس رغم أنَّه لا يشعر بأنه بخير بعد الذي فعله.

إنتظرت ليان حتى غادر لوكاس مُهروِلًا، ثم أشارت لرجالها نحو ويفان تقول.

"خذوه"

إقترب منه عدة رجال ليسحبونه رُغمًا عنه، ولكنَّهُ قرَّر ألا يسير معهم لِمُجرَّد أنهم كُثُر والغُلبة لهم، قرَّر أن يُقاتِل لآخر نفس؛ فهذه البرّيّة وقانون البرابِرة ما يحكمها؛ البقاء للأقوى.

اقترب منه ثلاثة أولًا دُفعة واحدة، ووجد نفسه يستطيع مقاتلتهم، إذ ركل أسرعهم إليه في صدره فتدحرج إلى أسفل الجبل، الثاني باغت ويفان بلكمة فسدَّها له ويفان بضربة قويّة بمِرفقه على رقبتِه أجهزت عليه وأفقدته الوعي.

أخيرًا إقترب الثالث رغم تخوفه من الطريقة التي سينقضي بها عليه، فضربه ويفان لكمة على أنفه جعلته يصرخ والدم ينفر من أنفه.

وقف ويفان فيما يتنفَّس الصُعداء، مسح على أنفه وحبات العرق تلمع على جبينه حتى عُنقه وصدره.

"سأذهب معكِ على قدمي، لا تحاولي إذلالي، لن أسمح لكِ ولو استهلكني ذلك نفسي؛ مفهوم؟!"

أشاحت بوجهها عنه، ليست مُنزعجة، هذا ما تحبه فيه؛ أنه لا يخضع لأحد مهما كان قويًا ومهما كان أمامه ضعيفًا.

صعدت الشاحنة الصغيرة ذات الظهر المكشوف وهو صعد بجانبها، قادت إلى حيث ترغب وسألته بجوارها.

"أتعلم إلى أين آخذك؟"

"لا أعلم، ولستُ فضوليًّا، في النهاية سأثبت لكِ أن سلوككِ الأعوج لا يروقني؛ لذا لن يسير علي مهما فعلتِ!"

شزرت إليه في ضيق وهمست.

"سنرى حبيبي!"

لا تدري إن كانت تحب فيه أو لا تحب أنَّهُ بارد، ولا يمكن أن تقرأ شيء على وجهه، لا إن كان خائفًا أو أنه لا يعرف الخوف، إن كان حزينًا أو سعيدًا.

لا وجه يُقرأ له ولا له لسان يتكلَّم عمّا فيه، لا يمكن أن تدري ما يجول في خاطره؛ غموضه يجعلها تموت في حبه وتتوق له أكثر وأكثر.

وصلت إلى حيث تبغى ثم ترجَّل ويفان بنفسه قبل أن تأمره أن يفعل، وقف أمام الكوخ الصغير، الذي سبقته للدخول إليه، وطلبت من الرجال أن يحرسوه جيدًا، وأن يمنعو أي أحد من الدخول إليه، ويمنعوا ويفان من الخروج منه.

ويفان شعر بالغرابة أكثر، وأنها لم تأتي به إلى هنا لتتكلَّم، بل جاءت لسببٍ آخر هو لن يُطيقه أبدًا.

دخل فيما يعقد حاجبيه ونظر في المكان، وجد سريرًا بفراش أبيض تعلوه ناموسيّة رقيقة من خيوط الحرير تنسدل على أطراف السرير.

ثم فجأة شعر بها تُحيط خصره من خِلاف، خلع يداها عنه وإلتفت لها بعصبيّة يقول.

"ما تطمحين له لن يحدث أبدًا ولا حتى بأحلامكِ الوردية، ابتعدي ودعيني اذهب!"

ضحكت بفجور ورفعت يدها لتحسَّس خطَّ عُنقه.

"وماذا ظننت؟! أنَّني أتيتُ بك لنلعب معًا الغُميضة، لا تدري كم أنا أحب براءتك!"

أبعد يدها عنه وقرَّر أن يبتعد، لكنَّها تمسكت بذراعه وصرخت بغضب.

"أيُّها الحُراس؛ لو خرج ويفان دون أن أمنحه الإذن في ذلك فِجّو رأسه بالرصاص!"

قبض حاجبيه في غضب وهي إقتربت منه بِجُرءة، تحسَّست صدره حتى بلغت عُنقه، ثم إجتذبت رقبته إليها وطبعت على صدره قُبَل مُتفرِّقة، أغمض ويفان عينيه يَعُض على النواجذ ، هو ليس بتولًا لذا مقاومته ستكون أضعف، لكنَّه ويفان ولن يسمح لإمرأة مهما كانت أن تمنحه شيئًا رفض أن يقتات منه للأبد، وماذا لو كان بالغصب؟!

"ابتعدي عني!"

دفع بها عنه؛ فسقطت أرضًا وقرَّر الخروج لولا أنها تمسَّكت بقدمه ووجدها تضحك ضحكات مريضة وعيونها تملأها الدموع.

"إما أنا أو لا أحد يا ويفان؛ تفهم؟!"

خلَّص قدمه منها ونبس.

"حياتي ليست ملكك، ملكي وافعل بها ما أشاء، أنا تزوجت وانتهى الأمر، أنتِ لن تستطيعي تغيير هذه الحقيقة!"

صرخت بغضب وهي تبكي.

"اقتلوه لو خرج الآن!"

تيبَّس جِذعه، يعلم أن رجالها كلاب مُخلصة، لو أمرتهم مهما أمرت سينفذون دون أن يفكروا، تبسَّمت بين الدموع ووقفت تنكب على ظهره حتى أسقطته أرضًا، وصعدت عليه تجرده قميصه.

"توقفي عن هذا الجنون أيَّتُها المرأة المجنونة!"

أخذت تطبع على قفا عنقه قبل كثيرة جعلت جلده يقشعر، قبض على يديه بقوَّة، وطاوع يدها التي جعلته يلتفت إليها، جلست فوق حوضه تتحرَّش به بطريقة بذيئة، وانخفضت عليه تضع قُبل مُتفرِّقة على بدنه.

قبض على خصريها بيديه ورفعها عن حِجره ينهرها بغضبٍ وغيظ.

"لهذا السبب بالتحديد أنا لن أنظر إليكِ لو عدتُ أرغب في النساء"

أشار إليها بسبّابتِه وهو يكظم غضبه إلا أن ملامحه لا تفعل.

"أنتِ لن تكوني خياري الأخير حتى؛ مستحيل!"

لمعت الدموع في عينيها وهو اتبع بلهجة ثائرة.

"والآن سأخرج سواء عليهم أبقوا على حياتي أم أعدموها!"

صرخت بينما يتوجَّه للخارج.

"لا تقتلوه! أياكم أن تمسّوه بسوء!"

أصبحت عيناها حمراء كالجمر بسببِ الدموع، التي ترفض أن تُطبطب على جروحها وتندمل، مُصِر هذا الرجل أن يتركها دائمًا مجروحة وقلبها لظى.

"سينقلب السحر على الساحر يومًا ما وستدفع الثمن يا ويفان!"

خرج ويفان لا يأبه بأي ثورة قد يُحدثها غضب ليان وإنكسارها المتواتر لرفضه المُتكرِّر، لقد شعر أنَّهُ عليه أن يفعل ما يلزم معها مهما كان الثمن؛ فالآن أصبحت مسؤوليته تتجاوزه؛ بصُحبتِه فتاة مسؤول عن أمانِها وحياتها، ولن يسمح لأحد أن يؤذي ظِفرها؛ لأنها إحتمت به من وحشة الدنيا، وهو سيحمي مهما كان الذي يلجئ إليه ويحتمي به؛ وأيف أولاهم.

وليان لم تَكُ بخير بعدما تركها هكذا ورفضها للمرة التي لا تذكر عددها، سلوكه أصبح يؤذيها وبشدة، وهي إن تأذَّت تؤذي بالمثل.

أخذت الشاحنة وذهبت بها إلى المنزل الواقع بين الحقول، التي يعمل بها أرباب الأُسر من جميع القُرى المُجاوِرة؛ لإطعام أولادهم.

كان ايشينغ يُشرف على سير العمل حينما رأى شقيقته الوحيدة تقطع الطُرقات التُرابيّة بتهور؛ فعلم أنَّ هناك خطب أزعجها.

توجَّه نحو المنزل وسأل الخادمات عنها فأشرن لغُرفتها، قصد غُرفتها وأستأذنها الدخول حتى أذنت له فدخل.

وجدها تنكب على سريرها وتبكي بشدَّة، أراد معرفة ما الخطب معها؛ لكنَّها لم تمنحه الفرصة أن يفعل؛ إذ نهضت وانكبت بين ذراعيه تبكي بشدَّة.

"لقد رفضني مجددًا يا أخي، يعلم جيدًا أنني أحبه، ومستعدة أن أقدم الفردوس بين يديه لكنه يرفض، بل ذهب وتزوج وهو يدرك كم أنا مولعة به، أنه رجل حقير جدًا يا أخي!"

تنهد ايشينغ وأخذ يمسح على شعر شقيقته بعاطفة بينما شُعلة حقد وغضب تملئ عينيه، من الواضح أنَّهُ سيرد كرامة أخته المسفوكة بِطُرقِه.

...

لوكاس حينما هبط إلى القرية والخوف شغبًا على وجهه، كان هلع ولا يبدو عليه أنه بخير وفوق هذا عاد وحده؛ تكلَّف ذلك خوف الجميع على ويفان والجميع بدأ يسأله عنه.

"أين ويفان وماذا حدث له؟!"

لوكاس بإرتباك أجاب عمّا يعرفه.

"لقد هاجمتنا إبنة الزعيم على قِممِ الجبال، وحرَّرتني لكنَّها أخذته!"

الجدَّة أصابها الخوف؛ إذ تمسَّكت بقلبِها وانحنت  تبكي وتفكر بما قد يحدث لويفان بسبب حب هذه المجنونة، التي بالتأكيد علمت بمُستجدات حياة ويفان؛ ولذلك إعترضت طريقه؛ قد تقتله... الجميع يعلم ذلك.

إنها تُلاحقه مُذُّ أمدٍ طويل، مُذُّ أن رأته أول مرة وهي مُغرمة به، وعزفت عن الزواج لأنَّهُ عازف، ومع مرور الوقت يزداد جنونها به وتعلقها فيه، لا كرامة في حُبَّها له ولا حدود، تُحِبُه بجنون ولا أحد بإمكانِه ردعها؛ لا ويفان ولا أبيها أو أخيها... لا أحد.

نظرت الجدَّة نحو منزله، ماذا ستقول للفتاة التي تعيش معه؟! تقول لها أن إمرأة مجنونة به خطفته؟! ذلك لن يكون صحي أبدًا وخصوصًا أنَّها لا تعرف إيف كفايّة؛ كيف ستكون ردة فعلها؟!

تنهَّدت الجدَّة وقالت.

"سننتظره حتى المساء، إن ما آتى عليكم أن تذهبوا لتعثروا عليه"

أومئ لوكاس موافقًا.

قارب المَغيب وبدأ الرجال بتجهيز أنفسهم للصعود إلى قِمم الجِبال بحثًا عن رفيقهم ويفان الذي لم يعد بعد؛ لكنَّهم حينما أوشكوا أن يفعلوا ذلك رأوا ويفان يقترب من سهل القرية.

كانت هيئته عادية ولا يبدو أنَّهُ تعرَّض لأية مشكلة، تحمَّدت الجدة وونغ فيما تبكي وركضت ناحية ويفان، الذي تعتبره إبن لها.

"صغيري؛ هل أنت بخير؟!"

أومئ لها ويفان وطبطب على يديها التي تتمسَّك بوجتتيه قائلًا.

"بخير يا جدَّتي لا تقلقي علي!"

إحتضنته وأخذت تبكي وهو شعر بالسوء، الجدة وونغ فقط تملك ويفان في كل حياتها، ولا يمكن أن تتحمَّل خسارته أو أن ترى ضرًا يَمسَّه وتصمت.

أفلتته وبإنفعالٍ قالت.

"سأذهب إلى تلك الساقطة وأعلمها درسًا في التأدُّب معكَ يا بُني!"

تبسَّم ويفان وتمسَّك بها ينهاها.

"أنا أمامك وبخير ولن يحدث لي شيء؛ لذا لا داعي أن تخافي بشأني يا جدَّتي"

همهم لها وربَّت عليها حتى تهدّئ من روعها حتى هدأت وانكبت بين يديه تبكي من خوفها عليه.

"الشُكر للرب أنَّكَ بخير يا صغيري!"

إستهلكه بعض الوقت حتى هدأت الجدة وجالس الرجال لتهدئتهم، ثم نظر ناحية منزله، إيف بالتأكيد لا تدري عمَّا جرى له؛ ولهذا السبب لم تظهر للآن أبدًا، وبما أنها لا تعلم لن يخبرها، لا يريد أن تشعر بإنعدام الأمان وهي معه.

خلع قميصه الخفيف، ولفَّ خصره به، ثم توجه إلى ورشته الصغيرة، لقد قضى الليلة الفائتة بتجميع الأخشاب، والليلة سيعمل على صنع دولاب ثياب لأجلها.

...

جاكسون في المدينة ما زال مُتعنِّتًا يبحث عن إيف بجنون، ومُصِر أن يجدها مهما بدى الأمر صعبًا أو مستحيلًا، أمهل نفسه وصديقتها التي هرَّبتها شهرًا واحدًا فقط.

إن لم يجد إيف خلال شهر سيُعاقب نفسه ولورين، سيُعاقب نفسه لأنه إستهان بإيف كثيرًا، وظنَّ أن الخوف منه سيمنعها أن تؤتي بحركة لا تروقه، ونسى أنها إيف؛ تلك الفتاة التي لا تخاف أحد حتى لو أرهبتها اللحظة.

وسيُعاقب لورين لأنها لولا عونها لما إستطاعت إيف أن تهرب منه، وإلى أين؟!
لا أحد يعلم ولا حتى لورين.

لقد مرَّ أسبوعان على فِرار إيف، وكلما أبلغوه رجاله إنهم لم يجدوا لها أثرًا في المنطقة الفُلانيّة يزداد غضبًا؛ إذ كان جالسًا جاكسون في قصرِه بإنتظار سماع الأخبار وورده من الرجال أنهم لم يجدو لها أثرًا في تشينغداو أيضًا.

وقف بعصبية وركل الطاولة الزجاجية أمامه، ثم وقف أعلى رُكامها وهو ينفُث سُمًا من بين شفتيه.

"في النهاية سأجدك يا إيف، وسوف لن أتهاون معك!"

تناول هاتفه من جيبه واتصل بوالد لورين يدعوه إلى العشاء في بيته الليلة، ووالدها كأي رجل أعمال يبغي صعود سُلم النجاح والسُلطة في مجال الأعمال سريعًا وافق على مَضض.

أغلق جاكسون الهاتف فيما ترتسم على شفتيه إبتسامة شيطانيّة، سيكون نارًا عليهم أجمعين.

أمر عُمال المطبخ بتجهيز طاولة فاخرة لإستقبال الضيوف، اليوم سيتصرَّف بجنون، ولا أحد يملك الحق أن يلومه، ما كان على لورين أن تعبث مع رجل مجنون مثله.

حان وقت العشاء وأتت العائلة الكوريّة لتلبية الدعوة، سُعِدَ جاكسون حينما رأى رأس لورين مُنحني، ولا تجرؤ أن ترفع رأسها إليه لشدة خوفها من نتائج سلوكها الأحمق.

رحب بالزوجين وابنتهم كما يليق به لا بهم، فلو عليه هم لا يستحقوا أي إحترام أو تقدير، ما يربطهم به مصلحة، وما يربطه بهم أيضًا مصلحة، لكن مصلحته منهم مختلفة عن مصلحتهم منه، هم يسعون إلى المال والسلطة وهو يسعى للإنتقام من إبنتهم.

إستقبلهم على طاول العشاء.

كان جاكسو يترأس الطاولة والزوجان الكوريان على يمينه وابنتهم على يساره، كانت قريبة منه للغاية.

زيَّف إبتسامة على وجهه وتحدَّث إلى السيد كيم.

"أهلًا وسهلًا بكم، دعوتكم لنتحدث بموضوع يُفيد كلانا"

"وما هو أيها الرئيس؟!"

نظر جاكسون نحو لورين فيما يبتسم واتبع.

"سنتحدث بعد الطعام سيد كيم"

نظرت إليه لورين، وشعرت من نظراته المُزيفة أنها لُب الموضوع، شعرت بالخطر والتهديد، هو كان جدي حينما هدَّدها وقال أنه سيُلبسها الثوب الذي هربت منه إيف بفضلها ويجعلها تعيش حياة إيف المُقدرة لها معه.

قبضت حاجبيها بأستياء حينما شعرت يده تصعد فخذها، وأغمضت عيناها وتنهدت بقوة حينما قرص فخذها بقوة.

لفتت إنتباه والديها وادعى البراءة حينما تسآل.

"ما بكِ آنسة لورين؟ أهناك ما يزعجك؟!"

نظرت في عينيه بإستحقار.

"قرصتني بعوضة، لم أدري أن قصرًا فسيحًا كهذا تعيش به بعوضة"

قهقه جاكسون ملئ فمه، لأنه يعلم من تلك البعوضة التي تتحدَّث عنها لورين، ثم جمع كفيه معتذرًا.

"أنا آسف يا آنسة لورين، لا تلومي البعوضة، أنتِ جميلة كفاية ليرغب البعوض بقرصك حتى!"

أشاحت بوجهها عنه في أستياء، تدري أن والدها لا يفهمان ما الذي يشير إليه، وربما يريان سلوكها وقح، وذلك ليس لأنهم جاهلين في حقيقة الموقف، بل لأن رغبتهم بالمزيد من المال والسلطة تعمي أعينهم عن معاناتها، ولو شكت لهم صراحة عما يحدث لها بسبب هذا الرجل سيحملونها الذنب، لأنه في أذهانهم المُنقذ الذي سيرفع مقامهم عاليًا.

بعد العشاء؛ إجتمع أربعتهم على شراب كحولي في الحديقة، وهذه المرة حاولت حقًا لورين أن تبتعد عن جاكسون، وانتهى الأمر بها تجلس قِبالته.

كان يرمقها بنظراتٍ لم تطيب لها فيما يتحدَّث إلى والدها.

"كما تعلم يا سيد كيم؛ أن زفافي إلتغى في اللحظة الأخيرة، لقد كنتُ سعيدًا بهذا الزواج، ليس لأنَّني أتزوج من فتاةٍ مُعيَّنة بل لأنَّني أحببتُ فكرة الزواج بعينها.

هربت إيف لأنني إكتشفتُ لاحقًا أن والدها كان يضغط عليها لتتزوج بي، وأنا هكذا انتهيت وحدي كما ترى"

أومئ السيد كيم بأسى، ثم جاكسون اتبع وقد إبتهج صوته قليلًا.

"لكنَّني أفكر بالزواج ثانيةً، ولقد رأيتُ إبنتكَ عدة مرَّات ولا أُنكِر أنها أعجبتني كثيرًا؛ لذا أرغب في التقدم لها وأرجو أن توافق بكامل إرادتها دون ضغطًا من أي أحد عليها"

تطلَّعت عليه لورين بلا تصديق، لم تظن أنه سيفعل كل شيء بهذه السرعة، أيطوق لتعذيبها بهذه الطريقة إلى هذا الحد المجنون؟!

والداها على عكسها كانا سعيدان بتلقّي الخبر السعيد، لكن هي لم تَكُ سعيدة بسماع ذلك، أن تلبس الفستان الأبيض لزفافها على جاكسون كما لو أنها تلبس الفستان الأبيض لجنازتها.

تطلَّع والديها لها بحماسة، وحينما كادت أن تتحدَّث لترفض عرضه؛ ولتسقط أحلام والدها الوردية، التي يعلقها على أكتافها أسكتها جاكسون قبل أن تبتدئ حتى وقال.

"أرغب في أن تفكري عميقًا بالعرض قبل أن تقولي نعم أو لا، والآن لو سمحتِ يا آنستي الجميلة أرغب في التحدث إليكِ على إنفراد لو أذن لنا والداكِ أولًا"

سرعان ما أومئ الزوجان كيم موافقان على أن ينفرد جاكسون بإبنتهما وحدهما، نهض جاكسون.

"تفضلي معي آنستي الصغيرة!"

نهضت خلفه تتبع خُطاه بإرتباك، وكلما تقدَّمت معه إلى الداخل شعرت بالرهبة ولجَّها الخوف لجًا، دخلت بعد دخوله إلى مكتبه، وما أن أغلق عليهما بابًا واحدًا تحوَّل إلى رجل آخر، لا يعرفونه أهلها ولكنه تعرفه، وجهه الحقيقي قد ظهر.

إذ فورما أدار وجهه إليه كان ينظر لها بعينٍ غاضبة ويعقد حاجبيه في أستياء شديد، وكأنَّهُ يَود لو يقتلها الآن.

"تعلمين أنَّهُ لا يُمكنكَ رفض عرض زواجي عليكِ أبدًا يا آنسة لورين؛ أليس كذلك؟!"

عقدت ذراعها على صدرِها واتبعت تنبس بتحدّي.

"ولِمَ لا يُمكنني أن أرفضك؟! تعلم جيدًا أنَّني لا أُطيقك، ولا أهتم لمصالح أبي، التي يبغيها منك سيد وانغ"

ضحك بسفاهة وأخذ يُصفِّق لها فيما يزلف منها.

"ظننتُك من الصِنف الضعيف الخاضع؛ لذا لم يروقني اللعب معكِ.

كان علي أن أحزر ذلك مُذُّ أن كنتِ شُجاعة كفايّة لتقومي بتهريب صديقتك، التي بالمُناسبة تشبهكِ كثيرًا!"

سار حولها وهو يجمع كفّيه خلف ظهره.

"ألا تعلمين أنَّكِ تُشبهينها كثيرًا حقًا؟!
نفس الشخصية والسلوك، أعجبتِني!"

تلمَّس ذراعها بأطراف أصابعه فأبعدت يدها والتفتت إليه بغضب.

"لا تلمسني!"

برم شفتيه ورفع كفّيه.

"حسنًا؛ لن أفعل للوقت الحالي فقط!"

عقدت ملامحها بأستياء وهو اتبع.

"تعلمين أنني لن أقع بالفخ مرَّتين"

"ماذا تقصد؟!"

"انظري إلى هنا"

نظرت إلى حيث يشير؛ وإذ بشاشة تنسدل كما لو أنها ستارة، حمل جهاز التحكم وأشار إلى الشاشة يقول.

"إن رفضتِ الزواج مني ستكون هذه الملفات عند الشرطة!"

إلتفتت إليه وإلتبسها القلق.

"ماذا تقصد؟!"

تبسَّم حينما شعر بالقلق في صوتها.

"أقصد أن والدكِ لم يُحسن التصرُّف قانونيًا، وهذه الملفات التي ترينها على الشاشة كافية أن تسحب كل أملاكه منه وتزجه بالسجن حتى يتعفن، هو سيموت بالداخل بسبب الإذلال والخسارة، وأنتِ في الخارج من الجوع والذل والفقر والعناء"

إمتلأت عيناها بالدموع وشدَّت على قبضتيها بِشِدَّة وهو اتبع.

"أما زِلتِ لا ترغبين بالزواج مني؟!"

بلَّلت الدموع وجنتاها، تشعر بالقهر والغضب، ما يجعلها تفور سخطًا وقهرًا أنَّها لا يمكنها أن تفعل شيء سوى أن تطاوعه، تقدم نفسها بدلًا من والديها.

بإستهجان قالت.

"ألهذهِ الدرجة ترغب في الإنتقام مني؟!
أنا فقط حررت صديقتي وحررتك من زواج ليس مرغوبًا، ألهذه الدرجة ترغب أن تعذب نفسك في زواج فاشل؟! أتظن أن الأمور ستسير كما تريد حقًا؟!"

برم شفتيه ثم أومئ قائلًا.

"نعم؛ أنا أظن ذلك فعلًا وسيحدث ما أريده أنا إلا أن فضَّلتِ التشتُّت"

إقترب منها كثيرًا حتى أوشك جسده أن يلمس جسدها، وضع أصابعه أسفل ذقنها وجعلها تنظر إليه وقال.

"إلا أن فضلتِ أن تتعرضي للذُل مع أمك وأبيك وليس وحدك!"

أخفضت رأسها فيما لا تتوقف عن البكاء الذي يضج بالسكوت والكثير من القنوط.

"حسنًا سأفعل لكن بشرطين"

رفع رأسه بعلياء وأومئ.

"الأول؛ أن تُساعد أبي أن يحقق النفوذ الذي يبغيه."

أومئ برضا فاتبعت.

"الثاني؛ أنَّك لن تُسيء التصرف معي علنًا، أمام الناس عليكَ أن تتصرَّف معي كما يجب أن تُعامل إمرأة!"

إرتفع حاجبه وابتسم بِغِلظة.

"وبيننا؟!"

نظرت إليه رُغمًا عن نفسها واتبعت.

"افعل ما تشاء، لكن لا يمكنكَ أن تضربني أو تقيم علاقة معي أو تحبسني"

قهقه بسخرية واتبع.

"سأفعل ما أراه مناسبًا بيننا، أنتِ لا يمكنكِ أن تشترطي علي"

بإنفعالٍ صاحت.

"ولِمَ سألتني إذًا؟!"

أمسك بذقنها وشدَّ عليه بقوَّة يقول.

"لأنني رغبتُ في سماع رغباتك لأخالفها فقط، استعدي للعذاب معي عزيزتي!"

أفلتها بقسوة آلمتها ثم خرج وهي تحسَّست ذقنها تتألم، الأحلام التي بنتها على عاتق رجل المستقبل تتحطم واحد تلو الآخر بسبب هذا الرجل، الذي إنتهت معه.

هل تشعر بالندم لأنها أنقذت إيف؟!
لا، ولم تتردد بينها وبينها أن تقول لا، لقد حررت نفسها من قيد العلاقة التي كانت تأسرها وإيف وحوَّلتها لصداقة صادقة وجميلة... لا تندم ولن تندم؛ لأنها قد أحسنت السلوك بتحرير صديقتها من زواج فاشل وتحرير نفسه من صداقة كاذبة.

...

وقفت إيف مُستندة على إطار باب منزل الجدَّة دون أن تتجاوز حدود رُدهة المنزل فيما تنظر نحو ويفان وهو يعمل في ورشته مُذُّ يومين، لا يأتي إلى المنزل مُذُّ يومين أبدًا ولا حتى يأكل أو ينام، يأكل وينام في ورشته ويعمل طيلة الوقت حتى أنه تجاهل تدريس الأطفال ليومين متتاليين ولم يذهب إلى الشلال وفقط يعمل في الورشة.

كانت الجدة قادمة فيما تحمل على يديها صينيّة من قش تحمل عليها إبريق من الشاي وثلاث كؤوس صغيرة من الزُجاج.

"جدتي؛ ما الذي يشغل ويفان لهذه الدرجة؟!"

تبسَّمت الجدة ونبست فيما تصُب الشاي.

"لا أدري، ويفان هكذا... حينما يسوء مزاجه يعمل بإفراط حتى يُنسيه الإرهاق الجسدي آلامه الأُخرى"

قبضت إيف معالمها بإستغراب وقالت.

"لِمَ يا جدَّتي؟! ما الذي يزعجه؟!"

تنهدت الجدَّة ونبست.

"الكثير من الأمور بوسعها أن تزعجه يا عزيزتي"

نادت الجدَّة على ويفان.

"ويفان تعال وخذ إستراحة قصيرة مما تفعله"

ترك ويفان ما يفعله وأتى إلى ردهة منزل الجدة، جلس قبالة الجدة بجانب إيف حينها إيف قالت للجدة تضيق عينها.

"دومًا ما تُناديني عزيزتي صغيرتي أو شيئًا من هذا القبيل؛ أتعلمي ما هو اسمي يا جدَّتي؟!"

ضحك ويفان حينما ضحكت الجدة.

"اسمكِ صعب يا ابنتي!"

"وما هو اسمها أيَّتُها الجدة؟!"

ذلك لم يكن سوى صوت ايشينغ، الذي يقترب بعصابتِه البلطجيّة.

وقفت الجدة بخوف وويفان أمسك بالجدة وإيف خلف ظهره، وقابل ايشينغ.

"لا صالح لك بمعرفة اسمها أو أي شئء عن زوجتي!"

نظر ايشينغ ناحيتها ثم غمز لها، ثم نظر إلى ويفان يُتبع.

"دعنا من زوجتك الآن، لاحقًا يأتي دورها، لكن الآن أتيتُ لإنتقم منك، وأظنك تعلم لأي سبب!"

..............................

يُتبَع...

"الكُره وأشياء أُخَر"

العندليب والبرّيّة|| The Nightingale and the Wild

9th/Aug/2021

..........................................

دمتم سالمين❤
❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤
Love❤










© Mercy Ariana Park,
книга «العندليب والبرّيّة|| The Nightingale and the Wild».
CH7||وجعٌ أُغنّيه
Коментарі