Synopsis
Chapter One: نقطة الانهيار
Chapter Two:ظلال متغيرة
Chapter Three:في قبضة الظلال
Chapter Four: وجه جديد في الظلال
Chapter Five : بقايا الرماد
Chapter Six: خيوط متشابكة
Chapter Seven: خيوط خفية
Chapter Eight: الاستحواذ
Chapter Nine: ليلة السيطرة و وسم الخضوع
Chapter Ten: استيقاظ الروح المتروكة
Chapter Eleven: شباك الاكاذيب
توقف مؤقت
Chapter Eight: الاستحواذ
تدفقت أمواج موسيقى التكنو الصاخبة من الغرفة الخاصة في نادي الليسيوم، لكن صخب القاعة الرئيسية، الذي اخترق الجدران العازلة، كان كافياً ليهمس لليو بأن لحظة الخروج قد حانت. لم يحتاج ديمون لأكثر من سحب خفيف، لمسة لا تشي بالقسوة لكنها لا تقبل الجدل، ليجد ليو نفسه ينجرف من العتمة النسبية إلى وهج الأضواء المتقطعة والضباب الكثيف. كان الهواء ثقيلاً بالروائح المتداخلة: العطر الفاخر، دخان السجائر، ورائحة العرق الخفيف. لم يوجها خطاهما نحو المخرج، بل انغمسا في قلب الحشد المتراقص، شقاً طريقاً مباشراً نحو مركز النادي الصاخب.
كانت هناك، تحت وهج مصابيح الليزر التي ترسم خطوطاً خضراء وحمراء على وجوه الحشود، تتجمع دوائرٌ من القوة الخفية. هناك جلس جوليان، يتبادل الحديث بجدية مع شخصيات أخرى بارزة من عالم النفوذ والسلطة الخفية، الذين كانوا يراقبون المشهد العام للنادي بعيون خبيرة، كأنهم يشاهدون مسرحية غير مرئية. شعر ليو بتلك العيون تلتف حوله، تتتبعه، وبقلبه يخفق بعنف، كالطائر المحبوس في قفص ضلوعه، كلما اقتربا من بؤرة الاهتمام تلك. كانت كل خطوة عبئاً، وكل نبضة إيذاناً بما هو قادم.
عندما وصلا إلى مركز الدائرة المفتوحة تلك، حيث كانت الأجواء مشحونة بترقب خفي، توقف ديمون. ارتفعت موسيقى التكنو لتصبح ضربات قلب، بينما نظر ديمون حوله ببرود، وكأنه يقيّم مسرحاً قد أُعد خصيصاً له. عيناه الرماديتان، الجليديتان، مسحتا الوجوه، ثم عادتا لتستقرا على جوليان، ومضت بينهما رسالة غير مرئية. في تلك اللحظة، كان ديمون يعلم تمامًا أن الأنظار كلها موجهة إليه، وأن هذه هي اللحظة المناسبة لتنفيذ ما كان يخطط له.
لم يمهل ديمون ليو وقتاً للتفكير. جذبه أقرب إليه، وأحاطت يده بخصره بقبضة محكمة، لكنها كانت تحمل لمسة ناعمة، خالية من أي عنف، تدفعه إلى حافة المتعة والخجل في آنٍ واحد. سحبه بمهارة غير مسبوقة وأسقطه على حجره، وشعر ليو بالصلابة الساخنة لجسد ديمون تحته. كان الخجل المحرق يصبغ وجهه حتى أذنيه، لكن يد ديمون، التي بدأت تتجول بخفة فوق قميصه، أرسلت قشعريرة غريبة إلى عمق كيانه. تحركت أصابع ديمون ببطء، ببطء شديد، وفتحت أول أزرار قميص ليو، بينما كان وجهه مواجهاً للحشد، كأنه عُرض للبيع في سوق علنية. كان ليو في صراع داخلي، شعور غريب من الاستثارة يسري في عروقه، يختلط بالذعر الذي لا يوصف. كانت اللذة والخوف يتصارعان في صدره، ووجد نفسه عاجزًا عن المقاومة، مسلوب الإرادة تمامًا.
على بعد أمتار قليلة، التقطت عينا جوليان الموقف على الفور. تجمدت ابتسامته، وضاقت عيناه بحدة، متجاهلاً الحديث الدائر حوله. كان يرى ليو، الشاحب، الضعيف، على حجر ديمون، في هذا العرض الوقح للسلطة.
ثم، في تلك اللحظة التي شعر فيها ليو أن الهواء يتجمد في رئتيه، انحنى ديمون ببطء، ببطء شديد، ووجهه يقترب من عنق ليو المكشوف تماماً. لم تفارق عيناه الرماديتان، كشفرتين من الجليد، عيني ليو، وكأنه يلتهم روحه. شعر ليو بأنفاس ديمون الباردة تداعب بشرته، تبعتها لمسة ناعمة، ثم ضغطة قوية، محسوسة، وعميقة. لم تكن مجرد قبلة عابرة، بل مصة محسوبة، متعمدة، وباردة، ترك ديمون على إثرها علامات حمراء داكنة تتراوح بين الأرجواني والأزرق بدأت تظهر وتتضح مع كل ضغطة، وكأنها وشوم حارقة تُطبع على ملكية. كل نبضة في عنق ليو كانت ترسل قشعريرة من الخجل المحرق، والذعر الذي لا يُوصف، والهلع العميق الذي يقرع في أذنه. إدراكاً منه أن هذه العلامات تُطبع الآن على بشرته ليراها الجميع، كإعلان علني بالملكية من ديمون.
كان جوليان يتنفس بصعوبة. رأى اللون يتغير على عنق ليو، وشعر بضربة حادة في صدره. تلك الكدمات الداكنة، التي ظهرت أمام عينيه، كانت تصرخ برسالة لا يمكن إساءة فهمها: هذا ملكي. ارتفع الغضب في عروقه، وكاد ينهض ليمزق ديمون إرباً، لكن هالة ديمون الطاغية، التي كانت تتلذذ بهذا العرض، شلّت حركته. كان يرى ليو، أسيراً على حجر سيده، بعينين زائغتين، لا تقوى على الرفع.
شعر ليو بآلاف العيون تلتف حوله، سهام حارقة تخترق جلده، وتهتك عورته. ارتفعت حرارة وجهه حتى كادت تحرقه، وأراد أن يصرخ، أن يركض، أن يختبئ في أي مكان، أن يصبح غير مرئي، لكن قبضة ديمون على خصره كانت تثبته على حجره، كدمية لا حول لها ولا قوة، مجبراً إياه على مواجهة كل تلك العيون الفاحصة. تبادلت الشخصيات المحيطة النظرات، بعضهم بفضول مصدوم، وبعضهم بابتسامات خفية من الإعجاب بالقوة الخالصة التي يظهرها ديمون. همس البعض حولهم، وضيقت بعض النساء عيونهن بفضول أو استنكار، بينما اكتفى الرجال بنظرات سريعة مليئة بالمعاني قبل أن يحولوا أنظارهم. كانت لحظة قصيرة، لكنها بدت كالأبدية بالنسبة لليو، رسخت في روحه إدراكًا لاذعًا لمدى سيطرة ديمون عليه، في الأماكن العامة، وتحت أعين من يعرفهم، وكأن جسده لم يعد ملكاً له على الإطلاق.
بعد ثوانٍ بدت دهوراً، انحنى ديمون قليلاً، ثم وضع كلتا يديه على كتفي ليو ورفعه ببطء عن حجره، وكأنما يرفع تحفة ثمينة. لم يترك ليو يبتعد، بل أحاط ذراعه بخصره مرة أخرى بقبضة محكمة، وسحبه بخطوات واسعة نحو مخرج النادي. لم يقل كلمة واحدة، بل التفت ونظر إلى ليو مباشرة في عينيه. كان يكفيه أن يرى مزيج الذعر والخضوع الملتصق بعيني ليو، وأن يلمح بعينيه علامات ملكيته الحارقة على عنقه، ليوقن أن رسالته قد وصلت، وأن ليو قد فهم. في تلك النظرة، كان هناك كل ما لم يقله: "لقد أصبحت الآن ملكي، تماماً كما خططت." سارا في صمت مطبق، بينما أصوات الموسيقى والمحادثات تتلاشى خلفهما، تاركين وراءهما الأضواء المتراقصة والعيون الفاحصة.
مع إشراقة صباح اليوم التالي، لم يكن ليو يشعر بألم العلامات الباهتة على عنقه بقدر ما كان يشعر بوطأة قبضة غير مرئية تلتف حول روحه. كانت ليلة النادي نقطة البداية، البصمة الأولى لسيطرة أعمق. لكن الخناق الحقيقي، الذي بدأ يلتف حوله ببطء لا يرحم، كان يتمثل في كل دقيقة يقضيها في أروقة "بلاكوود إنتربرايز" اللامعة. هنا، تحولت هيمنة ديمون النفسية والعاطفية الخالصة إلى واقع يومي، تتغلغل في كل تفصيل من عمل ليو، وتستنزف روحه ببطء.
كان ديمون يطلب منه تقارير بلا عيب، ثم يعيدها إليه مُعلمة بخط أحمر خفي، "لغتك هنا تفتقر إلى الإلزام، ليو. أعد صياغتها لتجعلها قوية بما يكفي لتحرك جيشاً." لم تكن هذه مجرد تصحيحات، بل إعادة تشكيل كاملة لأسلوب ليو، لفكره. كانت عينا ديمون الرماديتان، كالصقر، تتبعان كل حركة له، وكل تفصيلة في تقاريره، وكل كلمة ينطق بها. كان يطلب منه مراجعة التقارير مراراً وتكراراً، ويحرص على أن يكون ليو متواجداً في مكتبه لساعات طويلة، أطول بكثير مما تتطلبه المهام الفعلية، فقط ليشعر بوجود ديمون الكثيف والمراقب، بضغطه المستمر الذي يخترق مساحته الشخصية دون لمسة واحدة.
كلما ارتكب ليو خطأ بسيطاً، أو حتى بدا متأخراً في فهم توجيهاته المعقدة، كان ديمون يتدخل بنبرة هادئة ومسيطرة: "ليو، هذا التقرير يحتاج إلى إعادة هيكلة كاملة. أرقامك غير دقيقة، وتحليلاتك سطحية. أعده لي في غضون ساعة، مع بيانات إضافية من الربعين الماضيين." لم تكن الأوامر غاضبة، بل دقيقة، لا تقبل النقاش، وتتراكم بسرعة. كانت المهام تنهال عليه، واحدة تلو الأخرى، مصممة لاستهلاك كل لحظة من وقته وجهده، دون أن تترك له مجالاً للتفكير أو حتى التنفس. شعر ليو بأن ذهنه يتشابك، وقدرته على التركيز تتلاشى، مع كل تصحيح لاذع وكل مهمة جديدة تضاف إلى كومة أعماله. لم يكن هناك صراخ أو غضب، فقط تلك العيون الرمادية التي تتبع كل حركة ليو، وتلك الكلمات المنتقاة بعناية والتي تزيد من إحساسه بالعجز، مما جعله يشعر بالانكماش تحت وطأة هذا الاهتمام الخانق الذي يسلبه حريته الفكرية والعاطفية، ويعزز شعوره بالاستحواذ الكلي.
ومع مرور شهر كامل على تلك الأيام الخانقة في "بلاكوود إنتربرايز"، غاص ليو في هاوية من الإرهاق النفسي والروحي. لم يكن الجسد هو المنهك بقدر ما كانت الروح. تحولت السيطرة المتزايدة لديمون إلى سجن نفسي لا يرى جدرانه، خناق يلتف حوله ببطء، يفقده القدرة على التنفس بحرية. كل دقيقة في المكتب أصبحت عبئاً ثقيلاً يضغط على صدره، لا يجد معه متنفساً. فقد ليو بريقه الذي كان يميزه؛ أصبحت عيناه غائرتين، تظللهما هالات سوداء، وابتسامته نادرة وشاحبة، وضحكته غابت تماماً. كان ينام بصعوبة، تطارده كوابيس تزداد قتامة، يستيقظ منها وهو يشعر بذراعين خفيتين تضغطان على حلقه، تذكره بقبضة لا تُفلت. حتى عندما كان بعيداً عن ديمون، كان يشعر بوجوده، كظل يتبعه في كل مكان، يذكّره بقبضته المحكمة، وبأن لا مهرب.
في إحدى لياليه المظلمة، حيث بدا العالم يضيق حوله أكثر من أي وقت مضى، وبعيداً عن الأروقة الرسمية لجامعته، أمسك ليو بهاتفه. أصابعه كانت باردة ومرتعشة وهو يتوقف للحظات عند اسم "جوليان"، ثم يضغط عليه. كان يعلم أن جوليان، بصفته رئيساً تنفيذياً مرموقاً، لا يمكن لقاؤه في مكان عشوائي. كان بحاجة لمكان محايد، مكان يوفر بعض الخصوصية بعيداً عن أعين المتطفلين.
رن الهاتف ثلاث مرات قبل أن يجيب جوليان، صوته المعتاد يتسم بالثقة والجدية.
"مرحباً جوليان..." خرج صوت ليو بالكاد مسموعاً، مشحوناً بنبرة خافتة، متوترة، بالكاد يمكن التعرف عليها.
"ليو! ما بك؟ صوتك ليس على ما يرام على الإطلاق. هل أنت بخير؟" يجيب جوليان على الفور، قلقاً حقيقياً يرتسم على نبرته، مستشعراً ثقل الكلمات في صوت صديقه، الذي تجاوز مجرد التعب.
"أنا... أنا فقط بحاجة للتحدث. هل أنت متاح؟" طلب ليو بصوتٍ يكاد يختفي، وكأنه يخشى أن يسمع أحد توسله، أو أن يكسر الصمت المطبق من حوله.
"أنا في اجتماع مهم الآن، لكن صوتك يقلقني. أين أنت؟"
"أنا... أنا في شقتي،" أجاب ليو بصوتٍ متقطع.
"هل يمكن أن نلتقي في... مقهى أروما في منطقة وسط المدينة؟ في غضون نصف ساعة؟" اقترح ليو، مختاراً مقهى معاصراً وهادئاً نسبياً، بعيداً عن مناطق عملهما، حيث يمكن لجوليان الحفاظ على صورته وفي نفس الوقت توفير بعض الخصوصية.
بعد نصف ساعة، جلس الاثنان في زاوية هادئة بمقهى أروما، بعيداً عن الأعين. كانت فخامة المكان الهادئة تناقض بشدة الفوضى داخل ليو. كان الإرهاق محفوراً على وجهه؛ هالات سوداء عميقة تحت عينيه، وكتفاه منكمشتان، وكأنه يحمل ثقلاً غير مرئي ينوء تحت وطأته. كانت يده ترتجف قليلاً وهو يرفع فنجان القهوة إلى شفتيه، لكنه خفضه سريعاً دون أن يشرب.
"ما الأمر يا ليو؟ أنت تبدو... مختلفاً تماماً. لم أرَك هكذا من قبل." يسأل جوليان مباشرة، عيناه الثاقبتان تبحثان عن الحقيقة خلف تعابير ليو المنهكة، ملامح القلق تكسو وجهه الوسيم. كانت نبرته هادئة، لكنها تحمل إصراراً.
حدق ليو في بخار القهوة المتصاعد من فنجانه، متجنباً نظرة جوليان الثابتة. حاول ترتيب كلماته. "أه... جوليان، أنا... أنا فقط أواجه... وقتاً صعباً مؤخراً. ضغوط الحياة تتراكم، والدراسة... إنها تستهلكني. بالكاد أنام." كانت كلماته تخرج بصعوبة، متقطعة، تحمل ثقلاً لا تفهمه آذان جوليان بالكامل، لكنه لم يستطع أن يخفي الارتعاشة الخفيفة في صوته.
عبس جوليان، وهو يحدق في ليو بعمق، محاولاً اختراق دفاعاته الواهية. "ضغوط الحياة؟ ليو، أنت دائماً ما تكون تحت الضغط وتتعامل معه ببراعة. هذا يبدو مختلفاً. هذا ليس مجرد إرهاق. هناك شيء آخر." كانت نبرته قد ازدادت جدية، وعيناه تعكسان شكوكاً متزايدة. "هل هناك مشاكل شخصية؟ أم أن... الأمر أكثر تعقيداً؟"
ارتعش ليو، وحاول أن يلتقي بعيني جوليان لكنه لم يستطع. "لا، لا شيء من هذا القبيل،" سرع بالإنكار، صوته يعكس خوفاً، وكأن الجدران لها آذان، أو أن العيون الرمادية تراقب من بعيد. "فقط... الأمور أصبحت... أكبر مني. المطالب... أشعر وكأنني... أختنق. كل شيء يتراكم، ولا أجد لنفسي متنفساً." ضغط ليو على أسنانه، محاولاً السيطرة على ارتجافة خفيفة في صوته، التي لم تفلت من ملاحظة جوليان.
"ليو،" قال جوليان بصوت منخفض، يميل للأمام قليلاً، وعيناه لا تفارقان وجه ليو الشاحب. "لا تخدعني. ما هذا الضغط الذي يتركك هكذا؟ أنت تبدو وكأنك تحمل العالم على كتفيك. هل... هل هناك من يضايقك؟" لم يقل "ديمون"، لكن المعنى كان معلقاً في الهواء بينهما، يختبر حدود ليو.
هز ليو رأسه بسرعة، بعنف، ثم انحنق قليلاً، مدفوعاً بنوبة سعال قصيرة. "لا، لا. لا أحد. فقط... أنا مرهق. الدراسة تتطلب الكثير. أنا بخير، جوليان، أنا فقط متعب جداً." كانت كلماته جوفاء، تخلو من أي إقناع.
"اسمعني،" يصر جوليان، ونبرته حازمة لكنها تحمل دفئاً أخوياً، وقد أيقن أن هناك شيئاً أعمق يخفيه ليو. "أنت بحاجة ماسة إلى استراحة. خذ يومين أو ثلاثة بعيداً عن كل شيء. ركز على نفسك. الدراسة لن تذهب إلى أي مكان. صحتك تأتي أولاً، ليو." ضغط جوليان على كتف ليو بلطف، في محاولة لغرس بعض الأمل، لمد يد العون التي طالما كان يعرضها، متسائلاً في صمت عن ماهية هذا الضغط الذي لم يره من قبل على صديقه القوي. "فكر في الأمر. سأساعدك في أي شيء تحتاجه لترتيب ذلك."
شعر ليو بومضة أمل خافتة تومض في أعماق روحه المنهكة، لكنها سرعان ما تُخمد بالخوف من عواقب هذا القرار. لكن فكرة الابتعاد قليلاً، ولو لدقائق، بدت وكأنها طوق نجاة أخير، حتى لو كان وهماً بعيداً.
لم تدم فرصة التفكير في الراحة طويلاً. فبعد أيام قليلة من محادثة جوليان، وبينما كان ليو يحاول استجماع قواه لإكمال مشروع جامعي جديد، وصل بريد إلكتروني من قسم الجامعة. كان خبراً أثار رعباً جديداً في قلبه، يجعله يشعر بقبضة باردة تلتف حول معدته، كأن شبكة غير مرئية بدأت تضيق حوله. كان جزءاً إلزامياً من مشروعهم المتقدم حول قادة الأعمال، ويتطلب منهم إجراء مقابلة شخصية مع الرئيس التنفيذي للشركة التي يعملون لديها. وُجِّه الطلب لليو بضرورة إجراء مقابلة شخصية مع ديمون بلاكوود نفسه.
انكمش عالم ليو ليصبح نقطة سوداء لا يرى فيها بصيص ضوء. مقابلة شخصية مع "الرجل"؟ وحدهما؟ في مكتبه؟ بعد كل تلك الأسابيع من الخضوع النفسي، وبعد علامات الملكية التي لا تزال باهتة على عنقه، كوصمة خفية من تلك الليلة المشحونة؟ كانت فكرة الجلوس أمامه، تحت عينه الرماديتين الثاقبتين اللتين تخترقان روحه، ومحاولة طرح أسئلة مهنية بينما يدركان تماماً أبعاد علاقتهما الخفية، أمراً لا يطاق. سيطر عليه رعب عميق، وشعر أن كل الخيوط حوله قد شدت لدرجة القطع، وأن نهاية ما كان يعرفه قد أوشكت.
قضى ليو تلك الليلة في عذاب لا ينتهي، يتصارع مع الخوف واليأس، يدرك أنه لا مفر. في صباح اليوم التالي، بعد ليلة بلا نوم، جمع ليو شجاعته وتواصل مع مكتب ديمون، متذرعاً بوعكة صحية طارئة تمنعه من الحضور، وطلب منهم السماح لصديقه دومينيك بإجراء المقابلة نيابة عنه، مؤكداً أنه ملم بجميع تفاصيل المشروع وأنها ستكون مفيدة للجامعة.
في تلك اللحظة الحرجة، التي شعر فيها أن الجدران تقترب منه، وأن الهواء ينسحب من رئتيه، أمسك ليو بهاتفه. أصابعه كانت ترتعش بشكل لا يمكن السيطرة عليه وهو يبحث عن اسم دومينيك. كان دومينيك ملاذه الأخير، الأمل الواهن في بحر اليأس.
"دومينيك،" خرج صوت ليو بالكاد، مشوباً بنبرة مكسورة. "أنا في مأزق حقيقي وأحتاج لمساعدتك... والوقت يضيق."
"ليو، ماذا يحدث؟ صوتك..." قاطعه دومينيك بلهجة قلقة. "أين أنت؟ هل أنت بخير؟"
"أنا بخير، لا تقلق،" أجاب ليو بسرعة، محاولاً أن يبدو مطمئناً، لكن الارتعاشة في صوته كانت تخون مدى يأسه. "أنا في شقتي الآن."
"أنا... أنا بحاجة لخدمة ضخمة منك. هل تتذكر مشروع المقابلة الجامعي؟ المقابلة مع ديمون بلاكوود؟" تمتم ليو، وحاول صوته أن يبدو طبيعياً، لكنه لم ينجح. "لدي ظرف طارئ لا يمكن تأجيله على الإطلاق. أنا... أنا في مأزق حقيقي، ولا يمكنني المجازفة بمسيرتي الجامعية. هل... هل يمكنك أن تحل محلي؟ لقد أخبرت مكتبه بالفعل أنك ستأتي مكاني، وقلت لهم إنك ملم بجميع التفاصيل."
تردد دومينيك للحظة، لكن إلحاح ليو اليائس ونبرة صوته المذعورة جعلته يوافق. "حسناً ليو. سأفعلها. لكن عليك أن تشرح لي كل شيء لاحقاً. هذا يبدو غريباً جداً، يا صديقي."
"شكراً لك، دومينيك. شكراً لك. أنت تنقذني،" همس ليو بارتياح، وكأن حملاً ثقيلاً قد أزيح عن صدره للحظة، دون أن يدرك أن عبئاً أكبر ينتظره.
كانت عقارب الساعة تزحف ببطء قاتل، وكل دقيقة تمر كانت تزيد من حدة قلق ليو وهو ينتظر في شقته المتواضعة. الوقت المفترض لمقابلة دومينيك مع "الرئيس" قد انقضى منذ ساعة، لكن الصمت كان يخيم على المكان، صمت ثقيل يخنقه. تجول ليو في أرجاء الغرفة، ثم جلس، ثم وقف مجدداً، يفرك راحتي يديه ببعضهما البعض. كانت معدته تعقدت في عقدة مؤلمة من الخوف والترقب. هل سار كل شيء على ما يرام؟ هل سيكتشف "الرئيس" الخدعة؟ هل كان دومينيك مقنعاً بما يكفي؟
بعد ساعة كاملة من هذا العذاب الصامت، لم يعد ليو يستطيع التحمل. أمسك بهاتفه، قلبه يخفق بعنف في أضلاعه، واتصل بدومينيك.
"مرحباً دومينيك، كيف سارت الأمور؟" خرج صوت ليو بالكاد، مشوباً بالتوتر الذي لم ينجح في إخفائه. "هل سأل ديمون عني؟"
على الطرف الآخر، بدا صوت دومينيك مذهولاً بعض الشيء، لكنه بدا طبيعياً أيضاً، كصديق يروي تفاصيل يومه. "يا ليو، لا أصدق! هذا الرجل... ديمون بلاكوود... إنه مختلف تماماً عما تخيلت. مهيب، لديه نظرة تخترقك. لا، لم يسأل عنك بالاسم مباشرة، لكنه كان غريباً حقاً! ابتسم ابتسامة خفيفة وقال لي... قال: 'أبلغ صديقك أنني لا أقدر المفاجآت، وأنني أفضل أن أرى الوجه الذي أتوقعه في المرة القادمة.' لا أعرف ما كان يقصده بالضبط، لكنه كان غريباً حقاً!"
صمت ليو للحظة، ثم قال ببطء، محاولاً أن يبدو عادياً: "واو... لم أكن أظن أنه سيلاحظ."
أنهى ليو المكالمة بسرعة، ثم ترك الهاتف يسقط من يده على الأريكة، وكأنه قطعة ساخنة. تجمّد الدم في عروقه. الكلمات الأخيرة لدومينيك دقت في رأسه كأجراس الخطر. لقد عرف. عرف ديمون أن ليو أرسل بديلاً. لم يكن الأمر مفاجأة بالنسبة له، بل مجرد تأكيد لخطة ليو اليائسة. هذا التحذير، هذه المعرفة التي أظهرها ديمون، كانت أكثر برودة وتهديداً من أي صرخات أو عقاب مباشر. كان يراقب، ويعرف، ويسمح لليو بالتحرك، فقط ليشد الخيوط أكثر إحكاماً. شعر ليو أن الخيوط تزداد إحكامًا حوله، تحوله إلى دمية معلقة بخيوط سيد خفي لا يُرى، وأن لا شيء، أبداً، ينجو من عينيه الرماديتين. لم يكن هناك هروب.

يتبع......

إذا أعجبكم الفصل لا تنسو تحطو فوت و كومنتس
© Minami Haruka,
книга «Beyond The Collar».
Chapter Nine: ليلة السيطرة و وسم الخضوع
Коментарі
Упорядкувати
  • За популярністю
  • Спочатку нові
  • По порядку
Показати всі коментарі (2)
Sweety Marshmallow
Chapter Eight: الاستحواذ
كثير حلو الفصل حبيبتي
Відповісти
2025-09-09 11:24:32
2
Sweety Marshmallow
Chapter Eight: الاستحواذ
كنت بتمنى شوف تفاصيل ديمون مع دومينيك ليه ما عملتي تفاصيل حتى لو كانت صغيرة ؟
Відповісти
2025-09-09 11:25:37
2