Chapter Ten: استيقاظ الروح المتروكة
عندما فتح ليو عينيه، لم يكن ديمون بلاكوود موجوداً. كانت الغرفة الفاخرة التي قضاها فيها الليل هادئة ومضاءة بضوء الصباح الباهت الذي تسلل من النوافذ. جسده كان مثقلاً، وحواسه ضبابية، وكأن عقله لا يزال يعالج صدمة ما مر به. دفع ليو نفسه بصعوبة من السرير، مرتجفاً. لم تكن هناك كلمة وداع، ولا إشارة من ديمون. ارتفعت يده بشكل لا إرادي لتلامس جانب رقبته حيث شعر بوخز حاد، ووجد ملابسه مبعثرة على الأرض. ارتداها بصعوبة، متجاهلاً الألم الخفيف الذي كان يسري في عضلاته. عندما خرج من باب الشقة الفاخرة، وجد سيارة سوداء فارهة تنتظره في الأسفل. صعد إليها تلقائياً، وغرق في المقعد الخلفي، وعيناه مغلقتان. لم يتذكر تفاصيل رحلة العودة إلى وسط مدينة أوريليا، فقد كان وعيه يغيم ويصحو، لكنه أدرك أنه في النهاية عاد إلى مبنى شقته المتواضعة في أوريليا. صعد السلالم بصعوبة، وفتح بابه، ثم انهار على سريره، منهكاً.
استيقظ ليو بعد فترة وجيزة، هذه المرة في شقته المتواضعة، على صمت مطبق. لم يكن صمت شقته المعتاد، بل صمتٌ ثقيلٌ يحمل أصداءً بعيدة من ليلة قضاها في الغرفة الفاخرة لديمون بلاكوود. لا يذكر تفاصيل رحلته، فقط أنه وجد نفسه وحيداً، وكأن تلك الليلة لم تكن سوى حلم مرعب أو كابوس لذيذ يلاحق صحوه. كان جسده يؤلمه. لم يكن ألماً حاداً، بل وخزاً خفيفاً، كشمس حارقة تركت أثراً على بشرته. مرر يده المرتعشة على مؤخرة عنقه، وشعر بلسعة خفيفة حيث كانت أسنان ديمون قد ضغطت، تاركة وراءها علامة خفية، لكنها كانت محسوسة بعمق. كانت كل لمسة على جسده المتوهج تعيد إليه تياراً من الذكريات: الحبال التي قيدته، السوط الذي داعب ردفيه، واللمسات الباردة الواثقة التي اخترقت جلده، وأيقظت فيه رغبات لم يعلم بوجودها قط. شعر بالخزي. خزي عميق ومحرق، وكأن كل خلية في جسده كانت تصرخ عاراً. لقد استسلم بالكامل. أصبح مجرد جسد، أداة في يد رجل لم يكن يرى فيه سوى وسيلة لمتعته. كيف يمكنه أن يواجه نفسه في المرآة بعد ما حدث؟ كيف يمكنه أن ينظر إلى دومينيك، صديقه البريء الذي كان يحاول مساعدته، بينما هو الآن يحمل أسراره ويسلمها لديمون؟ لقد عبر خطاً. خطاً لا يمكن العودة منه. شعر بروحه قد تلوثت، وبكرامته قد تحطمت. لكن، وسط هذا الدفق من الخزي، تسللت شرارة أخرى، شرارة غريبة، لم يجرؤ على الاعتراف بها. كانت نشوة غامضة، متعة خفية، من الألم والاستسلام الذي عاشه. جزء منه، جزء عميق ومكبوت، كان يستمتع بكل لحظة من تلك السيطرة المطلقة. كان هناك شيء محرر في عدم القدرة على المقاومة، في فقدان السيطرة بالكامل. هذا الشعور المتناقض كان يمزقه من الداخل. كان يكره نفسه على هذا الجزء الذي استمتع، لكنه لم يستطع إنكار وجوده. سحب ليو نفسه من أمام المرآة، متجاهلاً انعكاسه الذي بدا له غريباً. كان الإرهاق يثقل جفنيه، وكأنه لم ينم منذ أيام. لم يشعر بالجوع، فكرة الطعام كانت تثير في معدته غثياناً خفيفاً. تجاهل الثلاجة، وتجاهل رائحة الخبز المحمص التي كانت تتسرب من شقة الجيران. كل ما أراده هو كوب من القهوة السوداء القوية ليدفع عنه غشاوة النعاس والأفكار المتشابكة. ارتدى ملابسه ببطء، مختاراً قميصاً ذا ياقة عالية نسبياً ليخفي العلامات الأكثر وضوحاً على عنقه. كانت كل حركة يقوم بها ثقيلة، وكأن قيداً خفياً يشد على جسده، لكنه دفن هذه المشاعر بعمق. لم يستطع أن يسمح لأي شخص برؤية الهشاشة التي انتابته. كان عليه أن يبدو طبيعياً، أن يتصرف كالمعتاد. هذه كانت القاعدة الأولى في لعبة ديمون، أن يظهر بقناع لا يشوبه شائبة.
خرج من شقته إلى هواء الصباح البارد في أوريليا. كانت الشوارع تعج بالمارة المتوجهين إلى أعمالهم أو جامعاتهم، وكل منهم غارق في عالمه الخاص. سار ليو وسط الحشود، يشعر بالانفصال التام. كانت ضوضاء المدينة تبدو بعيدة، وكأنها لا تصل إليه إلا كهمس خافت. كانت عيناه تتجولان على الوجوه من حوله، كل وجه يحمل قصته الخاصة، لكن أياً منها لم تكن معقدة أو متناقضة كقصته في هذه اللحظة. جلس ليو في قاعة المحاضرات، قناعه لا يزال محكماً، لكنه كان يشعر بتشققاته. كانت كل خلية في جسده تصرخ من الإرهاق، وكانت آثار الليلة الماضية لا تزال محسوسة، لا على جسده فقط، بل في روحه أيضاً. مرر يده على ياقة قميصه المرتفعة، متأكداً من أنها تخفي العلامات الأكثر وضوحاً، لكنه كان يعلم أن النظرة الثاقبة قد تلاحظ بعضها. كان يجلس في مكانه المعتاد، في الصف الأمامي، محاولاً أن يبدو طبيعياً، لكن عقله كان في حالة من الفوضى، يصارع بين الخزي والمتعة الخفية التي تركها ديمون. لم يكن يعلم ما إذا كان جوليان قد رأى أي شيء، أو ما إذا كان دومينيك سيلاحظ شيئاً مختلفاً في مظهره.
وفي هذه اللحظة، دخل دومينيك قاعة المحاضرات، ووجهه لا يزال يحمل آثار الخجل والارتباك. كان يسير بسرعة، وعيناه تتجنبان النظر إلى أي شخص، وكأنه يختبئ من شيء ما. اتسعت عينا ليو بدهشة، ومال قليلاً ناحية دومينيك الذي كان يقترب منه. "واو!" همس ليو، وعيناه تلمعان بمزيج من التسلية والقلق. "ما الخطب؟ لماذا تبدو هكذا؟" كانت نبرته عالية ومبهجة بشكل مفرط، محاولة يائسة لإخفاء الشقوق في قناعه. تنفس دومينيك بعمق، محاولاً استعادة رباطة جأشه، لكن الكلمات خرجت متقطعة، تحمل في طياتها الصدمة والذهول. "إنه... كان هنا..." قال دومينيك، ثم تلعثم وبلع ريقه بصعوبة، وعيناه تتجنبان ليو وتنظران إلى أي مكان آخر في القاعة. "سيد بلاكوود... كان هنا..." قفز ليو من مكانه تقريباً، وعيناه تتسع بصدمة أكبر من دومينيك نفسه. "ماذا؟!" صرخ ليو، صوته يعلو قليلاً فوق همسات الطلاب الآخرين. "سيد بلاكوود نفسه كان هنا؟ أين؟ كيف قابلته؟ ماذا حدث؟" انحنى ليو أقرب إلى دومينيك، يكاد لا يصدق الكلمات التي سمعها، متجاهلاً تماماً مظهره الذي يكاد يكون "بشكل فاضح" بآثار ليلة أمس. "في المكتبة... في المكتبة!" تمتم دومينيك، كأن مجرد ذكر المكان يزيد من ارتباكه. "رآني هناك... وأنا أحمل الكتاب الذي أخبرتني عنه،" قال دومينيك، ثم تجمعت الكلمات في فمه مرة واحدة، وتصاعدت حدة التلعثم في صوته، "وأمممم... لا أعرف إذا كان قد لاحظه... أرجو أن يكون لم يلاحظه!" كان واضحاً أن القلق من افتضاح أمره بخصوص الكتاب كان يسيطر عليه تماماً. اتسعت عينا ليو، ثم ضاقتا، وفغر فاهه للحظة. "إنه مهووس بك بشكل واضح!" قال ليو بشكل عفوي، صوته يحمل مزيجاً من الإثارة والذهول، لكنه توقف فجأة، الكلمات خانته، وقد تذكر للتو تحذير ديمون بلاكوود الصارم بعدم الكشف عن أي شيء لدومينيك بخصوص ليلة أمس. حاول ليو تدارك الموقف، لكن الأوان كان قد فات. "كيف عرفت ذلك؟" سأل دومينيك على الفور، عيناه تضيقان بارتياب، وتوقفت كل علامات الخجل على وجهه لتفسح المجال للدهشة والتساؤل. كانت كلماته أقل تلعثماً هذه المرة، كأن السؤال المباشر قد منحه بعض التركيز. لقد تجاوز الأمر مجرد الصدفة الآن، وبدأ يشعر بأن هناك شيئاً ما يحدث وراء الكواليس. هز ليو كتفيه بشكل غير مبالٍ، محاولاً أن يبدو طبيعياً قدر الإمكان، لكن حركات جسده كانت متوترة بعض الشيء. "لا أعرف،" قال، صوته يحمل نبرة عادية جداً، وكأنه يفكر بصوت عالٍ. "إنها مجرد فكرة مبتذلة من الروايات التي تقرأها، أليس كذلك؟ الرجل القوي، يظهر فجأة في حياة شخص ما... لا تقلق بشأن ذلك، لا شيء حقيقي." ثم ابتسم ابتسامة مطمئنة، لكنها بدت متوترة قليلاً على أطراف شفتيه، وحاول تغيير الموضوع. دومينيك، الذي لا يميل إلى التشكيك كثيراً أو التدقيق في التفاصيل الدقيقة، وبسبب صدمته من لقاء ديمون وحرجه من موضوع الكتاب، لم يلاحظ توتر ليو أو التحول المفاجئ في نبرة صوته. تنهد بارتياح نسبي، ولو أنه ما زال يشعر ببعض القلق. "حسناً، إذا كنت تقول ذلك..." تمتم دومينيك، ثم جلس بجانب ليو، وعيناه لا تزالان تتساءلان، لكنه لم يضغط على ليو أكثر. بعد انتهاء المحاضرة، خرج ليو ودومينيك معاً، يتجهان نحو الكافيتريا لتناول غداء متأخر. كان ليو يحافظ على واجهته المشرقة، يضحك بصوت عالٍ على نكات دومينيك، ويومئ برأسه باهتمام مبالغ فيه عندما يتحدث دومينيك عن مشاريع الكلية. كل ابتسامة كانت تؤلمه، وكل ضحكة كانت تتطلب منه جهداً خفياً، لكنه أتقن الدور. لم يكن يريد لدومينيك أن يرى الشقوق في روحه، أو يعرف عن الخيانة التي بدأت تتجذر بداخله. أثناء تناول ساندويتشاتهم، مال ليو نحو دومينيك بابتسامة ماكرة. "هل تعلم يا دومينيك؟ فكرت في الأمر طوال المحاضرة. أنت، يا صديقي، تبدو وكأنك بحاجة ماسة إلى بعض 'التثقيف الثقافي'!" هز رأسه مازحاً. عبس دومينيك، ثم ضحك. "تثقيف ثقافي؟ ما الذي تتحدث عنه الآن، أيها الفيلسوف؟" "عن عالم الـ BDSM في الروايات، الذي تلمح إليه قصصك، لكن هناك الكثير لتكتشفه في أعمال أكثر جرأة." قال ليو، وغمز له. "أنت تقرأ هذه الروايات، أليس كذلك؟ أعلم أنك تحب القصص المثيرة. فكر في الأمر كبحث عن مصادر إلهام جديدة!" "مصادر إلهام؟" رفع دومينيك حاجباً، لكن ليو لاحظ شرارة فضول في عينيه. كان دومينيك بطبيعته أكاديمياً ومحباً للمعرفة، حتى لو كانت عن أمور يراها غريبة. "وما الذي تقترحه بالضبط؟ هل نبدأ في البحث عن... كتب 'شهوانية' في المكتبة؟" بدا متردداً ومستمتعاً في آن واحد. "تماماً!" قال ليو بابتهاج زائف، وقد شعر ببعض الغثيان من الدور الذي يلعبه. "فلنذهب إلى مكتبة خارج الجامعة. من يدري؟ ربما نجد شيئاً صادماً أو مضحكاً. ولنكن صريحين، سيكون ذلك أكثر إثارة من واجباتنا المدرسية المملة!" اقتنع دومينيك ببطء، بضحكة خافتة. "حسناً، ليو. أنت دائماً تجد طريقة لإقناعي بأغرب الأشياء. إذا كنا سنتعمق في هذا 'العالم المظلم' كما تسميه، فأنا أثق في ذوقك الغريب." تنهد دومينيك، ثم ابتسم ابتسامة باهتة. "بعد الغداء، ما رأيك أن نذهب إلى مكتبة وسط المدينة؟" شعر ليو بلسعة من الذنب، مدركاً أنه كان يدفع دومينيك نحو مسار قد لا يفهمه تماماً، وأن هذا يخدم أجندة ديمون بشكل خفي. لكنه سرعان ما طمس هذا الشعور، وبادل دومينيك الابتسامة بنشاط مبالغ فيه. "هذا هو الصديق الذي أعرفه! دعنا نصبح "خبراء" في هذا المجال!" قال ليو، وابتسامته لا تزال لا تصل إلى عينيه.
قضى الصديقان الساعات التالية في مكتبة عامة في وسط المدينة، يتصفحان الأرفف التي تحتوي على روايات وفنون متنوعة، ويبحثان عن كتب تتناول موضوعات العلاقات المعقدة وأنماط الحياة البديلة. لم يجد ليو أي كتاب في هذه المكتبة، لذا قرر هو ودومينيك الذهاب إلى مكتبة أخرى متخصصة في وسط المدينة. كانت الأرفف تمتد من الأرض إلى السقف، مليئة بكتب من مختلف الأنواع والمواضيع. كان ليو يعرف تماماً ما يبحث عنه، بينما كان دومينيك يتبع صديقه بفضول حذر. عثر ليو على كتابين أولاً، سحبهما من الرفوف ووضعهما على الطاولة. كان الأول بعنوان "رقصة تحت سياط الألم" للكاتبة إيلينا فارون، والثاني كان "صوت القيود" للكاتب إيثان بلاك. نظر ليو إلى دومينيك وابتسم بابتسامة غامضة، ثم سحب الكتابين ووضعهما بين يديه. "هذان مثيران للاهتمام، أليس كذلك؟" قال ليو بصوته الأجش الهادئ. "الأول يتحدث عن رقصة السلطة والتحرر من خلال الألم. تخيل أن تجد فنًا في الاستسلام، وأن كل وخزة سوط هي خطوة نحو الحرية الحقيقية." ثم قلب صفحة الكتاب الآخر ببطء. "والثاني... يتحدث عن الأصوات التي نطلقها عندما نكون مقيدين. ليست صرخات ضعف، بل تعبير عن أعمق مشاعر الثقة والاستسلام." كان اسمه "أغلال من الحرير" للكاتب ماكس ستيرلنج. كان الكتاب أثقل مما توقع دومينيك، وعندما أمسك به، شعر وكأنه يحمل سراً ثقيلاً بين يديه. "هذا... هذا مختلف." قال دومينيك، وهو يمرر أصابعه على الغلاف. "بالتأكيد." همس ليو، صوته الآن لم يكن عميقًا، بل كان متمتمًا بكلمات بطيئة، كأنه يستمتع بكل كلمة. "هذه الرواية تتحدث عن كيفية أن يصبح الخضوع ليس مجرد استسلام، بل فعل حب وثقة. ألا تعتقد أن هذا مثير للاهتمام؟ أن تضع روحك بالكامل بين يدي شخص آخر؟" تصفح دومينيك الرواية ببطء، ووجد نفسه منغمسًا في القراءة. كان يقرأ بصمت، لكن ليو كان يراقبه عن كثب. عندما وصل دومينيك إلى فقرة تصف كيفية استخدام الأغلال الحريرية، لاحظ ليو كيف أن أنفاس دومينيك أصبحت أسرع قليلاً، وكيف أن وجنتيه توردتا خجلاً. عندما كان ليو يقرأ الفقرة بصوته المتمتم، انحنى دومينيك بشكل لا إرادي أقرب إليه، وكأنه ينجذب إلى قوة خفية. شعر ليو بهذا التقارب، وتوقف عن القراءة، وعيناه لا تزالان مثبتتين على دومينيك. لم يكن هناك كلمة، فقط الصمت الثقيل، ونبضات قلبهما المتسارعة.
أدرك ليو أن هذه هي اللحظة المناسبة، فقام بذكاء بتقريب جسده من دومينيك، دافعًا ساقه برفق نحو ساقه. لم يكتفِ ليو بذاك، بل دفع يده ببطء على أرداف دومينيك المستديرة، يداعبها في حركات دائرية خفيفة. وفي حركة لا إرادية وكأنها رد فعل غريزي، انقضت يد دومينيك لتحتضن أرداف ليو المستديرة أيضًا، يشدها بقوة نحوه، فيطحن جسديهما ببعضهما البعض. كانت أنفاسهما تتسارع، وأصواتهما المكتومة تتحول إلى أنين عميق ومفعم بالرغبة، وارتفعت حرارة أجسادهما بشكل ملحوظ، وكأنها تشتعل. كان كلاهما يشعران بالتوتر النفسي يتصاعد إلى مستويات غير مسبوقة. كانت النظرات المتبادلة بينهما تتحدث عن آلاف الأشياء التي لم يستطيعا قولها. كان ليو يستمتع بضعف دومينيك، بينما كان دومينيك يشعر بتلك القوة الخفية التي يملكها ليو. كانت تلك هي اللحظة التي تلاشت فيها كل الحدود، ولم يعد هناك أي شيء سوى رغبتهما المشتركة في هذه القاعة الصامتة.
بعد لحظة من الصمت المكتمل الذي ملأ المكان، بدأت أنفاسهما تعود إلى طبيعتها ببطء. كانت عينا دومينيك ضبابيتين، لكنهما سرعان ما استعادتا تركيزهما، واستقرتا على ليو. كانت الحرارة التي غمرت جسديهما قد بدأت في الانحسار، لكنها تركت وراءها شعوراً بالدفء الغريب والوخز الخفيف.
"هذه الكتب... هذه الكتب مذهلة." همس دومينيك، صوته لا يزال أجشاً. "أنا أعلم." قال ليو، وابتسامته كانت الآن حقيقية، تحمل لمسة من الانتصار الخفي. "ألا تعتقد أننا بحاجة لشرائها؟" نظر دومينيك إلى الكتب، ثم إلى ليو، ثم إلى الكتب مرة أخرى، وهز رأسه ببطء. "لا. لا أستطيع. هذا... هذا كثير جداً." كانت كلماته صادقة، تحمل في طياتها الارتباك. كان هذا هو الوقت المناسب لليو. نظر إليه بابتسامة ناعمة، ومال أقرب. كان صوته متمتماً وبطيئاً، كهمس رفيق لا يمكن مقاومته. "أوه، ولكنك تستطيع. أنت تريدها." كان ليو جريئاً، يعلم كيف يتحكم بكلماته. لم يكن يملك صوت ديمون العميق، ولكنه كان يتقن التلاعب العقلي. "هل تشعر بالحرارة التي تملأ جسدك الآن، يا دومينيك؟ هذا الشعور... ألا ترغب في استكشافه أكثر؟" كانت كلماته ليست أمراً، بل سؤالاً يزرع الفكرة في عقل دومينيك، وكأنه يدعوه للمشاركة في سر مشترك. تابع ليو، وهو يضع يده على فخذ دومينيك، لا يضغط، بل يداعب برفق. "كل ما عليك فعله هو أن تأخذ هذه الكتب. إنها ليست مجرد كتب، بل وعد... بوعد لاحتراق لا ينطفئ." كانت عيناه تلمعان بلمسة من العشق، لم يكن حقيقياً لدومينيك، بل لإحساس السيطرة الذي شعر به وهو يفعل ما يريده ديمون. كانت كل لمسة وكلمة تهدف إلى إثارة رغبة دومينيك، وتجعله يصدق أن هذه الرغبة ملكه وحده. ببطء، أومأ دومينيك برأسه، وعيناه لا تزالان ثابتتين على ليو. لم يعد يتردد. كان سحراً خفياً، تلاعباً عقلياً، كان ليو يعرف كيف يمارسه، وقد نجح. "أجل،" تمتم دومينيك، صوته كان الآن مجرد أنين. "أريدها... أريد هذا الاحتراق." نظر ليو إلى عينيه، وأصابعه تتحسس وجه دومينيك بلطف، وكأنه يدرس استسلامه. همس ليو، صوته يحمل مزيجاً من النصر والعشق، "أيها الملاك، يا دومينيك... أعلم. أعلم أن هذا كان دائماً موجوداً في داخلك." ابتسم ليو ابتسامة نصر صغيرة، ثم أمسك بالكتب الثلاثة وذهب لدفع ثمنها.
عاد ليو إلى شقته في وقت متأخر من ذلك المساء، منهكاً من الدور الذي لعبه طوال اليوم. فور أن أغلق الباب، سقط القناع. انهار على الأريكة، تاركاً جسده يستسلم للإرهاق، وعقله للضوضاء الداخلية. تضاعف التناقض بداخله: الخوف، الخزي، والغضب من نفسه، ممزوجًا بشعور خفي من الرضا لم يستطع أن ينكره. في هذه اللحظة من الضعف، اهتز هاتفه على الطاولة. كانت مكالمة من جوليان. انقبض قلب ليو. جوليان! آخر شخص أراد التحدث إليه، خاصة بعد أن رآه في تلك الليلة المشحونة. شعر بالدماء تتجمد في عروقه. لقد رأى جوليان في النادي، وكان يخشى هذه اللحظة بالذات. لحظة المواجهة. التقط الهاتف، محاولاً جمع ما تبقى من قناعه المتهالك. "أهلاً جوليان!" قال ليو، محاولاً أن يجعل صوته يبدو طبيعياً، لكنه شعر بالتوتر ينساب في كل كلمة. جاء صوت جوليان حذراً، يحمل نبرة قلق لم تكن تخفى عليه. "أهلاً ليو. كنت أتساءل عنك. لم أرك كثيراً اليوم." "آه، كنت مشغولاً ببعض الأمور الجامعية، تعرف كيف تكون." أجاب ليو بسرعة، محاولاً تغيير الموضوع. "هل هناك شيء ما؟" "ليس بالضبط..." بدأ جوليان، صوته يخفت قليلاً، وكأنه يزن كلماته بعناية. "ليلة أمس... في النادي. رأيتك يا ليو." "أعرف." قال ليو فوراً، صوته خرج أجشاً، وبلا أي محاولة لإنكار رؤية جوليان له. لم يكن هناك جدوى من الكذب. "لقد رأيتك أيضاً. لكنني كنت... مشغولاً." شعرت البرودة تنتشر في أطرافه. هذه المكالمة كانت بالضبط ما كان يخشاه. "مشغولاً؟" كرر جوليان، صوته لا يصدق، يمزج بين الصدمة والقلق. "ليو، رأيتك على المسرح! كنت... مقيداً. مع ديمون بلاكوود. بحق السماء، هل كل شيء على ما يرام؟ ما الذي كنت تفعله هناك؟" كشفت هذه المكالمة فجأة عن مدى عمق تورطه. جوليان قد رأى كل شيء، أو على الأقل ما يكفي ليدرك الوضع المأساوي. هذا يعني أن هناك شاهداً على سقوط قناعه، وشاهداً على اللحظات الأكثر ضعفاً في حياته. "جوليان، أنت تبالغ!" كذب ليو بحدة، صوته يحمل لمسة من الغضب المصطنع واليأس. كان قلبه ينبض بعنف، محاولاً إبعاد الشكوك عن نفسه، وعن الحقيقة المرة. "كان مجرد... عرض! تجربة بسيطة. أردت فقط أن أرى هذا العالم من الداخل. أنا بخير، صدقني." "عرض؟ بهذا الشكل؟" سأل جوليان، صوته لا يصدق، يمزج بين الصدمة والقلق. "ليو، بدا الأمر وكأنك... وكأنك تحت رحمة ذلك الرجل! السوط... قيودك... ديمون بلاكوود رجل خطير. أنت تعرف هذا، أليس كذلك؟" "أنا أعرف كيف أعتني بنفسي يا جوليان!" صرخ ليو، كذب بوضوح، صوته يكاد ينكسر من التوتر. كان يائساً لإنهاء هذه المحادثة التي كشفت هشاشة دفاعاته. "رجاءً، لا تبالغ في الأمر. أنا بخير. حقاً." تنهد جوليان. "حسناً، إذا كنت تقول ذلك. فقط... أردت أن أتأكد. إذا احتجت إلى أي شيء، أو أردت التحدث عن أي شيء... أنا هنا." "شكراً، جوليان. أنا أقدر ذلك." قال ليو بسرعة، متمنياً أن تنتهي المكالمة. "حسناً... تصبح على خير إذن." "تصبح على خير." أنهى ليو المكالمة، وسقط الهاتف من يده على الأريكة. كانت يده ترتجف. كان يعلم أن جوليان كان هناك، وشاهد. هذا يزيد الأمر سوءاً. هذا يجعل قناعه أرق. جلس ليو في الظلام، وعقله يصارع مع شبح ديمون من جهة، ومع قلق جوليان المبرر من جهة أخرى، ومع الخوف من أن ينهار عالمه الهش في أي لحظة.
يتبع......
إذا أعجبكم الفصل لا تنسو تحطو فوت و كومنتس
استيقظ ليو بعد فترة وجيزة، هذه المرة في شقته المتواضعة، على صمت مطبق. لم يكن صمت شقته المعتاد، بل صمتٌ ثقيلٌ يحمل أصداءً بعيدة من ليلة قضاها في الغرفة الفاخرة لديمون بلاكوود. لا يذكر تفاصيل رحلته، فقط أنه وجد نفسه وحيداً، وكأن تلك الليلة لم تكن سوى حلم مرعب أو كابوس لذيذ يلاحق صحوه. كان جسده يؤلمه. لم يكن ألماً حاداً، بل وخزاً خفيفاً، كشمس حارقة تركت أثراً على بشرته. مرر يده المرتعشة على مؤخرة عنقه، وشعر بلسعة خفيفة حيث كانت أسنان ديمون قد ضغطت، تاركة وراءها علامة خفية، لكنها كانت محسوسة بعمق. كانت كل لمسة على جسده المتوهج تعيد إليه تياراً من الذكريات: الحبال التي قيدته، السوط الذي داعب ردفيه، واللمسات الباردة الواثقة التي اخترقت جلده، وأيقظت فيه رغبات لم يعلم بوجودها قط. شعر بالخزي. خزي عميق ومحرق، وكأن كل خلية في جسده كانت تصرخ عاراً. لقد استسلم بالكامل. أصبح مجرد جسد، أداة في يد رجل لم يكن يرى فيه سوى وسيلة لمتعته. كيف يمكنه أن يواجه نفسه في المرآة بعد ما حدث؟ كيف يمكنه أن ينظر إلى دومينيك، صديقه البريء الذي كان يحاول مساعدته، بينما هو الآن يحمل أسراره ويسلمها لديمون؟ لقد عبر خطاً. خطاً لا يمكن العودة منه. شعر بروحه قد تلوثت، وبكرامته قد تحطمت. لكن، وسط هذا الدفق من الخزي، تسللت شرارة أخرى، شرارة غريبة، لم يجرؤ على الاعتراف بها. كانت نشوة غامضة، متعة خفية، من الألم والاستسلام الذي عاشه. جزء منه، جزء عميق ومكبوت، كان يستمتع بكل لحظة من تلك السيطرة المطلقة. كان هناك شيء محرر في عدم القدرة على المقاومة، في فقدان السيطرة بالكامل. هذا الشعور المتناقض كان يمزقه من الداخل. كان يكره نفسه على هذا الجزء الذي استمتع، لكنه لم يستطع إنكار وجوده. سحب ليو نفسه من أمام المرآة، متجاهلاً انعكاسه الذي بدا له غريباً. كان الإرهاق يثقل جفنيه، وكأنه لم ينم منذ أيام. لم يشعر بالجوع، فكرة الطعام كانت تثير في معدته غثياناً خفيفاً. تجاهل الثلاجة، وتجاهل رائحة الخبز المحمص التي كانت تتسرب من شقة الجيران. كل ما أراده هو كوب من القهوة السوداء القوية ليدفع عنه غشاوة النعاس والأفكار المتشابكة. ارتدى ملابسه ببطء، مختاراً قميصاً ذا ياقة عالية نسبياً ليخفي العلامات الأكثر وضوحاً على عنقه. كانت كل حركة يقوم بها ثقيلة، وكأن قيداً خفياً يشد على جسده، لكنه دفن هذه المشاعر بعمق. لم يستطع أن يسمح لأي شخص برؤية الهشاشة التي انتابته. كان عليه أن يبدو طبيعياً، أن يتصرف كالمعتاد. هذه كانت القاعدة الأولى في لعبة ديمون، أن يظهر بقناع لا يشوبه شائبة.
خرج من شقته إلى هواء الصباح البارد في أوريليا. كانت الشوارع تعج بالمارة المتوجهين إلى أعمالهم أو جامعاتهم، وكل منهم غارق في عالمه الخاص. سار ليو وسط الحشود، يشعر بالانفصال التام. كانت ضوضاء المدينة تبدو بعيدة، وكأنها لا تصل إليه إلا كهمس خافت. كانت عيناه تتجولان على الوجوه من حوله، كل وجه يحمل قصته الخاصة، لكن أياً منها لم تكن معقدة أو متناقضة كقصته في هذه اللحظة. جلس ليو في قاعة المحاضرات، قناعه لا يزال محكماً، لكنه كان يشعر بتشققاته. كانت كل خلية في جسده تصرخ من الإرهاق، وكانت آثار الليلة الماضية لا تزال محسوسة، لا على جسده فقط، بل في روحه أيضاً. مرر يده على ياقة قميصه المرتفعة، متأكداً من أنها تخفي العلامات الأكثر وضوحاً، لكنه كان يعلم أن النظرة الثاقبة قد تلاحظ بعضها. كان يجلس في مكانه المعتاد، في الصف الأمامي، محاولاً أن يبدو طبيعياً، لكن عقله كان في حالة من الفوضى، يصارع بين الخزي والمتعة الخفية التي تركها ديمون. لم يكن يعلم ما إذا كان جوليان قد رأى أي شيء، أو ما إذا كان دومينيك سيلاحظ شيئاً مختلفاً في مظهره.
وفي هذه اللحظة، دخل دومينيك قاعة المحاضرات، ووجهه لا يزال يحمل آثار الخجل والارتباك. كان يسير بسرعة، وعيناه تتجنبان النظر إلى أي شخص، وكأنه يختبئ من شيء ما. اتسعت عينا ليو بدهشة، ومال قليلاً ناحية دومينيك الذي كان يقترب منه. "واو!" همس ليو، وعيناه تلمعان بمزيج من التسلية والقلق. "ما الخطب؟ لماذا تبدو هكذا؟" كانت نبرته عالية ومبهجة بشكل مفرط، محاولة يائسة لإخفاء الشقوق في قناعه. تنفس دومينيك بعمق، محاولاً استعادة رباطة جأشه، لكن الكلمات خرجت متقطعة، تحمل في طياتها الصدمة والذهول. "إنه... كان هنا..." قال دومينيك، ثم تلعثم وبلع ريقه بصعوبة، وعيناه تتجنبان ليو وتنظران إلى أي مكان آخر في القاعة. "سيد بلاكوود... كان هنا..." قفز ليو من مكانه تقريباً، وعيناه تتسع بصدمة أكبر من دومينيك نفسه. "ماذا؟!" صرخ ليو، صوته يعلو قليلاً فوق همسات الطلاب الآخرين. "سيد بلاكوود نفسه كان هنا؟ أين؟ كيف قابلته؟ ماذا حدث؟" انحنى ليو أقرب إلى دومينيك، يكاد لا يصدق الكلمات التي سمعها، متجاهلاً تماماً مظهره الذي يكاد يكون "بشكل فاضح" بآثار ليلة أمس. "في المكتبة... في المكتبة!" تمتم دومينيك، كأن مجرد ذكر المكان يزيد من ارتباكه. "رآني هناك... وأنا أحمل الكتاب الذي أخبرتني عنه،" قال دومينيك، ثم تجمعت الكلمات في فمه مرة واحدة، وتصاعدت حدة التلعثم في صوته، "وأمممم... لا أعرف إذا كان قد لاحظه... أرجو أن يكون لم يلاحظه!" كان واضحاً أن القلق من افتضاح أمره بخصوص الكتاب كان يسيطر عليه تماماً. اتسعت عينا ليو، ثم ضاقتا، وفغر فاهه للحظة. "إنه مهووس بك بشكل واضح!" قال ليو بشكل عفوي، صوته يحمل مزيجاً من الإثارة والذهول، لكنه توقف فجأة، الكلمات خانته، وقد تذكر للتو تحذير ديمون بلاكوود الصارم بعدم الكشف عن أي شيء لدومينيك بخصوص ليلة أمس. حاول ليو تدارك الموقف، لكن الأوان كان قد فات. "كيف عرفت ذلك؟" سأل دومينيك على الفور، عيناه تضيقان بارتياب، وتوقفت كل علامات الخجل على وجهه لتفسح المجال للدهشة والتساؤل. كانت كلماته أقل تلعثماً هذه المرة، كأن السؤال المباشر قد منحه بعض التركيز. لقد تجاوز الأمر مجرد الصدفة الآن، وبدأ يشعر بأن هناك شيئاً ما يحدث وراء الكواليس. هز ليو كتفيه بشكل غير مبالٍ، محاولاً أن يبدو طبيعياً قدر الإمكان، لكن حركات جسده كانت متوترة بعض الشيء. "لا أعرف،" قال، صوته يحمل نبرة عادية جداً، وكأنه يفكر بصوت عالٍ. "إنها مجرد فكرة مبتذلة من الروايات التي تقرأها، أليس كذلك؟ الرجل القوي، يظهر فجأة في حياة شخص ما... لا تقلق بشأن ذلك، لا شيء حقيقي." ثم ابتسم ابتسامة مطمئنة، لكنها بدت متوترة قليلاً على أطراف شفتيه، وحاول تغيير الموضوع. دومينيك، الذي لا يميل إلى التشكيك كثيراً أو التدقيق في التفاصيل الدقيقة، وبسبب صدمته من لقاء ديمون وحرجه من موضوع الكتاب، لم يلاحظ توتر ليو أو التحول المفاجئ في نبرة صوته. تنهد بارتياح نسبي، ولو أنه ما زال يشعر ببعض القلق. "حسناً، إذا كنت تقول ذلك..." تمتم دومينيك، ثم جلس بجانب ليو، وعيناه لا تزالان تتساءلان، لكنه لم يضغط على ليو أكثر. بعد انتهاء المحاضرة، خرج ليو ودومينيك معاً، يتجهان نحو الكافيتريا لتناول غداء متأخر. كان ليو يحافظ على واجهته المشرقة، يضحك بصوت عالٍ على نكات دومينيك، ويومئ برأسه باهتمام مبالغ فيه عندما يتحدث دومينيك عن مشاريع الكلية. كل ابتسامة كانت تؤلمه، وكل ضحكة كانت تتطلب منه جهداً خفياً، لكنه أتقن الدور. لم يكن يريد لدومينيك أن يرى الشقوق في روحه، أو يعرف عن الخيانة التي بدأت تتجذر بداخله. أثناء تناول ساندويتشاتهم، مال ليو نحو دومينيك بابتسامة ماكرة. "هل تعلم يا دومينيك؟ فكرت في الأمر طوال المحاضرة. أنت، يا صديقي، تبدو وكأنك بحاجة ماسة إلى بعض 'التثقيف الثقافي'!" هز رأسه مازحاً. عبس دومينيك، ثم ضحك. "تثقيف ثقافي؟ ما الذي تتحدث عنه الآن، أيها الفيلسوف؟" "عن عالم الـ BDSM في الروايات، الذي تلمح إليه قصصك، لكن هناك الكثير لتكتشفه في أعمال أكثر جرأة." قال ليو، وغمز له. "أنت تقرأ هذه الروايات، أليس كذلك؟ أعلم أنك تحب القصص المثيرة. فكر في الأمر كبحث عن مصادر إلهام جديدة!" "مصادر إلهام؟" رفع دومينيك حاجباً، لكن ليو لاحظ شرارة فضول في عينيه. كان دومينيك بطبيعته أكاديمياً ومحباً للمعرفة، حتى لو كانت عن أمور يراها غريبة. "وما الذي تقترحه بالضبط؟ هل نبدأ في البحث عن... كتب 'شهوانية' في المكتبة؟" بدا متردداً ومستمتعاً في آن واحد. "تماماً!" قال ليو بابتهاج زائف، وقد شعر ببعض الغثيان من الدور الذي يلعبه. "فلنذهب إلى مكتبة خارج الجامعة. من يدري؟ ربما نجد شيئاً صادماً أو مضحكاً. ولنكن صريحين، سيكون ذلك أكثر إثارة من واجباتنا المدرسية المملة!" اقتنع دومينيك ببطء، بضحكة خافتة. "حسناً، ليو. أنت دائماً تجد طريقة لإقناعي بأغرب الأشياء. إذا كنا سنتعمق في هذا 'العالم المظلم' كما تسميه، فأنا أثق في ذوقك الغريب." تنهد دومينيك، ثم ابتسم ابتسامة باهتة. "بعد الغداء، ما رأيك أن نذهب إلى مكتبة وسط المدينة؟" شعر ليو بلسعة من الذنب، مدركاً أنه كان يدفع دومينيك نحو مسار قد لا يفهمه تماماً، وأن هذا يخدم أجندة ديمون بشكل خفي. لكنه سرعان ما طمس هذا الشعور، وبادل دومينيك الابتسامة بنشاط مبالغ فيه. "هذا هو الصديق الذي أعرفه! دعنا نصبح "خبراء" في هذا المجال!" قال ليو، وابتسامته لا تزال لا تصل إلى عينيه.
قضى الصديقان الساعات التالية في مكتبة عامة في وسط المدينة، يتصفحان الأرفف التي تحتوي على روايات وفنون متنوعة، ويبحثان عن كتب تتناول موضوعات العلاقات المعقدة وأنماط الحياة البديلة. لم يجد ليو أي كتاب في هذه المكتبة، لذا قرر هو ودومينيك الذهاب إلى مكتبة أخرى متخصصة في وسط المدينة. كانت الأرفف تمتد من الأرض إلى السقف، مليئة بكتب من مختلف الأنواع والمواضيع. كان ليو يعرف تماماً ما يبحث عنه، بينما كان دومينيك يتبع صديقه بفضول حذر. عثر ليو على كتابين أولاً، سحبهما من الرفوف ووضعهما على الطاولة. كان الأول بعنوان "رقصة تحت سياط الألم" للكاتبة إيلينا فارون، والثاني كان "صوت القيود" للكاتب إيثان بلاك. نظر ليو إلى دومينيك وابتسم بابتسامة غامضة، ثم سحب الكتابين ووضعهما بين يديه. "هذان مثيران للاهتمام، أليس كذلك؟" قال ليو بصوته الأجش الهادئ. "الأول يتحدث عن رقصة السلطة والتحرر من خلال الألم. تخيل أن تجد فنًا في الاستسلام، وأن كل وخزة سوط هي خطوة نحو الحرية الحقيقية." ثم قلب صفحة الكتاب الآخر ببطء. "والثاني... يتحدث عن الأصوات التي نطلقها عندما نكون مقيدين. ليست صرخات ضعف، بل تعبير عن أعمق مشاعر الثقة والاستسلام." كان اسمه "أغلال من الحرير" للكاتب ماكس ستيرلنج. كان الكتاب أثقل مما توقع دومينيك، وعندما أمسك به، شعر وكأنه يحمل سراً ثقيلاً بين يديه. "هذا... هذا مختلف." قال دومينيك، وهو يمرر أصابعه على الغلاف. "بالتأكيد." همس ليو، صوته الآن لم يكن عميقًا، بل كان متمتمًا بكلمات بطيئة، كأنه يستمتع بكل كلمة. "هذه الرواية تتحدث عن كيفية أن يصبح الخضوع ليس مجرد استسلام، بل فعل حب وثقة. ألا تعتقد أن هذا مثير للاهتمام؟ أن تضع روحك بالكامل بين يدي شخص آخر؟" تصفح دومينيك الرواية ببطء، ووجد نفسه منغمسًا في القراءة. كان يقرأ بصمت، لكن ليو كان يراقبه عن كثب. عندما وصل دومينيك إلى فقرة تصف كيفية استخدام الأغلال الحريرية، لاحظ ليو كيف أن أنفاس دومينيك أصبحت أسرع قليلاً، وكيف أن وجنتيه توردتا خجلاً. عندما كان ليو يقرأ الفقرة بصوته المتمتم، انحنى دومينيك بشكل لا إرادي أقرب إليه، وكأنه ينجذب إلى قوة خفية. شعر ليو بهذا التقارب، وتوقف عن القراءة، وعيناه لا تزالان مثبتتين على دومينيك. لم يكن هناك كلمة، فقط الصمت الثقيل، ونبضات قلبهما المتسارعة.
أدرك ليو أن هذه هي اللحظة المناسبة، فقام بذكاء بتقريب جسده من دومينيك، دافعًا ساقه برفق نحو ساقه. لم يكتفِ ليو بذاك، بل دفع يده ببطء على أرداف دومينيك المستديرة، يداعبها في حركات دائرية خفيفة. وفي حركة لا إرادية وكأنها رد فعل غريزي، انقضت يد دومينيك لتحتضن أرداف ليو المستديرة أيضًا، يشدها بقوة نحوه، فيطحن جسديهما ببعضهما البعض. كانت أنفاسهما تتسارع، وأصواتهما المكتومة تتحول إلى أنين عميق ومفعم بالرغبة، وارتفعت حرارة أجسادهما بشكل ملحوظ، وكأنها تشتعل. كان كلاهما يشعران بالتوتر النفسي يتصاعد إلى مستويات غير مسبوقة. كانت النظرات المتبادلة بينهما تتحدث عن آلاف الأشياء التي لم يستطيعا قولها. كان ليو يستمتع بضعف دومينيك، بينما كان دومينيك يشعر بتلك القوة الخفية التي يملكها ليو. كانت تلك هي اللحظة التي تلاشت فيها كل الحدود، ولم يعد هناك أي شيء سوى رغبتهما المشتركة في هذه القاعة الصامتة.
بعد لحظة من الصمت المكتمل الذي ملأ المكان، بدأت أنفاسهما تعود إلى طبيعتها ببطء. كانت عينا دومينيك ضبابيتين، لكنهما سرعان ما استعادتا تركيزهما، واستقرتا على ليو. كانت الحرارة التي غمرت جسديهما قد بدأت في الانحسار، لكنها تركت وراءها شعوراً بالدفء الغريب والوخز الخفيف.
"هذه الكتب... هذه الكتب مذهلة." همس دومينيك، صوته لا يزال أجشاً. "أنا أعلم." قال ليو، وابتسامته كانت الآن حقيقية، تحمل لمسة من الانتصار الخفي. "ألا تعتقد أننا بحاجة لشرائها؟" نظر دومينيك إلى الكتب، ثم إلى ليو، ثم إلى الكتب مرة أخرى، وهز رأسه ببطء. "لا. لا أستطيع. هذا... هذا كثير جداً." كانت كلماته صادقة، تحمل في طياتها الارتباك. كان هذا هو الوقت المناسب لليو. نظر إليه بابتسامة ناعمة، ومال أقرب. كان صوته متمتماً وبطيئاً، كهمس رفيق لا يمكن مقاومته. "أوه، ولكنك تستطيع. أنت تريدها." كان ليو جريئاً، يعلم كيف يتحكم بكلماته. لم يكن يملك صوت ديمون العميق، ولكنه كان يتقن التلاعب العقلي. "هل تشعر بالحرارة التي تملأ جسدك الآن، يا دومينيك؟ هذا الشعور... ألا ترغب في استكشافه أكثر؟" كانت كلماته ليست أمراً، بل سؤالاً يزرع الفكرة في عقل دومينيك، وكأنه يدعوه للمشاركة في سر مشترك. تابع ليو، وهو يضع يده على فخذ دومينيك، لا يضغط، بل يداعب برفق. "كل ما عليك فعله هو أن تأخذ هذه الكتب. إنها ليست مجرد كتب، بل وعد... بوعد لاحتراق لا ينطفئ." كانت عيناه تلمعان بلمسة من العشق، لم يكن حقيقياً لدومينيك، بل لإحساس السيطرة الذي شعر به وهو يفعل ما يريده ديمون. كانت كل لمسة وكلمة تهدف إلى إثارة رغبة دومينيك، وتجعله يصدق أن هذه الرغبة ملكه وحده. ببطء، أومأ دومينيك برأسه، وعيناه لا تزالان ثابتتين على ليو. لم يعد يتردد. كان سحراً خفياً، تلاعباً عقلياً، كان ليو يعرف كيف يمارسه، وقد نجح. "أجل،" تمتم دومينيك، صوته كان الآن مجرد أنين. "أريدها... أريد هذا الاحتراق." نظر ليو إلى عينيه، وأصابعه تتحسس وجه دومينيك بلطف، وكأنه يدرس استسلامه. همس ليو، صوته يحمل مزيجاً من النصر والعشق، "أيها الملاك، يا دومينيك... أعلم. أعلم أن هذا كان دائماً موجوداً في داخلك." ابتسم ليو ابتسامة نصر صغيرة، ثم أمسك بالكتب الثلاثة وذهب لدفع ثمنها.
عاد ليو إلى شقته في وقت متأخر من ذلك المساء، منهكاً من الدور الذي لعبه طوال اليوم. فور أن أغلق الباب، سقط القناع. انهار على الأريكة، تاركاً جسده يستسلم للإرهاق، وعقله للضوضاء الداخلية. تضاعف التناقض بداخله: الخوف، الخزي، والغضب من نفسه، ممزوجًا بشعور خفي من الرضا لم يستطع أن ينكره. في هذه اللحظة من الضعف، اهتز هاتفه على الطاولة. كانت مكالمة من جوليان. انقبض قلب ليو. جوليان! آخر شخص أراد التحدث إليه، خاصة بعد أن رآه في تلك الليلة المشحونة. شعر بالدماء تتجمد في عروقه. لقد رأى جوليان في النادي، وكان يخشى هذه اللحظة بالذات. لحظة المواجهة. التقط الهاتف، محاولاً جمع ما تبقى من قناعه المتهالك. "أهلاً جوليان!" قال ليو، محاولاً أن يجعل صوته يبدو طبيعياً، لكنه شعر بالتوتر ينساب في كل كلمة. جاء صوت جوليان حذراً، يحمل نبرة قلق لم تكن تخفى عليه. "أهلاً ليو. كنت أتساءل عنك. لم أرك كثيراً اليوم." "آه، كنت مشغولاً ببعض الأمور الجامعية، تعرف كيف تكون." أجاب ليو بسرعة، محاولاً تغيير الموضوع. "هل هناك شيء ما؟" "ليس بالضبط..." بدأ جوليان، صوته يخفت قليلاً، وكأنه يزن كلماته بعناية. "ليلة أمس... في النادي. رأيتك يا ليو." "أعرف." قال ليو فوراً، صوته خرج أجشاً، وبلا أي محاولة لإنكار رؤية جوليان له. لم يكن هناك جدوى من الكذب. "لقد رأيتك أيضاً. لكنني كنت... مشغولاً." شعرت البرودة تنتشر في أطرافه. هذه المكالمة كانت بالضبط ما كان يخشاه. "مشغولاً؟" كرر جوليان، صوته لا يصدق، يمزج بين الصدمة والقلق. "ليو، رأيتك على المسرح! كنت... مقيداً. مع ديمون بلاكوود. بحق السماء، هل كل شيء على ما يرام؟ ما الذي كنت تفعله هناك؟" كشفت هذه المكالمة فجأة عن مدى عمق تورطه. جوليان قد رأى كل شيء، أو على الأقل ما يكفي ليدرك الوضع المأساوي. هذا يعني أن هناك شاهداً على سقوط قناعه، وشاهداً على اللحظات الأكثر ضعفاً في حياته. "جوليان، أنت تبالغ!" كذب ليو بحدة، صوته يحمل لمسة من الغضب المصطنع واليأس. كان قلبه ينبض بعنف، محاولاً إبعاد الشكوك عن نفسه، وعن الحقيقة المرة. "كان مجرد... عرض! تجربة بسيطة. أردت فقط أن أرى هذا العالم من الداخل. أنا بخير، صدقني." "عرض؟ بهذا الشكل؟" سأل جوليان، صوته لا يصدق، يمزج بين الصدمة والقلق. "ليو، بدا الأمر وكأنك... وكأنك تحت رحمة ذلك الرجل! السوط... قيودك... ديمون بلاكوود رجل خطير. أنت تعرف هذا، أليس كذلك؟" "أنا أعرف كيف أعتني بنفسي يا جوليان!" صرخ ليو، كذب بوضوح، صوته يكاد ينكسر من التوتر. كان يائساً لإنهاء هذه المحادثة التي كشفت هشاشة دفاعاته. "رجاءً، لا تبالغ في الأمر. أنا بخير. حقاً." تنهد جوليان. "حسناً، إذا كنت تقول ذلك. فقط... أردت أن أتأكد. إذا احتجت إلى أي شيء، أو أردت التحدث عن أي شيء... أنا هنا." "شكراً، جوليان. أنا أقدر ذلك." قال ليو بسرعة، متمنياً أن تنتهي المكالمة. "حسناً... تصبح على خير إذن." "تصبح على خير." أنهى ليو المكالمة، وسقط الهاتف من يده على الأريكة. كانت يده ترتجف. كان يعلم أن جوليان كان هناك، وشاهد. هذا يزيد الأمر سوءاً. هذا يجعل قناعه أرق. جلس ليو في الظلام، وعقله يصارع مع شبح ديمون من جهة، ومع قلق جوليان المبرر من جهة أخرى، ومع الخوف من أن ينهار عالمه الهش في أي لحظة.
يتبع......
إذا أعجبكم الفصل لا تنسو تحطو فوت و كومنتس
Коментарі