Chapter Eleven: شباك الاكاذيب
بعد أن أغلق ليو المكالمة مع جوليان، سقط الهاتف من يده على الأريكة، وكأن وزنه قد تضاعف فجأة. كانت يده ترتجف بشكل لا إرادي، وقطرات عرق باردة تسللت على جبينه. لقد كان يخشى هذه اللحظة بالذات، لحظة المواجهة مع جوليان الذي رآه في تلك الليلة، في تلك اللحظات الأكثر ضعفاً حيث كان مجرداً من أي سيطرة. لقد حاول أن يكذب، أن يدعي أنها كانت مجرد "تجربة"، لكنه شعر أن كذبته لم تنطلِ عليه. هذا الخوف من أن يُكشف أمره أمام جوليان كان يلتف حول قلبه مثل أفعى باردة، يعتصر كل ذرة من هدوئه المصطنع. أغمض ليو عينيه، محاولاً طرد نبرة جوليان القلقة من ذهنه، لكنها كانت تتشبث به، تذكّره بالوضع الذي وجد نفسه فيه، وبالفخ الذي يضيقه حول عنقه يوماً بعد يوم. لم يكن لديه وقت للتفكير في جوليان، أو في الكلمات التي تبادلاها. كان هناك شعور متزايد بالتهديد يضغط على صدره، وكأن كل جدران شقته الصغيرة تضيق عليه.
جلس ليو في الظلام الدامس، والنجوم الخافتة تتلألأ عبر نافذته المطلة على المدينة النائمة. كان عقله يصارع مع شبح ديمون من جهة، ومع قلق جوليان المبرر من جهة أخرى، ومع الخوف من أن ينهار عالمه الهش في أي لحظة. كان يتذكر تحذير ديمون، ذلك الصوت الهادئ والواثق الذي كان يهمس بوعيد مبطن. كان ديمون بلاكوود رجلاً لا يمزح، ولا يتهاون مع الخيانة أو العصيان. تذكر ليو كيف تغير ديمون تماماً في الأشهر القليلة الماضية، بعد أن اختفى كيليان الذي كان معه في علاقة دامت لخمس سنوات. كان ديمون يبدو وكأنه فقد جزءًا من روحه، وأصبح أكثر برودة وخطورة. لم يعد يرى ليو سوى الأيام المظلمة التي أعقبت ذلك الحدث، والتي حولت ديمون إلى الرجل الذي هو عليه الآن. كانت الكلمات تتردد في ذهنه، حلقة مفرغة من التهديدات المبطنة التي لا يمكنه الهروب منها. لم يكن يتوقع أن تتطور الأمور بهذا الشكل، أن يصبح هذا الاتفاق، الذي بدأ كمتعة خالصة، قيدًا يخنقه.
وفي خضم هذا الاضطراب، رن هاتفه مرة أخرى، قاطعاً صمته المطبق. اسم دومينيك أضاء الشاشة، مشعًا بضوء ساطع في الغرفة المظلمة. انقبض قلب ليو بشدة. دومينيك! الآن؟ في هذا الوقت بالذات؟ هل يمكن أن يكون قد عرف شيئًا؟ تسارع نبض ليو، لكنه أجاب، محاولاً يائساً أن يجمع شتات نفسه ويرتدي قناع اللامبالاة.
"مرحباً ليو! لقد وصل للتو! أنت الأفضل!" جاء صوت دومينيك عبر الخط، مليئاً بالامتنان والإثارة، مما فاجأ ليو تماماً بنبرته العالية والبهجة غير المتوقعة في هذا الوقت. كان صوت دومينيك النابض بالحياة يتناقض بشكل صارخ مع الفوضى التي تضرب داخل ليو.
شعر ليو بالدهشة من اندفاع دومينيك وحماسه المفاجئ. "ما الذي يجعلك بهذه السعادة يا دومينيك؟" سأل ليو، محاولاً أن يبدو طبيعياً، بينما كان عقله يركض في سباق محموم محاولاً فهم سبب هذا الاندفاع في هذا الوقت المتأخر. لم يكن يعلم أن هناك أي شيء قد يجعل دومينيك بهذا القدر من السعادة الليلة، خاصة بعد أن غادره في حالة من الارتباك بعد لقاء ديمون.
"الكتاب! الرواية التي أخبرتني عنها في المكتبة! لقد أعادها شخص ما لي!" قال دومينيك، بلهجة حماسية لا تخلو من الدهشة.
تجمد ليو في مكانه. الكتاب! رواية الـ BDSM التي كان دومينيك يقرأها في المكتبة قبل أن يغادر مسرعاً، تلك التي التقطتها عينا ديمون بلاكوود. على الفور، قفزت صورة ديمون بلاكوود إلى ذهنه. لم يكن هناك أحد سواه يفكر في مثل هذه الحركة، أو يملك الجرأة والقوة لإرسال كتاب بهذه الطريقة. هذا يعني أن ديمون كان يراقب دومينيك، وقد أرسل الكتاب كخطوة أخرى في شبكته الخفية، مخططاً لما هو قادم بالفعل. شعور مقيت بالبرودة زحف على جسد ليو، لم يكن هذا مجرد إزعاج بسيط؛ لقد كان تصعيدًا واضحًا من جانب ديمون، وتأكيدًا على أن دومينيك أصبح تحت نظره.
بالرغم من أن ليو كان قد دخل في علاقة "الدمية" مع ديمون بمحض إرادته، بدافع فضوله وحبه العميق لعالم BDSM، إلا أن إدراك مدى تغلغل ديمون في حياة دومينيك أثار فيه قشعريرة باردة. كانت بداية علاقتهما مجرد "متعة"، كما ظن، لكنها تحولت إلى شيء أعمق وأكثر تعقيداً، حيث أصبحت سيطرة ديمون أكثر شمولاً، وأقل قابلية للتفاوض. لقد بدأت تلك الحدود التي وضعها ليو لنفسه تتلاشى، وكانت كل محاولة للمقاومة تقابَل بشد الحبال من جانب ديمون. الآن، رؤية نفس النمط يبدأ مع دومينيك، شخص يعتز به ليو بشدة، أطلقت شرارة خوف لم يعرفها من قبل. كان يرى دومينيك، البريء من عالمهم، ينجرف ببطء إلى شبكة لم يفهمها بعد، وهي شبكة يعرف ليو ثمنها جيداً. كان يعلم مدى قوة ديمون في سحب الأشخاص إلى عالمه، وكيف أن الأمر يبدأ صغيراً، ثم يتضخم ليصبح واقعاً لا مفر منه.
"الكتاب؟" قال ليو، ونبرة صوته تتغير إلى ذهول مصطنع، ثم سرعان ما حاول أن يجمع نفسه. كان عليه أن يكذب، يجب أن يكذب، مهما كان الثمن. ديمون لن يسامح أي خطأ. "أوه... لا، لم أرسل لك أي شيء يا دومينيك. أنا لا أهتم كثيراً بتلك الأنواع من الروايات، أنت تعلم. أنا أرى نفسي أكثر في قصص الحركة والمغامرة." حاول ليو أن يبتسم بضعف، متذكراً تحذير ديمون بلاكوود الصارم، وشعوراً بالعار يلتف حول رقبته لكذبه على صديقه.
"أوه، أرى ذلك. حسناً، شكراً لك على أي حال،" قال دومينيك، وقد بدأ الإحباط يتسرب إلى صوته، وهو ما شعر به ليو بوضوح في نبرة صديقه. كانت الابتسامة على وجهه قد اختفت تماماً. "لكن هل لديك أي فكرة عن من أرسله؟" سأل دومينيك، وقد أصبح صوته يحمل نبرة من الفضول الممزوج بالارتباك.
ظل ليو صامتاً للحظة طويلة، أطول مما يجب، فقد كان قلبه يدق بعنف، متخيلاً غضب ديمون إذا نطق بالحقيقة. كان عليه أن يحافظ على سر ديمون، وهذا يعني الكذب على أقرب أصدقائه، وهو ما كان يؤلمه أكثر مما يتخيل دومينيك. "لا، ليس لدي أي فكرة يا صديقي." قال ليو بصوت بالكاد مسموع، خافتاً ومجهداً، محاولاً إخفاء توتره.
"حسناً..." تمتم دومينيك، وقد أدرك أن ليو لن يقدم له أي إجابات. بدا صوته مستسلماً. "أراك لاحقاً إذن." أغلق الخط قبل أن يعطي ليو فرصة للرد.
أسقط ليو الهاتف مرة أخرى على الأريكة، وكأن المكالمة قد استنزفت آخر ذرة من طاقته. كانت أكتافه ترهل، وشعر بثقل العالم كله على صدره. لقد كذب. كذب على دومينيك، الذي كان يحاول أن يكون صديقاً جيداً ويثق به. ولكن ماذا كان يمكنه أن يفعل؟ كان محاصراً بين نارين: الخوف الشديد من ديمون بلاكوود، والذنب الضاغط تجاه دومينيك. لم يكن يرى أي مخرج من هذا المأزق.
لم يكد ليو يجمع شتات نفسه بعد مكالمة دومينيك المربكة حتى رن هاتفه مرة أخرى، وهذه المرة كان المتصل ديمون بلاكوود. انقبض قلب ليو بشدة. لم يكن ديمون يضيع الوقت. "ليو، أريدك في مكتبي بعد ساعة،" جاء صوت ديمون هادئاً وثابتاً، لا يترك مجالاً للنقاش.
"في مكتبك، سيدي؟" سأل ليو، محاولاً أن يظهر تفاجأً لم يشعر به حقاً. "هل حدث أي شيء؟"
"ليس شيئاً يخصك، فقط حضورك مطلوب. كن هنا في الوقت المحدد." أنهى ديمون المكالمة دون انتظار رد ليو، تاركاً ليو مع شعور متزايد بالتهديد. كانت تلك هي طريقة ديمون: لا يبرر، لا يشرح، فقط يأمر، ويتوقع الطاعة المطلقة.
وصل ليو إلى مكتب ديمون بلاكوود بعد ساعة بالضبط. كان يعرف المبنى جيداً، فقد زاره عدة مرات من قبل، وفي ظروف مختلفة، لكن كل زيارة كانت تحمل معها شعوراً مختلفاً من التوتر. طرق الباب بهدوء، ودخل بعد أن سمع إذن ديمون المقتضب. دخل ليو الغرفة، يشعر ببرودة غريبة تلتف حوله رغم دفء المكتب الفاخر، كأن هواء المكان نفسه كان يحمل ثقل حضور ديمون بلاكوود الطاغي.
كان ديمون بلاكوود يقف بجانب النافذة الكبيرة، يطل على منظر المدينة الصاخب، وكتفاه العريضان يعكسان صور الأضواء الخافتة. لم يلتفت إلى ليو عندما تحدث. "لقد أرسلت دعوة للسيد دومينيك ريد. سيأتي لإجراء مقابلة في مكتبي قريباً."
شعر ليو بقشعريرة باردة تسري في عموده الفقري. لم يقل شيئاً، فقط أومأ برأسه في الهواء، على الرغم من أن ديمون لم يكن يراه. كان عرق بارد يتجمع على جبينه، يتخيل وجه دومينيك المتحمس وهو يخبره عن الدعوة.
استدار ديمون بلاكوود ببطء، وعيناه الرماديتان تخترقان ليو، بلا مشاعر، تزن كل شيء فيه. "وقد تلقى الكتاب الذي كان يقرأه. لقد تحدثت معه."
تجمد ليو، وابتلع ريقه بصعوبة، شعر بقلبه يدق بعنف في أضلاعه. "سيدي... أنا... لقد حاولت..." الكلمات خانته، محاولاته لتحذير دومينيك كانت بائسة بلا فائدة.
رفع ديمون بلاكوود يداً واحدة، مقاطعاً إياه بحركة واحدة حاسمة. "أعلم ما حاولت. ونجحت في ذلك، على ما يبدو. وهذا جيد. لكن أكرر تحذيري، ليو. دومينيك ليس جزءاً من لعبتك العادية. أي كلمة، أي تلميح، أي إشارة منك قد تفسد خططي، وستكون العواقب وخيمة عليك. أنت تفهمني جيداً، أليس كذلك؟" كانت نبرة ديمون بلاكوود هادئة، لكنها كانت محملة بتهديد لا لبس فيه. كان صوته، على الرغم من هدوئه، مثل الحبل المشدود حول عنقه، يذكره بمدى هشاشة وجوده تحت سيطرته.
"أفهم تماماً يا سيدي. لن يخرج مني أي شيء. سأكون حذراً للغاية." قال ليو بصوت بالكاد مسموع، خافتاً ومجهداً، محاولاً إخفاء توتره.
"جيد." قال ديمون بلاكوود، وعاد بنظره إلى المدينة. "يمكنك الانصراف الآن."
تنفس ليو الصعداء الذي لم يكن يعلم أنه كان يحبسه، وانسحب من المكتب بسرعة، تاركاً ديمون بلاكوود وحده يخطط لخطواته التالية، وهو يبتسم ابتسامة خفية، يدرك أن قبضته على ليو أصبحت أشد من أي وقت مضى.
في اليوم التالي، بينما كان ليو يمشي بصحبة دومينيك عبر الحرم الجامعي بعد انتهاء المحاضرات، كان القلق لا يزال ينهش روحه. حاول جاهداً أن يبدو طبيعياً، أن يبتسم ويسخر، لكن كل كلمة يقولها دومينيك عن المستقبل كانت تزيد من حدة توتره.
توقف دومينيك فجأة عند صندوق بريده في قسم الصحافة. تفاجأ بوجود مظروف أبيض سميك، يحمل شعاراً فضياً لامعاً في زاويته. لم يكن هذا بريداً جامعياً عادياً. أخذ المظروف، وقلبه يدق بفضول. في تلك اللحظة، شعر ليو للحظة وكأن هناك عيناً تراقبهما من بعيد، لكن عندما التفت، لم يرَ أحداً.
عندما فتح دومينيك المظروف، سقطت منه بطاقة فاخرة مطبوعة بخط أنيق، ورقة رسالة رسمية. كانت الدعوة التي تحدث عنها ديمون.
"السيد دومينيك ريد المحترم،" بدأ النص، وقد كُتب بحبر داكن على ورقة ذات نوعية ممتازة، "بناءً على اهتمامكم ببحثكم حول الشركات الكبرى وتأثيرها على الاقتصاد المحلي، وخاصة مجال الشحن والتجارة الدولية، يسرنا أن ندعوكم إلى مقابلة خاصة مع السيد ديمون بلاكوود، الرئيس التنفيذي لشركة بلاكوود العالمية. نؤمن بأن هذه الفرصة ستقدم لكم رؤى قيمة لمشروعكم. يرجى الاتصال بمكتبنا لتأكيد الموعد المناسب لسيادتكم."
التوقيع كان بخط جريء: "ديمون بلاكوود، الرئيس التنفيذي، بلاكوود العالمية."
نظر دومينيك إلى الاسم، ثم رفع نظره إلى ليو الذي كان يقف بجانبه، ينظر بفضول، لكن ليو كان يشعر وكأن خنجراً بارداً قد اخترق قلبه. "لا أصدق هذا!" تمتم دومينيك، وقد غلبت الدهشة على صوته، وهو يلوح بالدعوة أمام ليو. "ديمون بلاكوود يريد مقابلتي!"
اتسعت عينا ليو للحظة، ثم حاول أن يبتسم ببرود، ويجمع شتات نفسه. كان عليه أن يتصرف بشكل طبيعي. "ديمون بلاكوود؟ أهلاً بك في عالم الكبار يا دومينيك. يبدو أن تقاريرك الصحفية بدأت تجذب الانتباه." كانت نبرته تبدو عادية، لكن دومينيك لم يلحظ الرعشة الخفية في يد ليو وهو يعدل حقيبته، أو كيف كانت أصابعه تضغط على القماش بقوة.
"هل هذا طبيعي؟" سأل دومينيك، وهو لا يزال مصدوماً من حجم الفرصة. "هل رؤساء الشركات الكبرى يدعون طلاب الصحافة لإجراء مقابلات هكذا؟"
هز ليو كتفيه. "إذا كان بحثك جيداً بما يكفي لجذب انتباهه، فربما. إنها فرصة العمر يا دومينيك. بلاكوود العالمية إمبراطورية." حاول ليو أن يبدو مرحاً، لكن عقله كان يصرخ بالتحذير. كان ديمون بلاكوود يلعب لعبته، ودومينيك كان يسير مباشرة إلى الفخ، دون أن يدرك ذلك. كان ليو يشعر بالعجز التام، غير قادر على فعل أي شيء لمنع ما هو قادم.
وفي طريقهما إلى المنزل، ظل دومينيك يقرأ الدعوة مرات عديدة، وعيناه تلمعان بالإثارة. بدأت الإثارة تتغلب على الإحراج القديم المتعلق بالكتاب. إنها فرصة هائلة لمستقبله المهني. لم يفكر في أن هذه الدعوة قد تكون مرتبطة بأي شكل من الأشكال بوصول الكتاب. بالنسبة له، كان هذان حدثين منفصلين تماماً. كان الكتاب لغزاً مزعجاً، أما هذه الدعوة فكانت تذكرة إلى النجاح. ومع كل خطوة خطاها دومينيك نحو مسكنه، شعر ليو بأن تلك الوخزة على مؤخرة رقبته تعود، وكأن عيناً تراقبهما. التفت ليو عدة مرات، ولكن لا شيء سوى الوجوه المألوفة لطلاب الجامعة العائدين إلى منازلهم.
بمجرد وصوله إلى مسكنه، لم يستطع ليو أن يتوقف عن التفكير في دومينيك. كان يعلم أن دومينيك سيقضي بقية اليوم والليلة التالية في التحضير للمقابلة، ويبحث عن ديمون بلاكوود وشركته، بلاكوود العالمية، عبر الإنترنت. كان يتخيل دومينيك وهو يتعمق في المقالات عن إمبراطورية بلاكوود التي تمتد عبر الشحن، العقارات، التكنولوجيا، والطاقة، وعن ثروته الهائلة، ونفوذه السياسي، وتأثيره في السوق العالمية.
كان ليو يتوقع أن يجد دومينيك أيضاً بعض المقالات القديمة التي تتحدث عن صعود ديمون السريع، وأحياناً بأساليب "لا ترحم" أو "عدوانية"، وتلميحات، دون تفاصيل محددة، عن صفقات غامضة أو استحواذات قاسية أدت إلى سقوط منافسين. كان يعلم أن دومينيك سيعجب بذلك الرجل، ويرى فيه وحشاً في عالم الأعمال، تماماً كما رآه الكثيرون، لكن دومينيك لن يدرك الجانب المظلم الحقيقي، الجانب الذي كان ليو يعيشه بالفعل. لم يخطر ببال دومينيك مطلقاً أن نظرة ديمون بلاكوود تلك في المكتبة كانت تحمل أي معنى أعمق. لقد كانت مجرد لمحة عابرة، والآن لديه فرصة لمقابلة أحد أقوى الرجال في أوريليا. ليو كان يعلم أن دومينيك عازم على ترك انطباع إيجابي. لكنه لم يكن يعلم أن ديمون بلاكوود لا يبحث عن انطباع مهني، بل يبحث عن إحكام قبضته على فريسته الجديدة.
يتبع......
إذا أعجبكم الفصل لا تنسو تحطو فوت و كومنتس
جلس ليو في الظلام الدامس، والنجوم الخافتة تتلألأ عبر نافذته المطلة على المدينة النائمة. كان عقله يصارع مع شبح ديمون من جهة، ومع قلق جوليان المبرر من جهة أخرى، ومع الخوف من أن ينهار عالمه الهش في أي لحظة. كان يتذكر تحذير ديمون، ذلك الصوت الهادئ والواثق الذي كان يهمس بوعيد مبطن. كان ديمون بلاكوود رجلاً لا يمزح، ولا يتهاون مع الخيانة أو العصيان. تذكر ليو كيف تغير ديمون تماماً في الأشهر القليلة الماضية، بعد أن اختفى كيليان الذي كان معه في علاقة دامت لخمس سنوات. كان ديمون يبدو وكأنه فقد جزءًا من روحه، وأصبح أكثر برودة وخطورة. لم يعد يرى ليو سوى الأيام المظلمة التي أعقبت ذلك الحدث، والتي حولت ديمون إلى الرجل الذي هو عليه الآن. كانت الكلمات تتردد في ذهنه، حلقة مفرغة من التهديدات المبطنة التي لا يمكنه الهروب منها. لم يكن يتوقع أن تتطور الأمور بهذا الشكل، أن يصبح هذا الاتفاق، الذي بدأ كمتعة خالصة، قيدًا يخنقه.
وفي خضم هذا الاضطراب، رن هاتفه مرة أخرى، قاطعاً صمته المطبق. اسم دومينيك أضاء الشاشة، مشعًا بضوء ساطع في الغرفة المظلمة. انقبض قلب ليو بشدة. دومينيك! الآن؟ في هذا الوقت بالذات؟ هل يمكن أن يكون قد عرف شيئًا؟ تسارع نبض ليو، لكنه أجاب، محاولاً يائساً أن يجمع شتات نفسه ويرتدي قناع اللامبالاة.
"مرحباً ليو! لقد وصل للتو! أنت الأفضل!" جاء صوت دومينيك عبر الخط، مليئاً بالامتنان والإثارة، مما فاجأ ليو تماماً بنبرته العالية والبهجة غير المتوقعة في هذا الوقت. كان صوت دومينيك النابض بالحياة يتناقض بشكل صارخ مع الفوضى التي تضرب داخل ليو.
شعر ليو بالدهشة من اندفاع دومينيك وحماسه المفاجئ. "ما الذي يجعلك بهذه السعادة يا دومينيك؟" سأل ليو، محاولاً أن يبدو طبيعياً، بينما كان عقله يركض في سباق محموم محاولاً فهم سبب هذا الاندفاع في هذا الوقت المتأخر. لم يكن يعلم أن هناك أي شيء قد يجعل دومينيك بهذا القدر من السعادة الليلة، خاصة بعد أن غادره في حالة من الارتباك بعد لقاء ديمون.
"الكتاب! الرواية التي أخبرتني عنها في المكتبة! لقد أعادها شخص ما لي!" قال دومينيك، بلهجة حماسية لا تخلو من الدهشة.
تجمد ليو في مكانه. الكتاب! رواية الـ BDSM التي كان دومينيك يقرأها في المكتبة قبل أن يغادر مسرعاً، تلك التي التقطتها عينا ديمون بلاكوود. على الفور، قفزت صورة ديمون بلاكوود إلى ذهنه. لم يكن هناك أحد سواه يفكر في مثل هذه الحركة، أو يملك الجرأة والقوة لإرسال كتاب بهذه الطريقة. هذا يعني أن ديمون كان يراقب دومينيك، وقد أرسل الكتاب كخطوة أخرى في شبكته الخفية، مخططاً لما هو قادم بالفعل. شعور مقيت بالبرودة زحف على جسد ليو، لم يكن هذا مجرد إزعاج بسيط؛ لقد كان تصعيدًا واضحًا من جانب ديمون، وتأكيدًا على أن دومينيك أصبح تحت نظره.
بالرغم من أن ليو كان قد دخل في علاقة "الدمية" مع ديمون بمحض إرادته، بدافع فضوله وحبه العميق لعالم BDSM، إلا أن إدراك مدى تغلغل ديمون في حياة دومينيك أثار فيه قشعريرة باردة. كانت بداية علاقتهما مجرد "متعة"، كما ظن، لكنها تحولت إلى شيء أعمق وأكثر تعقيداً، حيث أصبحت سيطرة ديمون أكثر شمولاً، وأقل قابلية للتفاوض. لقد بدأت تلك الحدود التي وضعها ليو لنفسه تتلاشى، وكانت كل محاولة للمقاومة تقابَل بشد الحبال من جانب ديمون. الآن، رؤية نفس النمط يبدأ مع دومينيك، شخص يعتز به ليو بشدة، أطلقت شرارة خوف لم يعرفها من قبل. كان يرى دومينيك، البريء من عالمهم، ينجرف ببطء إلى شبكة لم يفهمها بعد، وهي شبكة يعرف ليو ثمنها جيداً. كان يعلم مدى قوة ديمون في سحب الأشخاص إلى عالمه، وكيف أن الأمر يبدأ صغيراً، ثم يتضخم ليصبح واقعاً لا مفر منه.
"الكتاب؟" قال ليو، ونبرة صوته تتغير إلى ذهول مصطنع، ثم سرعان ما حاول أن يجمع نفسه. كان عليه أن يكذب، يجب أن يكذب، مهما كان الثمن. ديمون لن يسامح أي خطأ. "أوه... لا، لم أرسل لك أي شيء يا دومينيك. أنا لا أهتم كثيراً بتلك الأنواع من الروايات، أنت تعلم. أنا أرى نفسي أكثر في قصص الحركة والمغامرة." حاول ليو أن يبتسم بضعف، متذكراً تحذير ديمون بلاكوود الصارم، وشعوراً بالعار يلتف حول رقبته لكذبه على صديقه.
"أوه، أرى ذلك. حسناً، شكراً لك على أي حال،" قال دومينيك، وقد بدأ الإحباط يتسرب إلى صوته، وهو ما شعر به ليو بوضوح في نبرة صديقه. كانت الابتسامة على وجهه قد اختفت تماماً. "لكن هل لديك أي فكرة عن من أرسله؟" سأل دومينيك، وقد أصبح صوته يحمل نبرة من الفضول الممزوج بالارتباك.
ظل ليو صامتاً للحظة طويلة، أطول مما يجب، فقد كان قلبه يدق بعنف، متخيلاً غضب ديمون إذا نطق بالحقيقة. كان عليه أن يحافظ على سر ديمون، وهذا يعني الكذب على أقرب أصدقائه، وهو ما كان يؤلمه أكثر مما يتخيل دومينيك. "لا، ليس لدي أي فكرة يا صديقي." قال ليو بصوت بالكاد مسموع، خافتاً ومجهداً، محاولاً إخفاء توتره.
"حسناً..." تمتم دومينيك، وقد أدرك أن ليو لن يقدم له أي إجابات. بدا صوته مستسلماً. "أراك لاحقاً إذن." أغلق الخط قبل أن يعطي ليو فرصة للرد.
أسقط ليو الهاتف مرة أخرى على الأريكة، وكأن المكالمة قد استنزفت آخر ذرة من طاقته. كانت أكتافه ترهل، وشعر بثقل العالم كله على صدره. لقد كذب. كذب على دومينيك، الذي كان يحاول أن يكون صديقاً جيداً ويثق به. ولكن ماذا كان يمكنه أن يفعل؟ كان محاصراً بين نارين: الخوف الشديد من ديمون بلاكوود، والذنب الضاغط تجاه دومينيك. لم يكن يرى أي مخرج من هذا المأزق.
لم يكد ليو يجمع شتات نفسه بعد مكالمة دومينيك المربكة حتى رن هاتفه مرة أخرى، وهذه المرة كان المتصل ديمون بلاكوود. انقبض قلب ليو بشدة. لم يكن ديمون يضيع الوقت. "ليو، أريدك في مكتبي بعد ساعة،" جاء صوت ديمون هادئاً وثابتاً، لا يترك مجالاً للنقاش.
"في مكتبك، سيدي؟" سأل ليو، محاولاً أن يظهر تفاجأً لم يشعر به حقاً. "هل حدث أي شيء؟"
"ليس شيئاً يخصك، فقط حضورك مطلوب. كن هنا في الوقت المحدد." أنهى ديمون المكالمة دون انتظار رد ليو، تاركاً ليو مع شعور متزايد بالتهديد. كانت تلك هي طريقة ديمون: لا يبرر، لا يشرح، فقط يأمر، ويتوقع الطاعة المطلقة.
وصل ليو إلى مكتب ديمون بلاكوود بعد ساعة بالضبط. كان يعرف المبنى جيداً، فقد زاره عدة مرات من قبل، وفي ظروف مختلفة، لكن كل زيارة كانت تحمل معها شعوراً مختلفاً من التوتر. طرق الباب بهدوء، ودخل بعد أن سمع إذن ديمون المقتضب. دخل ليو الغرفة، يشعر ببرودة غريبة تلتف حوله رغم دفء المكتب الفاخر، كأن هواء المكان نفسه كان يحمل ثقل حضور ديمون بلاكوود الطاغي.
كان ديمون بلاكوود يقف بجانب النافذة الكبيرة، يطل على منظر المدينة الصاخب، وكتفاه العريضان يعكسان صور الأضواء الخافتة. لم يلتفت إلى ليو عندما تحدث. "لقد أرسلت دعوة للسيد دومينيك ريد. سيأتي لإجراء مقابلة في مكتبي قريباً."
شعر ليو بقشعريرة باردة تسري في عموده الفقري. لم يقل شيئاً، فقط أومأ برأسه في الهواء، على الرغم من أن ديمون لم يكن يراه. كان عرق بارد يتجمع على جبينه، يتخيل وجه دومينيك المتحمس وهو يخبره عن الدعوة.
استدار ديمون بلاكوود ببطء، وعيناه الرماديتان تخترقان ليو، بلا مشاعر، تزن كل شيء فيه. "وقد تلقى الكتاب الذي كان يقرأه. لقد تحدثت معه."
تجمد ليو، وابتلع ريقه بصعوبة، شعر بقلبه يدق بعنف في أضلاعه. "سيدي... أنا... لقد حاولت..." الكلمات خانته، محاولاته لتحذير دومينيك كانت بائسة بلا فائدة.
رفع ديمون بلاكوود يداً واحدة، مقاطعاً إياه بحركة واحدة حاسمة. "أعلم ما حاولت. ونجحت في ذلك، على ما يبدو. وهذا جيد. لكن أكرر تحذيري، ليو. دومينيك ليس جزءاً من لعبتك العادية. أي كلمة، أي تلميح، أي إشارة منك قد تفسد خططي، وستكون العواقب وخيمة عليك. أنت تفهمني جيداً، أليس كذلك؟" كانت نبرة ديمون بلاكوود هادئة، لكنها كانت محملة بتهديد لا لبس فيه. كان صوته، على الرغم من هدوئه، مثل الحبل المشدود حول عنقه، يذكره بمدى هشاشة وجوده تحت سيطرته.
"أفهم تماماً يا سيدي. لن يخرج مني أي شيء. سأكون حذراً للغاية." قال ليو بصوت بالكاد مسموع، خافتاً ومجهداً، محاولاً إخفاء توتره.
"جيد." قال ديمون بلاكوود، وعاد بنظره إلى المدينة. "يمكنك الانصراف الآن."
تنفس ليو الصعداء الذي لم يكن يعلم أنه كان يحبسه، وانسحب من المكتب بسرعة، تاركاً ديمون بلاكوود وحده يخطط لخطواته التالية، وهو يبتسم ابتسامة خفية، يدرك أن قبضته على ليو أصبحت أشد من أي وقت مضى.
في اليوم التالي، بينما كان ليو يمشي بصحبة دومينيك عبر الحرم الجامعي بعد انتهاء المحاضرات، كان القلق لا يزال ينهش روحه. حاول جاهداً أن يبدو طبيعياً، أن يبتسم ويسخر، لكن كل كلمة يقولها دومينيك عن المستقبل كانت تزيد من حدة توتره.
توقف دومينيك فجأة عند صندوق بريده في قسم الصحافة. تفاجأ بوجود مظروف أبيض سميك، يحمل شعاراً فضياً لامعاً في زاويته. لم يكن هذا بريداً جامعياً عادياً. أخذ المظروف، وقلبه يدق بفضول. في تلك اللحظة، شعر ليو للحظة وكأن هناك عيناً تراقبهما من بعيد، لكن عندما التفت، لم يرَ أحداً.
عندما فتح دومينيك المظروف، سقطت منه بطاقة فاخرة مطبوعة بخط أنيق، ورقة رسالة رسمية. كانت الدعوة التي تحدث عنها ديمون.
"السيد دومينيك ريد المحترم،" بدأ النص، وقد كُتب بحبر داكن على ورقة ذات نوعية ممتازة، "بناءً على اهتمامكم ببحثكم حول الشركات الكبرى وتأثيرها على الاقتصاد المحلي، وخاصة مجال الشحن والتجارة الدولية، يسرنا أن ندعوكم إلى مقابلة خاصة مع السيد ديمون بلاكوود، الرئيس التنفيذي لشركة بلاكوود العالمية. نؤمن بأن هذه الفرصة ستقدم لكم رؤى قيمة لمشروعكم. يرجى الاتصال بمكتبنا لتأكيد الموعد المناسب لسيادتكم."
التوقيع كان بخط جريء: "ديمون بلاكوود، الرئيس التنفيذي، بلاكوود العالمية."
نظر دومينيك إلى الاسم، ثم رفع نظره إلى ليو الذي كان يقف بجانبه، ينظر بفضول، لكن ليو كان يشعر وكأن خنجراً بارداً قد اخترق قلبه. "لا أصدق هذا!" تمتم دومينيك، وقد غلبت الدهشة على صوته، وهو يلوح بالدعوة أمام ليو. "ديمون بلاكوود يريد مقابلتي!"
اتسعت عينا ليو للحظة، ثم حاول أن يبتسم ببرود، ويجمع شتات نفسه. كان عليه أن يتصرف بشكل طبيعي. "ديمون بلاكوود؟ أهلاً بك في عالم الكبار يا دومينيك. يبدو أن تقاريرك الصحفية بدأت تجذب الانتباه." كانت نبرته تبدو عادية، لكن دومينيك لم يلحظ الرعشة الخفية في يد ليو وهو يعدل حقيبته، أو كيف كانت أصابعه تضغط على القماش بقوة.
"هل هذا طبيعي؟" سأل دومينيك، وهو لا يزال مصدوماً من حجم الفرصة. "هل رؤساء الشركات الكبرى يدعون طلاب الصحافة لإجراء مقابلات هكذا؟"
هز ليو كتفيه. "إذا كان بحثك جيداً بما يكفي لجذب انتباهه، فربما. إنها فرصة العمر يا دومينيك. بلاكوود العالمية إمبراطورية." حاول ليو أن يبدو مرحاً، لكن عقله كان يصرخ بالتحذير. كان ديمون بلاكوود يلعب لعبته، ودومينيك كان يسير مباشرة إلى الفخ، دون أن يدرك ذلك. كان ليو يشعر بالعجز التام، غير قادر على فعل أي شيء لمنع ما هو قادم.
وفي طريقهما إلى المنزل، ظل دومينيك يقرأ الدعوة مرات عديدة، وعيناه تلمعان بالإثارة. بدأت الإثارة تتغلب على الإحراج القديم المتعلق بالكتاب. إنها فرصة هائلة لمستقبله المهني. لم يفكر في أن هذه الدعوة قد تكون مرتبطة بأي شكل من الأشكال بوصول الكتاب. بالنسبة له، كان هذان حدثين منفصلين تماماً. كان الكتاب لغزاً مزعجاً، أما هذه الدعوة فكانت تذكرة إلى النجاح. ومع كل خطوة خطاها دومينيك نحو مسكنه، شعر ليو بأن تلك الوخزة على مؤخرة رقبته تعود، وكأن عيناً تراقبهما. التفت ليو عدة مرات، ولكن لا شيء سوى الوجوه المألوفة لطلاب الجامعة العائدين إلى منازلهم.
بمجرد وصوله إلى مسكنه، لم يستطع ليو أن يتوقف عن التفكير في دومينيك. كان يعلم أن دومينيك سيقضي بقية اليوم والليلة التالية في التحضير للمقابلة، ويبحث عن ديمون بلاكوود وشركته، بلاكوود العالمية، عبر الإنترنت. كان يتخيل دومينيك وهو يتعمق في المقالات عن إمبراطورية بلاكوود التي تمتد عبر الشحن، العقارات، التكنولوجيا، والطاقة، وعن ثروته الهائلة، ونفوذه السياسي، وتأثيره في السوق العالمية.
كان ليو يتوقع أن يجد دومينيك أيضاً بعض المقالات القديمة التي تتحدث عن صعود ديمون السريع، وأحياناً بأساليب "لا ترحم" أو "عدوانية"، وتلميحات، دون تفاصيل محددة، عن صفقات غامضة أو استحواذات قاسية أدت إلى سقوط منافسين. كان يعلم أن دومينيك سيعجب بذلك الرجل، ويرى فيه وحشاً في عالم الأعمال، تماماً كما رآه الكثيرون، لكن دومينيك لن يدرك الجانب المظلم الحقيقي، الجانب الذي كان ليو يعيشه بالفعل. لم يخطر ببال دومينيك مطلقاً أن نظرة ديمون بلاكوود تلك في المكتبة كانت تحمل أي معنى أعمق. لقد كانت مجرد لمحة عابرة، والآن لديه فرصة لمقابلة أحد أقوى الرجال في أوريليا. ليو كان يعلم أن دومينيك عازم على ترك انطباع إيجابي. لكنه لم يكن يعلم أن ديمون بلاكوود لا يبحث عن انطباع مهني، بل يبحث عن إحكام قبضته على فريسته الجديدة.
يتبع......
إذا أعجبكم الفصل لا تنسو تحطو فوت و كومنتس
Коментарі