1
2
3
4
5
6
7
3
الثامنة صباحاً \/ ~

طربت اذناي لتلك النغمات اللطيفة التي كانت تنطلق من الأوراق التي تلونت بلون الحياة الأخضر التي تتصل بافرع الأشجار المحيطة بي ..

اطمئن قلبي لصوت زقزقات العصافير متغنية بيوم جديد فرحة باعادة احيائها بعد موتٍ قصير ..

استمررت بالتبديل بين قدمي بينما اخطو اول خطواتي لبداية الحياة الجديدة متجهًا الى محطة مترو المطرية حيث ساقابل السيد مصطفى كامل بعد ان هاتفته و اخبرته بما حدث فطلب مني ان ينتظرني عند محطة مترو المطرية و هو سيقوم بمساعدتي

غادرت والدتي بعد أن قَبَّلت رأسها و يديها مقبوض القلب مثقل الصدر لا اعلم ان كانت ستظل حية ام لا حتى القاها مرة اخرى ..

لم يتوقف قلبي عن تقمص دور البركان الثائر و لو لحظة واحدة اثناء وقوفي امام المحطة ليس بحوزتي اية وسيلة للاتصال كي اتواصل مع سيد مصطفى ، لكني فقط اعتمد على عيني فقد قابلتا عيني السيد و لو لمرة واحدة قبلًا ..

ظَللت ازيح مقلتيّ عيني تارة الى اليمين و تارة إلى اليسار بينما استدير كل هنيهة الى الخلف فانا لا اعلم على اي الأبواب سيطرق الفرج ..

بعد لحظات بدأ يتسرب الملل الى عقلي من تحت غشاء لهفتي و حماسي ، اقنعني عقلي ان لا بدّ ان افعل شيئاً ما متحججًا بأن السيد مصطفى عندما يأتي سيلاحظني عاجلًا ام آجلًا

وضعت يدي اليمنى في جوف بنطالي منقبًا عن ذلك الكتيب الصغير المهترئ لعل كلماته المسطورة بعناية قد تم احتقارها تحت التراب داخل صفحاته القديمة تتحمل بعض الوقت عني لتفرغ عقلي قليلًا من ملل الملل ..

بدأت بتحريك الهواء بصفحات الكتيب الصفراء معلنًا عن رغبتي في معرفة ما تنطوي عليه في ثنايا كلماته الباهتة في لحظات قليلة قبل قدوم السيد مصطفى

لا يبدو سوى كتيب ديني .. شيئ مشابه لحصن المسلم ، لكن لغته ابلغ و لكن اصعب

و لكن للأسف الصفحة السادسة عشر التي بظهرها السابعة عشر مقتلعة من قلب الكتاب .. يا ترى ماذا يوجد بهما ؟

لحظة ! في نهاية الكتاب كتب بقلم حبر اسود كلمة « ايهما ؟ » ما معنى هذا ؟ ..

يبدو كُتيبًا غريبًا ، لكن لغته الفصحى الاصيلة اعجبتني لذا اعتقد اني سوف احتفظ به

نعم بالفعل ما درسته في كليتي هو اللغة الإنجليزية ، لكني محب للغة العربية بشكل جامح ايضًا ، احب فك شفرات الشعر و يتلذذ به لساني و حل الغاز النحو و تركيب احجياته هي متعة عقلي ..

ثم انا حقًا بحاجة الى ذكر الله بكثرة هذه الأيام لذا لا بدّ انه سوف يفيدني

ظللت اوصل لعقلي بعض الادعية التي قد قرأتها عيناي بالكتيب ليرسلها الى لساني فيتلوها بصوتٍ خفيض لعلي املأ فراغ وقتي ريثما يأتي السيد مصطفى بما يرضي الله ..

" اسلام ! "

سمعت صوت السيد مصطفى كامل الذي قد نبأ بابتسامة باشة قد ارتسمت فوق وجهه المنتفخ ذو اللحية الخفيفة و الشارب الكثيف ، و لم تخطأ النبوءات ..

هرعت اليه بعد ان اعدت الكتيب الى جحره و صافحته بينما أمارس امارات السعادة التي لم أظهر منها ابتسامة قد هللت السعادة في وجهي

" شكرًا بجد اوي ليك يا استاذ مصطفى بجد ربنا يوفقك و يجازيك خير ! "

" ربنا يجازيني و يجازيك يا رب ، و بعدين ايه استاذ دي ! يلا بينا ! "

" على فين ؟ "

" على بيتي طبعًا ! انت صيفي انهاردة ! "

•••

" ده أحمد و دي فريدة "

تحدث مشيراً إلى طفليه بعد انا استدعاهما الى صالة الاستقبال ليرحبا بالضيف ..

" سلموا على عمو اسلام ! "

" عامل ايه يا عمو ؟ تعرف انا انا في تانية ابتدائي ؟! "

تحدثت الطفلة ذات ذيل الحصان البندقي و قد مدت كفها الايمن نحوي هادفة مصافحتي مع ابتسامة لطيفة و قد بدت فخورة للغاية بمدى مقدرتها على الوصول الى هذا السِّن الكبير فلم اتردد في مصافجتها مبديًا ابتسامة لطيفة لكن لم أستطع ان اجاي عذوبة و لطف ابتسامتها .

" عامل ايه يا عمو ، انا اسمي احمد ، عارف ان بابا قال بس لازم اعرف عن نفسي بالكامل ، في خامسة ابتدائي عندي عشر سنين "

ضحكت للحظة بسبب طريقة حديث الصغير الجادة ثم رحبت به

" اهلًا يا حبايبي! عاملين ايه ! فرحان جدًا اني شوفتكم ! "

تحدثت فاردًا شفتي صانعًا ابتسامتها عريضة بينما احمل الطفلة فريدة لأضعها فوق فخذي

لعبت مع الأطفال لمدة من الزمن ريثما جاءوا بالافطار و تم الاجهاز عليه و من ثم تم طردهما من قبل والدهما و اعادهما الى حيث والدتهما لنبدأ في الحديث الجاد

~

" انت دلوقتي اول حاجه محتاجها هي الشغل صح ؟ "

هززت رأسي بدون أن اتحدث علامة على الموافقة

" و بحسب ان انت خريج اداب قسم انجليزي يبقى انت محتاج حاجة في مجال دؤاستك زي التعليم أو الترجمة صح ؟ "

" ايوة انا برضو كنت بفكر في كدة ، بس كل الحاجات دي هتحتاج اجراءات كتير انا مش مستعد ليها لسة "

" لو قصدك على الفلوس انسى هم الموضوع ده خالص ! متقلقش انا معاك ! "

" لا يا استاذ ! انا بس عاوز حضرتك تشوفلي شغلانة بسيطة كويسة ابدأ
بيها عبقال مأكوِّن المبلغ اللي هعمل بيه إجراءات التقديم في الوظيفة اللي تناسبني ، بس كنت بفكر لو حضرتك تقدر تسلفني مبلغ أأجر بيه أوضة على قدي لغاية مأمشي حالي و بعد كدة هرجعهولك "

هز رأسه قليلًا ناظرًا للأعلى عاقدًا حاجبيه رافعًا شفتيه و يبدو انه يفكر لكني لم اعلم ما الذي غير المنطقي و يدعو للتفكير في كلماتي

اعتدل في جلسته ثم ارتسمت شبه ابتسامة باهتة فوق وجهه بين شعر لحيته الخفيفة

" طيب ، يعني المفروض الاول دلوقتي ادورلك على شغل و اجر يومي كويس ، سيبني افتكر شوية كدة .. "

ظل ينتقل بنظره في أرجاء الغرفة لعدة ثوانٍ بينما يحاول استدعاء الافكار ثم نطق من جديد :

" ايه نوع الشغل اللي انت عاوزه ؟ "

سألني بهدف وضع كلمات مفتاحية لعقله ليحاول مساعدته على التذكر ..

" مفيش نوع محدد ، انا هقبل باي حاجة ، بس انا افضل حاجة ليها علاقة بالاكل او الكتب ؛ عشان انا كنت بشتغل مع ابويا زمان في محله و كان بتاع فول و طعمية و كدة و سندوتشات عمومًا ، اما الكتب فانا بفهم فيها و كمان هستفيد اني هقدر اقرأ زي ما انا عاوز ، لكن عمومًا انا هقبل باي حاجة ، اهم حاجة اقدر اكل في الفترة دي على الاقل "

" امم .. اعتقد اني عارف واحد شغال في مطعم اقدر اخليه يوصلني لمديره أو المالك يعني .. تقدر تشتغل عنده ، هتصل بيه دلوقتي "

•••

و هكذا أصبحت عامل نظافة في مطعم 《 هَم يا جمل 》الذي يوجد في شارع المطرية .. اجل اسم غبي كحياتي

أنا الآن في خضم سباق مع الوقت لإبعاد الأتربة و القاذورات عن الأرضية و ترتيب الطاولات و المقاعد قبل أن يفتح الطهاة و المالك صاحب الوجه المتجهم باب المطعم ..

المشكلة اني لا أفهم ! طلبت منهم أن يقوموا باختباري فأنا بالفعل اعرف الكثير عن الطعام ، كما أنني ابدع كثيرًا في صناعة المأكولات كنت سأكون مفيدًا لهم ، و المثير للغضب أكثر انهم كانوا يملكون عامل نظافة بالفعل ! لكنهم طردوه فقط لأنه غير كفؤ كما قالوا فقد كبر في السن ، يا لها من وقاحة حقًا ، أين ذهب ضمير صاحب المطعم ليفعل ذلك في رجل مسن ، من اين له بوظيفة بعد هذا مع سنه الكبير ذلك .. لا بأس على كل حال عملي هنا ما هو إلا عملٌ مؤقت ، حتى اجمع المال الكافي للعمل في دار للترجمة ..

بينما احرك مكنستي هنا و هناك التقطت اذناي صوت تكة قفل الباب و التي تشير إلى أن أحدهم قد ولج إلى المطعم

التفتُ إلى الخلف تلقائيًا لأعرف هوية فاتح الباب

ارتفعت ابتسامتي فوق وجهي عندما رأيت وجهه البشوش الذي يتدلى منه الكثير من الشعر الاشعث متوسط الطول مكونًا لحية كثيفة طولها يصل إلى منتصف رقبته

" سلام عليكم ، اخبارك ايه يا اسلام ! "

ألقى السلام بوجه مبتسم فور رؤيته لوجهي بينما يلتقط مئزره ليساعد ليبدأ عمله

" و عليكم السلام ! الحمد لله ! و انت اخبارك إيه يا حضرت الشيف "

الشيف عماد عبد الرحيم هو الشخص الذي يعرفه السيد مصطفى من المطعم و هو أمهر شيف هنا بعد المالك سالم حسني و في نفس الوقت هو أفضل الطهاة خلقًا فهو أكثر من يعجب قلبي في هذا المكان و يرتاح له ، يذكرني كثيرًا في طباعه بالسيد مصطفى كامل ، شديد الطيبة و الكرم و لا ينتظر من أحد مقابل

انتهيت من الترتيب و التنظيف قبل وصول المالك بوقتٍ قصير و بدخوله باب المطعم كان عدد الطهاة و قد اكتمل و ادير وجه لافتة المطعم الذي قد كتب عليها كلمة مفتوح بخط جميل نحو الخارج لمواجهة البشر الموجودين بالخارج تخبرهم أن الدخول مسموح ..

لا ينتهي عملي في الترتيب و التنظيف قبل و بعد فتح المطعم بل إني بالكاد ارتاح طوال اليوم فبينما ازيل ما تركه هذا من مخلفات طعام تلتقط اذناي صوت ذلك يطلب مني إحضار الجبن من المخزن و من ثم أو لا لقد انسكبت الشوربة .. اسلام تعال نظف الأرض ..

يبدو أنهم قد رحموا الرجل المسن بحق ..

لكن.. هذا لا يماثل مقدار واحد بالمائة مما كنت اتلقاه داخل السجن ، فمهما كان طعم الحرية لاذعًا إلا أنه لا يغطي على حلاوتها و مقدار انتشائي بها ..

كان هناك واجب يومي يجب علينا إنجازه في السجن كل يوم خميس من كل اسبوع كنا تؤخذ إلى جبلٍ ما ثم نقضي اليوم بكامله في التعرق بسبب ما كنا موكلين بفعله كان كلٌ منا يمسك فأسه و نبدأ فبإزالة أجزاء من الجبل لنكّون أحجار عملاقة ثم نرفعها بينما جسدنا يبدأ بالاشتعال بالحرارة و اللون الأحمر و يبدأ بإنتاج العرق بكميات ضخمة كالصخرة التي نحملها فوق ظهورنا و نقلها إلى شاحنة كبيرة لتنقل في نهاية اليوم لمكان لا نعرفه ..

انتهى يومي الخامس هنا و بما أن هذا ليس مطعمًا كبيرًا و انا لست إلا مجرد عامل نظافة به لذا فالاجر يومي و هذا جيد للغاية بالنسبة لي حيث اني أستطيع ترك العمل في اي وقت أريده ..

كان المبلغ الذي آخذه هو اربعون جنيهًا باليوم و هو مبلغ جيد للغاية حيث يكفي لإطعامي طعامًا جيدًا بالإضافة إلى سد نفقات الإيجار و إبقاء بعض المال جانبًا كي اقدم للعمل في شركة للترجمة و أيضا إعأدة النقود اللتي دفعها السيد مصطفى في إيجاري له

كالعادة اتصل السيد مصطفى للاطمئنان علي و عدت إلى غرفتي و تناولت العشاء و تعلمت المقرر الذي قررته على نفسي من كتاب اللغة الانجليزية الذي اشتريته كي اجعل نفسي أقوى في اللغة لأؤهل نفسي لاختبارات الترجمة

••

بعد شهرين من عملي بالمطعم ..

ها أنا ذا أقف أمام مدرسة الامام محمد عبده الابتدائية بعد أن آلت بي الأحداث إلى مدخلها فقد رفضت في ثلاث شركات للترجمة على التوالي ..

دخلت من البوابة و صعدت إلى مكتب المدير حيث وجدت الوكيلة تجلس في مكتبها تقوم بكتابة بعض المستندات

طرقت الباب ملقيًا التحية ثم دخلت

" اتفضل يا استاذ اسلام ، اهلًا بحضرتك في مدرستنا .. حضرتك فضلك هيكون .. "

وقفت من مكتبها و خطت نحو الجدول العملاق المعلق فوق الحائط ثم تحدثت :

" استاذ اسلام عندك اول فترة مع فصل خامسة اول و الفترة الأخيرة فصل أولى تالث ، دلوقتي حضرتك المفروض تروح تقعد في أوضة المدرسين عقبال ما الجرس يرن و بعدها تنزل تقف أدام فصلك و تطلع بيه .. تمام حضرتك ؟ "

" تمام يا استاذة "

صعدت إلى غرفة المعلمين و انتظرت لبعض الوقت حتى تم ضرب الجرس فنزلت إلى الأسفل و وقفت معهم .. و يبدو أن حظي بدأ بالتلاعب معي من جديد .. تلقيت سهمًا على جبهتي مباشرةً تسبب بها قلم رصاص قد تم تصويبه بمهارة فائقة و يبدو هدفه واضح تمامًا و هو قتلي

وضعت كفي في موضع الضربة ثم قيدت غضبي خلف القضبان بصعوبة فائقة و سألت عن الفاعل بصوتٍ هادئ لكني متأكد انه بث الرعب في أوصالهم ..

لكن لم يخترق أذني سوى سهام ضحكاتهم التي بدأت تحطم قيود غضبي ببطء حتى فقدت السيطرة تماماً و صرخت بصوتٍ فاض به الكيل :

" اتكلموا يا بقر ! مين اللي عمل كدة ؟! مسيبتوليش فرصة حتى اوريكم وشي الحلو ! اتكلموا و الا هتفضلوا واقفين طول الحصة ! "

كنت أعلم أن اذني قد اشتعلتا بالفعل فقد ارتفعت حرارته إليهما ..

يبدو انه لا يجدي معهم سوى الصراخ ..

ابتعد الطلاب قليلًا عن طابورهم ليتركوا فتاة قصيرة منتفخة الجسد ينسدل من رأسها ضفيرتان طويلتان في منتصف الفراغ الذي تركوه و قد اتجه نظرها الى الأرض بعد أن تم احراجها ..

" اتفضلي دافعي عن نفسك يا انسة ! "

خرج صوتها ضعيفًا خفيضًا بينما نظرها لا يزال يتجه للأرض :

" أنا اسفة .. مش هعيدها .. متعاقبنيش ارجوك "

نظرت اليها نظرة قاسية ثم تحدثت بحزم :

" استعدي عشان تقضي الحصة واقفة يا عسل ! "

هكذا بدأ فصل قصير جديد من حياتي كانت سبباً به الطفلة ميمي السمينة المشاغبة

يتبع

•••

معلومة اليوم 🐿

مطعم هم يا جمل مطعم حقيقي و موجود في المطرية و شبرا الخيمة و موجود في اسكندرية في سيدي بشر و تقريبًا بحري

فصل ممل شوية هو ممل بس عشان هو عبارة عن قيام اسلام من جديد و استقراره و شغله بس استنوا التشويق في الفصول الجاية جامد

بس ميمي ليها دور جامد على فكرة

فوت و كومنت و متابعة فضلًا و ليس أمرًا

نفسي الرواية تكمل عدد كبير من المتابعين لو عجباكم شاركوها و قولوا لصحابكم عليها فضلا و ليس أمرا

تفتكروا الكتاب ده ايه اللي وراه ؟

ايه اللي ميمي هتغيره في حياته ؟

الرواية حلوة و لا ؟

عارفة ان انهاردة مش الخميس فس الفصل ممل سيما و مستحقة اسبوع كامل ..

© Rofaida Elesely,
книга «السجين».
Коментарі