Monster ||الوحش
Beautiful Goodbye|| الوداع الطيب
الوعد|| promise
KOKOBOP||افقدي صوابك
LOTTO|| فتاة حظّي
Love Shot|| طَلقَةُ حُب
HONEY|| يا عَسلي!
Sweet Lies|| أكاذيب حُلوة
Jekyll|جيكل
Sing For You||أُغنّي لِأجلِك
Wolf ||الجميلة والوحش
Miracle in December|| مُعجِزات ديسمبر
Mmmh||لا يوصف
Coffee|| قهوة
Wolf ||الجميلة والوحش
Wolf||الذئب والجميلة


تاو|| Zi-Tao

....

الطُلّاب من جامعةِ بيكّين الصينيّة في كُلِّ ربيع يخرجون في رحلة حسب تفضيلهم؛ داخل البلاد أو خارجها، وهذهِ المرّة قد إختاروا أن يذهبوا إلى شمالِ الصين؛ حيثُ تترعرع الأدغال، والغابات، والأحياء الريفيّة النّائية.

إنطلقت الحافلات مُسافِرة إلى المقاطعات البرّيّة في شمالِ الصين، رحلة قد تستهلك أيّامًا قليلة، ستكون مُتعِبة ولكن لا بأس طالما المُتعة تنتظر.

إيري إحدى الطّالبات المُسافرات، تدرُس الطِّب البيطري؛ لذا الأدغال ستكون فرصة جيّدة للإندماجِ مع الحيوانات.

ولكن ما لا تعرفه إيري أنَّ قِصَّتها تبتدئ من هُناك.

كانت تجلس مع صديقاتها في آخر الحافلة؛ فهُن المجموعة المُهيمنة في الدُّفعة، والطُّلاب لن يمانعون من الجلوس في أي مكان يردنه؛ لكسب وِدَّهُن بلا أي مصالح تُذكَر.

وكزت إيري صديقتها بحماسة.

"أنا مُتحمِّسة جدًّا!"

"وأنا أيضًا!"

تنفَّست إيري بِعُمق وهي تنظر عبر النافذة، ما زالت في المدينة؛ لكنَّها قريبًا لن ترى أضواء المدينة المُزعجة، بل سترى الأشجار الكثيفة والأحراش، وربما تسمع زئير أسد أو عِواء ذئب... الفكرة تجعلها في غاية الحماسة.

وأثناء إنتظارها بحماسة إنتهكها الحماس وأهلكها فغفت على كُرسيها.

آتى الصباح ثم المساء مُجدَّدًا وها هُم أخيرًا يَلجون هذه الأدغال، كانت إيري تنظر عبر النافذة بكُلِّ حماسها، تكاد تقفز من مكانها لشدة سعادتها.

آتى المُرشِد الذي بِصُحبتهم، ووقف بين الطلبة المُتحمِّسون للغاية لهذهِ الرِّحلة.

"حسنًا أيُّها الطُّلاب تبدونَ مُتحمِّسين جدًا"

أخذ بعض الطُّلاب يصفقون بحماسة وآخرون يصفِّقون ويصفِّرون، ثم المرشد أشار لهم بيديه ليصمتوا وهو اتبع.

"لتكون رحلة مُمتعة وآمنة عليكم بطاعة التعليمات الموجهة لكم، وتلك التعليمات ليس الهدف منها تقييد حُريَّتكم بل حمايتكم؛ فكما ترون نحن أصبحنا في الأدغال وهنا تعيش الكثير من الحيوانات المُفترسة؛ لذا يجب أن تكونوا بأمان وتتبعوا القوانين"

بعض الطُلّاب أخذوا بكلام المُرشد بجديّة، ومنهم بسُخرية، ومنهم من لم يسمعه قط -مثل إيري- فهي شاردة خارجة عن وعيها، وتذوب حُبًّا في الأدغال.

"حسنًا؛ تَدور أسطورة في هذه الغابة عن قطيع من الذئاب مكوَّن من إثنا عشر ذئبًا، يقولون أنَّهم ذئاب قادرة أن تتحول إلى بشر... تبقى هذه أسطورة، وفقط أقولها للمرح؛ لا تخافوا"

أخذ الطلاب يضحكون ومن بينهم إيري؛ لكنها لم تضحك بل تحمَّست لتبحث في سطور هذه الأسطورة، لطالما كان الحيوان المُفضَّل بالنِّسبةِ لها هو الذئب.

الذئب حيوان فريد، صحيح أنَّهُ وحش مُفترس؛ لكنَّهُ مُتفرِّد عن بقية الحيوانات بنظام معيشته الأخلاقي، والذي يكون في بعضِ الأحيان أفضل من أخلاق البشر.

فالذئب وفيّ للأُنثى الخاصّة به، بارًّا بوالديه، ويعرف أبنائه، يعيشُ ضمن عائلته، لا يخون، ولا يُمارس الجنس مع محارمه، ولا يمارسه في العلن مع زوجته، ولا يأكل الجيفة.

الأقوى منهم يُضحّي بنفسه لأجلِ الأضعف، وحينما يموت ذئب من القطيع يحدّون عليه ثلاثة أشهر، الذئب حيوان لا يُروَّض، وعوائه يتعدّى العشر كيلومترات، حيوان مُهيب عظيم ومن سلالة الملوك... لكنَّهُ خطير جدًا، مُفترِس من الدرجة الأولى.

وصلت الحافلات إلى موقع التخييم، بدأ الطلاب الذكور بنصبِ الخيم والإناث بتحضير وجبة العشاء.

ليلًا كل فرقة من الطلاب إجتمعوا حول النار التي أوقدوها فيما يتناولون حصصهم من الطعام ومشروباتهم الدافئة.

"أُستاذ؛ ماذا سنفعل بالغد؟"

تسآل إحدى الطلبة والأُستاذ أجابه.

"غدًا سنخرج في رحلة إستكشافيّة في الغابة"

"أليس التجول في الغابة خطر علينا؟!"

تسآل إحدى الطلاب بخوف وقد أشعر بعض زملاءه بذات الشعور، وأما الأستاذ فقهقه ونفى برأسه.

"نحن ضمن الحدود الآمنة من الغابة، لن تصل الحيوانات إلى الأماكن المسموح لنا بالتجول فيها"

ترهلا كتفي إيري بأستياء.

"هل هذا يعني أننا لن نرى الحيوانات؟"

"سنراهم، ولكن من بعيد... لن نتجاوز الحدود الآمنة"

وإيري حقًا منزعجة وغاضبة، ظنَّت أنه يمكنها أن ترى الحيوانات عن قُرب، لكن لا بأس؛ حفظ الحياة أهم من أُمنياتها.

تفرَّق الطلاب إلى مضاجعهم ليلًا، عمَّ الهدوء وسكنت أنفاس البشر.

كانت إيري في خيمتها المُشتركة مع إحدى صديقاتها، يبدو أنَّها -وعلى خِلاف الجميع هُنا- يُجافيها النوم إن بدَّلت المكان الذي تنام فيه.

يبدو أنَّها ستكون ليلة طويلة، وبما أنَّ القمر ضيف الليل والأرق ضيفها؛ قرَّرت ألا تهدر المزيد من الوقت في قلب الخيمة.

حملت مصباحها وأرتدت مِعطفها وخرجت من الخيمة، جلست على حافّةِ التَّل دون أن تتجاوز حدود المُخيم، لن تُخاطر في الإبتعاد وحدها وفي هذا الظلام الدامس.

وفيما تجلس هكذا، بشرتها تتنفس هواء نقيًّا كما أنفها، وشعرها تُداعبه النسائم الباردة، عيناها تبرق من النظر إلى السماء المُطرَّزة بثوبٍ من قمر يكاد يكون البدر تُحيطه ألف نجمة حسبما ترى، وأنفها يشتم رائحة التراب والشجر والزهور.

أغمضت عيناها وابتسمت، ثم استنشقت نفسًا عميقًا وابتسمت أكثر.

فتحت عيناها بعد دقيقة شعور بالطبيعة، وأبصرت عينين ضوئيتين تُراقبانها من قريب، إنَّهُ حيوان برّي.

لم يخطر على بالها أن تصرخ لشدة الصدمة وهي لا تدري أي وحش برّي هذا الذي يزلفُ منها، وقفت على قدميها المرتعشتين، وأخذت تتراجع بخطواتٍ عجولة وهذا الوحش يتقدَّم حتى أنعكست عليه الأضواء وعرفت أي نوع من الوحوش البرية هو؛ ذئب أسود برّي.

شهقت إيري بقوّة وسقطت أرضًا؛ لا تصدق أن أقوى مخلوق برّي على وجه الأرض أمامها وينظر لها بعينٍ جائعة.

إستدركت حواسها أخيرًا، وأرادت أن تصرخ بقوّة؛ لكن الذئب قفز عليها، وقبل أن تراه يلوك لحم جسدها بين أنيابه فقدت الوعي.

......

أحسَّت بالأرضِ شديدة الصلابة من أسفلها، وضوء الشمس ساطع جدًا يخترق الظلام أسفل جفونها المُغلقة.

"اه!"

تألَّمت حينما تحرَّكت، كل عظمة من جسدِها تؤلمها من هذا السطح القاسي الذي تنام عليه.

"أين أنا؟!"

نَبست بصوتٍ واهن ما إن فتحت عيناها وقعدت أرضًا مُستنِدة على ذراعها التي تغز الأرض.

تنهدت بعُمق وأرجعت خُصلِ شعرها الخرّوبية إلى الخلف، وحينها تذكَّرت أحداث الأمس، الذئب الأسود من ليلةِ أمس.

سُرعان ما نهضت عن الأرض وأخذت تتلفَّت حول نفسها بجنون.

"أما أزال حيّة حقًا؟!"

لا تُصدِّق! لقد كان الذئب يعلوها، ومخالبه ترتفع في الهواء لتنهش من لحمها.

"كيف نَجوت؟!"

تطلَّعت خلفها فجأة حينما سمعة دبّة مخالب ضد الأرض، وإذ به الذئب العظيم من الأمس.

إمتلأت عيناها دموعًا وسقطت أرضًا في قلبِ هذا الكهف -الواقع في أعالي تلّة عالية الإرتفاع في قلبِ الغابة- أخذت تزحفُ للخلف والذئب يتقدَّم.

لا تفهم شيء ولا تدري كيف هي هُنا مع هذا الذئب، كيف نجت وكيف هو هنا؟!

هي فقط صرخت تتوسَّل.

"يا إلهي أنقذني من هذا الوحش!"

كانت تبكي بإستنجاد وتصرخ بإستنجاد وتزحف للخلف لتطول بعمرها هُنيهات؛ لكن هيهات هيهات وهي بمواجهةِ ذئب عظيم الحجم ومُهيب، ذئب يعد من أشرس الفصائل وأقواها.

كيف وصل إلى هنا وهذه الفصيلة تعيش في أمريكا؟!
لا تدري، ولا تظن أن في جُعبتها أي وقت لتدري.

إنقضَّ عليها الذئب مُجدَّدًا وسقطت هي أرضًا بين أربعتِه، حاوطت رأسها بيديها وأخذت تصرخ بقوة والدموع قد أغرقت وجهها، وقلبها يكاد ينفجر من شدة الخوف.

إرتفعت مخالبه في الهواء في نيةِ أن تسقط عليها، لكنها ظلَّت عالقة في الهواء ولم تصلها، فجأة شعرت بأنَّ الحيوان إختفى من أعلاها.

قعدت أرضًا وهي تلتف حول نفسها بفزع.

"ما الذي حدث؟! كيف ما زلتُ حيّة"

"داهمني شعور"

إلتفتت سريعًا إيري تبحث عن صاحبِ الصوت؛ وإذ به شاب يافع يجلس على ساقيه قريبًا من جدار الكهف وبعيدًا عنها.

إزدرئت إيري جوفها ونظرت إليه.

"عن أي شعور تتحدَّث؟! من أنت؟!"

تبسَّمَ هذا الشّاب من شدقٍ واحد.

"أتسخر مني؟!"

إستنكرت وهو نظر إليها، عيناه غريبة، لها لون غريب لم تراه على بشري قط ولا تعرف كيف توصفه... رمادي وأخضر في نفس الوقت؛ هذا اللون الذي تراه في حدقتيه.

حول عيناه تنتشر ظلال سوداء، ومعالمه وسيمة ومُتناسقة، أسمر البشرة وطويل الجذع، ولائق بدنيًّا، فعضلات ذراعيه وبطنه وصدره كلها مفتولة كما ترى؛ ونعم هو من دون قميص، فقط يلبس بنطال زيتي مُغبَر.

إقترب منها فيما يضع يداه في جيوب بنطاله وعيناه غريبة اللون ثابتة عليها، إزدرئت إيري جوفها بخوف حينما أدركها.

جلس الشاب الغريب القُرفصاء أمامها، وإيري تطلَّع عليه بشيء من الرهبة والفضول.

"من تكون؟!"

شهقت بِخفّة حينما أمسك بذقنها ورفع طلائعها إليه أكثر، وهمس لها بنبرة غريبة أخافتها.

"بِقضمةٍ واحدة؛ أستطيع أن آكلك كما لو أنَّكِ قطعة جُبن"

"ها؟!"

شهقت مُجدَّدًا وبِقوّة حينما إقترب منها بشكلٍ مُباغت، وأنفه داهم أديم عُنقها.

" استمتع بلونِ دمائك وأشتم رائحتك"

"ماذا تقول أيُّها المجنون؟!"

صرخت بعصبيّة وحاولت دفعه عنها من صدره، لكنَّها لم تُفلِح، وقف على قدميه أمامه، وفيما يُميل برأسِه ناحيتها همس مُبتسِمًا.

"سآكلكِ كُلُّك ولكن برويّة كما لو أنني أحتسيكِ وأنتِ نبيذي"

دوَّرت إيري عيناها بملل، ثم نهضت تنفض عن ثيابها التُراب.

"اوه حسنًا؛ الآن أين نحن؟!
وأين أختفى ذلك الذئب المُخيف؟!
الأهم من ذلك؛ أخشى أن لم يلحظ أحد في المُخيم غيابنا"

إستنكر تاو.

"غيابنا؟!"

كانت تتلفَّت حولها بحيرة، وحينما استنكر إلتفتت إليه وقالت.

"ألستَ أحد طلاب جامعة بيكّين؟!
علينا أن نجد طريق رجوعنا قبل أن يستنفر المُخيَّم بسببنا"

ثم تنهدت بقوّة فيما تُمسك برأسها.

"أنا حتى لا أعلم كيف أصبحتُ هنا!"

نقر كتفها بسبّابته، فإلتفتت له.

"أنا من أحضرتُكِ إلى هنا"

"حقًا؟!"

أومئ فاتبعت.

"إذًا أنتَ أنقذتني من الذئب البارحة واليوم!"

ضربت كتفه بيدها وابتسمت أجمل إبتسامة في الكون -كما رآها هو- وقالت.

"شكرًا لكَ يا صاح! لولاك لكنتُ قطع لحمة مهروسة في معدة ذلك الذئب"

قهقه تاو ونبس.

"يبدو أنَّكِ لا تفهمي الوضع الذي أنتِ فيه؟!"

"عن أي وضع تتكلَّم؟!
ظننتُك رجل مجنون مُذُّ قليل وأنت تتفوّه بالهُراء!"

"هُراء؟!"

إستنكر مُجددًا فأومأت، حينها تبسَّم ساخرًا وتراجع عنها يقول.

"حسنًا؛ اعتبريه كذلك"

حملت إيري نفسها وقالت.

"إذًا دعنا نجد طريقنا معًا إلى المُخيَّم"

وإيري سبقته قبل أن ينبس بحرف، كأن يوافق أو لا يوافق، لم تظن أنَّها بحاجة لإستشارته، فلا يبدو أنَّهُ صحيح عقليًا.

كانت تسير وهو يسير بِجوارها، وعيناه كما لو أنَّهُ خبير مُحترف بالغابة تتفقد كل زواية وتتحسَّس من كُلِّ صوت.

فجأة تنهد وأمسك بيدها يستوقفها عن السير، وما كادت أن تسأله عن السبب الذي أوقفه حتى سمعت صوت عواء عالي قادم من قريب ويعود لذئاب كثيرة.

"ما هذا؟! أهذه ذئاب حقًا؟!"

همهم لها، وهي إزدرئت جوفها بخوفٍ وارتباك، لكنَّهُ وضعها في ظهره ونبس.

"ليس عليكِ أن تخافي طالما أنتِ معي، سأحميكِ بِكُل قوّتي؟!"

وفيما تختبئ خلف ظهره وتتمسك بأظافرها بكتفيه قالت.

"ولِمَ تفعل؟!"

"لأنَّني الذئب وأنتِ الجميلة، أُحبُكِ"

"عاد ليتفوَّه بالهُراء ثانيةً!"

قلَّبت عيناها وأرادت أن تخرج من خلفِ ظهره لولا أنَّهُ منعها ونبس بنبرة جادّة.

"لو أردتِ الخروج من خلف ظهري لن أستطيع تخليصكِ من مخالب أحد عشر ذئبًا"

تذكَّرت إيري كلام الأستاذ، لقد ذكر بوضوح أن تلك الأسطورة تحوي إثنا عشر ذئبًا، ذئاب يُمكنها أن تتحوَّل إلى هيئة بشريّة.

"مستحيل!"

نبست بلا تصديق، لا يمكن أن تكون تلك الأسطورة حقيقة، الأساطير مُجرَّد خُرافات، لا يُمكِن أن تكون حقيقة أبدًا.

لكن الكثير من الأسئلة التي تتراود لها في عقلها اللامنطقي تقول العكس.

كما" كيف أنقذني الأمس؟ وأين أختفى الذئب فجأة وهو ظهر؟ وكلامه الغريب عنها كوجبةِ طعام؟ ولون عينيه الذي لم تراه على بشرٍ من قبل قط!"

"هل أنت حقًا ذئب؟"

تسآلت تطرح توقعًا غبيّا وبعيدًا عن المنطق، يناسب فيلم فانتازيا أو شيئًا من هذا القبيل؛ لكنه لم يجبها بل صاح.

"إبتعدي!"

دفع بها للخلف فسقطت أرضًا، وما كادت أن تنبس بحرف لتوبخه على سلوكه الوقح معها حتى رأت قطيعًا من الذئاب يقف قِبالةِ الشاب الذي لم يُعرِّف على نفسِه بعد لها.

والغريب عليها -تاو- وقف مُستعدًا للهجوم وقال للقطيع وكأنَّهم يفهمون لغته -حسب تفكير آيري-.

"لا يمكن لأحد منكم أن يؤذيها، هذهِ الآدميّة لي وحدي!"

إستشرست الذئاب وأخذت تُزمجر، وتقدَّمت أقواها لتقف في المُقدِّمة، على مقربة من تاو وكأنَّما يهددونه دون كلام.

تنهد تاو ورفع يديه ناحيتهم.

"لا يمكن للذئاب أن تعتدي على عائلتها، وأنا أخوكم، إعتدائكم على هذه الآدميّة إعتداءٌ علي!"

كان يقف في وسط الذئاب ذئب أسود عملاق، أكبر حجمًا من البقيّة ومُخيف جدًّا، نظر إلى جنبيه نحو إخوته في القطيع وهو يشد على أنيابه ويبرزها، وأيري مُذُّ وقت تعطلت قُدراتها على الإستيعاب.

إقترب منها تاو، وجعلها تقف، أمسك بيدها وجعلها تسير معه إلى الخلف وعينيه في أعين الذئاب، ربَّت على يدها كي يُطمئنها ويثبط خوفها، لكن هباءً.

ما كفَّت عن النظر نحو هذه الذئاب، وفجأة صرخت تضرب على يده.

"إنهم يقتربون!"

أفلت تاو يدها وتراجع سريعًا، لوهلة ظنَّت إيري أنَّهُ يهرب ويتركها مع قطيع من الذئاب المُفترسة؛ لكنَّهُ أخذ يركض ناحيتهم ثم قفز في الهواء وسقط ذئبًا عملاق على أربعة أرضًا.

وضعت إيري يدها، التي ترتجف، على فمها والتصقت بجذعِ الشجرة فيما لا تصدق ما تراه عيناها.

"إنه الذئب ذاته حقًا!"

كانت تنزل دموعها دون أن تشعر لشدة الخوف، ما تراه لا تصدقه عين بشريّة، رجل تحول إلى ذئب ويقف بمواجهة قطيع كامل لحمايتها، أن يأكلها أسهل عليه.

كانت تلك الحيوانات تتشاحن وتزمجر دون أن تتقاتل، وبلغتهم يتحدَّثون.

"من هذه الآدمية؟ وكيف تجرؤ أن تقف ضدنا لأجلِ إنسانة؟!"

تحدَّث الذئب الأعظم فيهم وهو قائد القطيع، فردَّ تاو.

"لقد أحضرتُها كفريسة، ونويتُ أن أتشاركها معكم"

"وما الذي حصل؟!"

"لكنَّني فقدتُ القوّة من مخالبي؛ كذلك شهيتي.

وجدتُ نفسي عاجزًا عن أذيّتها، هل أنا مريض؟ أبي عطب؟"

سخر منه أحد الذئاب في الخلف قائلًا.

"اووه! إنَّهُ واقع في مشكلة حقيقيّة!"

"بيكهيون، كُفَّ عن المُزاح"

حذَّر كريس -وهو قائد القطيع وأعظمهم حجمًا- للذئب الهازئ، ثم وجَّه حديثه بنبرة قاسية وآمرة نحو تاو.

"اخرج من هذه الحالة التي أنتَ عالق فيها!
كيف لآدمي ضعيف أن يسرق قلبك؟!"

وبيكهيون لم يتوقف رغم التحذير.

"أنا أخبرك أنَّها مُجرَّد قضمة!"

إلتفت تاو ناحيتها، ثقة أم غباءً؟!
لكنها لم تتحرَّك من المكان الذي هي فيه، لم تفكر بالهرب حتى!

إلتفت إلى أخوته وهمس محزونًا.

"لا يمكنني أن أؤذيها بهذه الطريقة، لقد إستحوذت علي سريعًا!"

"ليس سريعًا في الجري وحسب بل وبالحُب، سأصفِّق لك لاحقًا"

كل الذئاب نظرت نحو الذئب الثرثار رغم حجمه المتواضع.

"بيكهيون اصمت!"

"أنتم الخسرانين، حسنًا"

تجاوزت الذئاب الذئب تاو وتجاوزت الفتاة التي أختبأت خلف الشجرة منهم، ودخلوا إلى الكهف.

إقترب الذئب تاو من الشجرة، وبقي ينظر نحو إيري التي تقف وهي ترتجف.

"ماذا أفعل الآن؟!"

نظر الذئب نحو الكهف فاتبعت فيما تشير بيد ترتجف نحو الكهف.

"أتريدني أن ألجه معك؟!"

إزدرئت جوفها واتبعت.

"إن كنت تقول نعم ارمش مرَّتين"

ففعل، إزدرئت جوفها وتراجعت للخلف تقول.

"لا، لا يمكن! إنَّهم مُخيفين!"

"وماذا عني؟! لستُ مخيفًا؟!"
ودَّ تاو أن يسألها هذا السؤال، ولكنَّها لن تفهمه وهو بهذه الحالة، إقترب منها حتى أصبح خلفها ثم دفعها بخفَّة من ظهرها حتى تسير.

إزدرئت جوفها وطاوعته، وانتهى بها الأمر تجلس في أصغر حيز ممكن على الأرض وبأقصى زاوية في الكهف فيما يتربصون بها عيون إثنا عشر رجلًا يافع.

الآن لا تشعر أنها ستؤكل بل تُغتَصب.

ولذا من مكانها الوحيد نبست بصوت يرتج خوفًا.

"أنتُم! أُفضِّل أن تأكُلوني على أن تغتصبوني!"

أخذ يضحك بعضهم وبعضهم رمقها بحدّة، ثم واحد منهم جميل الوجه متواضع البُنية وأبيض البشرة قال ساخرًا.

"أنتِ لحُسن حظِّك أنَّكِ متورِّطة مع ذئاب، نحن جميعًا متزوجون إلا الأحمق الذي خطفك، والذئب لا يخون زوجته، خافي من تاو فهو لم يتزوَّج بعد"

المدعو تاو والذي أصبحت تعرفه الآن قال وهو يمر بها ويقترب منهم.

"بيكهيون، لا تُخيفها مني، لقد نسيتَ أن تذكر أننا لا نؤذي الإناث اللواتي نُحب"

كريس القائد نبس وهو يرمقها بحدّة، ودون أن يخبرها أحد علمت أنَّهُ قائد القطيع فهو أطولهم.

"هذه القاعدة تُطبَّق فقط على السِّنداوات*، وهي بشريّة"

*السِّنداوة: أُنثى الذئب.

وقف الشّاب الذي يجلس على يمين كريس، والجدير بالذكر أن جميعهم يستترون ببناطيل قصيرة وحسب، أجسادهم عُرضة لعينيها.

وهذا الذي وقف، ملامحه هي الأكثر خشونة من بينهم أجميعن، وجسده مفتول وعريض أكثر من البقيّة؛ لكنَّه أقل طولًا ببضعِ سنتمترات عن القائد فقط.

نظر لها وتحدَّث بنبرة حادّة، صوته العميق بدى الأقوى حتى.

"أنت! فقط قُم بِعضِّها!"

كان يوجِّه حديثه لتاو فيما ينظر لها بعينٍ حادة ويزلف منها بخطواتٍ بطيئة كما تفعل الذئاب تمامًا قبل أن تنقض على فريستها.

" ثم أجعلها ترتعش بين يديك خوفًا فتفقد وعيها"

إلتصقت إيري بالجدار وتشانيول لا ينفك يقترب منها، إنخفض يجلس القرفصاء أمامها، وامتدت يده تُمسِك بِخُصلة من شعرها، فشهقت بقوّة ورمقته بخوف شديد وهي ترتجف.

أما تشانيول؛ فابتسم نصف إبتسامة، الخوف في عين الفريسة يشبع غريزة الإفتراس لديه، تلك النظرة من عينيها ألذَّ من لحمها حتى.

"قُم بذلك بأسلوب أنيق لم تستخدمه قط من قبل"

وضع أصابعه أسفل ذقنها ورفع وجهها وسمع شهقتها المرتعبة.

"وتخلَّص منها قبل أن يختفي البدر!"

فالليلة القمرُ بدر.

إتسعت عيناها بخوف.

"أهذا يعني أنكم ستقتلوني؟!"

همهم لها تشانيول وهي من شدة الخوف كادت أن تفقد وعيها مُجدَّدًا لولا أنَّ تاو إقترب منها سريعًا، أزاح أخاه ونفضها بين قبضتيه بقوّة وضمَّها يُخفيها في كُنِفِه.

"توقفوا جميعًا عن إخافتها!"

صرخ تاو، والفتاة بين يديه، تختبئ بين زِنديه، وتستند على صدرِه، وتتمسَّك بكتفيه.

"لا تتركني رجاءً لهم!"

همس لها فيما يُربِّت على شعرها.

"لا تخافي، هُم لن يؤذونكِ طالما أنتِ معي"

لم تجرؤ إيري أن تنظر لإخوته، بل خبأت وجهها في عُنقِ تاو، وأثناء ذلك؛ إقترب إحدى إخوته، لم يكن يقصد إخافتها ولم يفعل.

إنَّه مُعتدل القامة، مفتول العضلات، أبيض البشرة، ومعالم وجهه في غاية الوسامة... إنَّهُ سوهو.

"انظروا إليها، إنها تتخبَّط من الخوف، هي لا تَعي الموقف أمامها.

بماذا يا تُراها ستفكر بعد قليل؟!

"هل سوف يأكلني هذا الرجل المُستذئب القذر؟!" "

تحرَّكت إيري من بين ذراعي تاو، كلام أخوه سوهو أيقظ خوفها منه، كيف لها أن تستأمِن نفسها من الذئاب عبر ذئب من القطيع ذاته؟!

لا يمكن، هذا غير منطقي، وبالفعل كل شيء يحدث معها غير منطقي؛ لكنَّ تاو تمسَّك بها وهي تُقاوم ذراعيه، وأعلن لها ولأخوته عن أصدق شعور راوده.

"لن أفعل؛ لقد وقعتُ بالحُب!"

سكنت إيري بين يديه، ونظرت إليه مُسهبة النظر، وأما إخوته؛ فإعلانه هذا بمثابةِ تصريح، لا يمكنهم إيذاء أُنثى الذئب وإن كانت آدميّة كتلك... لا يمكن.

غادروا إخوته، وبقي هو معها وحدهما.

كان تاو يجلس على حافّةِ الكهف؛ فأسفله وادٍ أخضر شديد الإنحدار، وأما هي فما زالت في المكان الذي تجلس فيه من البداية.

كانت ترفع ساقيها نحو صدرها وتحيطهما بذراعيها فيما تسند رأسها على الجدار ولا تنظر لشيء تحديدًا.

"أحقًا الذئب يحبني؟!"

"نعم، أُحبُك"

أجابها من مكانه البعيد، فتنهدت.

"وماذا سيحدث لي الآن؟!"

"بإختصار؛ أنتِ عالقة معي إلى أبدي"

إمتلأت عيناها بالدموع ونبست.

"أهذا يعني أنَّني سأعيش في كهف كإمرأة بدائية مع رجل كهف يتحوَّل إلى ذئب، لا أضمن إن جائع ألا يأكلني؟!"

تنهد تاو، وما منحها إجابة ولم يُحرِّك ساكنًا حتى؛ لكنها صرخت تقتل هدوءه.

"أجبني!"

وقف تاو على قدميه سريعًا وتقدَّم منها، بدى غاضبًا وهي تخاف منه، فأخذت تتراجع بخطواتٍ سريعة للخلف هربًا منه؛ لكنَّهُ سبقها إليها، وقبضَ على ذراعيها يقول.

"جُننتِ أنتِ؟!
الذئب لا يقتل زوجته"

نفضت ذراعيه عنها وصرخت بقوّة.

"لستُ زوجتك!"

صرخ أقوى وأمسك بها من ذراعيها.

"الحُب هو عقد الزواج عندنا، أحبك معناها أنَّكِ أصبحتِ زوجتي، لا يمكنكِ محو ذلك!"

"أنا لن أكون زوجة لوحشٍ برّي!"

إستشرست ملامحه وبرزت أنيابه، إرتفعت حرارته وأحمرَّ جِلده، أفلت يداها وتراجع عنها فيما عيناه تبرق.

"اخرسي واذهبي بعيدًا عني قبل أن أفقد سيطرتي على نفسي!"

إزدرئت إيري جوفها بخوف وتراجعت عنه، لكن صرخته جعلتها تركض إلى قلب الكهف بخوف.

"بسرعة!"

مضت دقائق وهي تراقبه من بعيد حتى جلس وهدأ، ثم رويدًا رويدًا إقتربت حتى جلست كما السابق في ذات المكان.

حينما آتى المساء وقف على قدميه ونبس محذِّرًا دون أن يلتفت لها.

"سآتي بشيء لكِ لتأكلينه، ولو خرجتِ بغيابي ستكوني أنتِ من تؤكلي"

خرج تاو، وبقيت هكذا وحدها في الكهف، عيناها مُتربِّصة بفوهة الكهف، الفرصة سانحة أمامها لتهرب، لكنها تخاف الهروب أكثر من البقاء.

ماذا لو صادفها حيوان آخر، ذئب من قطيع آخر؟!
ستؤكل هذه المرة بلا شك؛ لذا لم تكن جريئة كفاية لتُخاطر، وخصوصًا أنها عاشت أكثر واقعًا مُخيفًا ومجنون على الإطلاق.

نظرت إيري في ساعة يدها، لقد مضى على غيابِ تاو قرابة الساعة، لن تقلق عليه؛ هو ذئب... ستقلق على نفسها لو ما عاد.

لكنَّهُ عاد، يحمل صينيّة عليها طعامًا، توقعت أن يأتي بثمرتين على ورقة شجر وانتهى، لكن هذه السُّفرة حضرية أكثر.

"تناولي طعامك"

ولأنها حقًا جائعة لم تسأله عن شيء وتناولت الطعام الذي قدَّمه لها.

ثم عاد الصمت الدّائر بينهما، حَلَّ المساء؛ وكما قال أخوه المخيف؛ فالقمُر بدر، ولكنَّهُ بدرٌ أصفر اللون.

كان ينظر له تاو كذلك هي وكل منهما يجلس في مكانه، بعيدان عن بعضهما.

همس تاو.

"نحن ذئاب؛ نعم... لكننا نملك جانب آدمي، لا نعيش في المدن الكبيرة؛ لكنَّنا نعيشُ في البلدات القريبة كالبشرِ تمامًا.

نذهب إلى المدرسة والجامعة، ونجد وظائف كما باقي البشر؛ لكننا لسنا بشرًا في أصلنا بل ذئابًا، نحنُ قد نكون حيوانات برّيّة أسطورية ولكننا لسنا وحوش"

إلتفت لها وأشار نحو مائدتها يقول.

"أنتِ للتو أكلتِ صدر دجاجة، هل هذا السلوك لا يعتبركِ وحشًا ويعتبرنا؟!"

تنهدت إيري ونبست.

"لو أنك تأكل الدجاج لما اعتبرتك وحش"

"لأنَّكِ لا تريدي أن تُنعتي بالوحش، الدجاجة كائن حي له روح؛ لكن روحه أزهقت لأجل أن تأكلي من لحمه، أنتِ أيضًا بالنسبةِ لي وحش"

لم تجد إيري ما تقوله؛ لذا إلتزمت الصمت.

مضى يعض الوقت مجددًا في صمت حتى قطعه هو، فيما ينظر إلى البدر الأصفر همس.

"لا أقدر أن أحررك أو أتخلَّص منكِ... أنا في مُشكلة حقًا"

تطلَّعت عليه والخوف راودها من جديد، فيما هو تنهَّد واتبع.

"هذا البدر الأصفر يغيظني، يخبرني أنني لا أستطيع أن أحصل عليكِ"

"لكن أنتَ..."

قاطعها يقول بنبرة جافيّة.

" " أنَّني وحشٌ برّيّ" لو كنتِ ستقولينها اغربي عن وجهي فقط!"

وجدت في كلامه فُرصة لتكسب حُريَّتُها من جديد؛ لكنَّهُ سُرعان ما بدَّلَ أقواله.

"لو أحتاج الأمر سأُغيّر من نفسي لأجلِك، أنا لا أستطيع أن أسمح لكِ أن تذهبي!"

تنهدت إيري بيأس وجلست في مكانها مُجدَّدًا، والآن إقتنعت بجديّة إنَّهُ لا يمكنها الخلاص من هذا الذئب إطلاقًا.

وهكذا مَضت عدة أيام وهي عالقة معه، مهما أغاظته، مهما استفزَّته، ومهما أغضبته لا تنجح في جعله يستسلم بشأنها ويتركها تذهب أو بالأحرى يُعيدها إلى المكان الذي أخذها منه.

بدأت تستسلم رويدًا رويدًا لهذا القدر المُحتَم، اليوم موعد عودة الطلبة إلى المدينة، وهم بالتأكيد لن يخاطروا ببقيةِ الطلاب ويبقوا ليبحثوا عنها... وهكذا يكون آخر أمل لديها قد ضاع.

في عصرِ يوم ما؛ كانت إيري في الكهفِ وحدها، تاو قد ذهب ليتدبَّر لها الطعام ويحتاج ساعة ليعود.

وهي في الداخل تجلس بهدوء، لا تفعل شيء والأيام تنقضي بِبُطء.

فجأة؛ سمعت صوت مروحيّة، وما إن سمعتها خرجت من الكهف تجري وأخذت تقفز وتلوح بيديها عاليًا ليلحظونها؛ إنها فرقة إنقاذ، وتظن أنهم أتوا لأجلها.

لحسن الحظ هي على أعلى مُنحدر مرتفع وواضح، لذا إستطاعوا رصدها سريعًا، وتلك كانت حُريَّتُها من هذا الذئب وإخوانه، ومن هذه الغابة وبراريها.

.....

مضت السنة تلو الأخرى؛ وحياة إيري من أحسن لأحسن.

في بداية عودتها تلقَّت إهتمام مبالغ من وسائل الإعلام، قالت لهم أنَّ الذي إختطفها رجل يرعى كلبًا مُستذئب.

صدَّقها الإعلام بما أن الكاميرات إلتقطت صورة شاب غريب لم يظهر وجهه ثم ذئب ثم شاب مجدَّدًا وهو يحملها على ظهره.

مرت سنين الجامعة؛ وهي تحتفظ بسر تلك الأيام لنفسها، لم تخبر أحد عن حقيقة ما حدث ولا حتى عائلتها عندما عادت لهم ولا بعدما إنقضى الوقت.

كان كل شيء عادي؛ لكنَّها دومًا كانت تشعر بأن هناك عين تُراقبها، ولكنها لم تتمكن من تمييز الذي يراقبها إطلاقًا.

لم تخف من أن تاو قد يأتي، لأنه حيوان بالنهاية، لا يمكنه الإبتعاد عن الغابة... لم تعطي للأمر بالًا، وحسبته مجرد وهم بسبب الحادثة الأليمة.

هكذا حتى تخرجت من كلية الطب البيطري، ثم سارت أمورها على نحوٍ طيب، تعيَّنت في وظيفة، إشترت شقة وسيارة.

كان كل شيء يسيرُ على ما يُرام حتى آتى مساءً ما؛ قد عادت للتو إلى منزلها الخاص الذي تعيش فيه لوحدها، وبعد يوم طويل ومنهك في مستشفى الحيوان قررت أن أول ما تفعله فورما تتجاوز قدمها عتبة الباب أن ترتمي على الأريكة في منتصف صالة الجلوس.

ولجت إلى شقتها بهذا النوع من الحماسة، ولكنها حينما أضاءت الأضواء ورأت هذا الرجل المُتأنق ببدلة، ويبدو عصريًا وحضاريًّا أكثر منها إزدرئت جوفها بخوف ثم همست بلا تصديق.

"تاو؟! أهذا أنتَ حقًا؟!"

كان تاو ينظر في عينيها دون أن يحيدَ عنها إطلاقًا، وبعد وهلة وقف على قدميه وكفيه في جيوب بنطاله.

"لِمَ؟ ظننتِ أنَّكِ ستهربي منّي للأبد؟!"

كان يقترب منها وهي تتراجع، يقترب وتتراجع حتى أمسك بذراعها ورمى بها على الأريكة فصرخت بقوة، ولم تستطع أن تلتقط نفسًا أو تنبس بكلمة إلا وقد أصبحت محاصرة بين ذراعيه عند جنبيها.

"ماذا أفعل؟!
مهما حاولت لا أستطيع نزع هذا الشعور القوي الذي يراودني بسببك ويعلقني بكِ؛ بل أنا أستمر في الوقوع لهذا الشعور، أجد نفسي أحبكِ أكثر ولا يمكنني سوى أن أترك نفسي ملك هذا الشعور"

تبسَّم وتحسَّس بطرف بنانه وجهها.

"إن كنتِ تظني أنَّكِ في كل هذا الوقت الفائت كُنتِ بعيدة عنّي فأنتِ مُخطئة؛ فأنا قد عشتُ معك كل ذكرى سعيدة وحزينة مُذُّ هربتِ منّي.

يوم تخرجك من كلية الطب البيطري، يوم إمتحان الترخيص لممارسة المهنة، يوم إشتريتِ هذا المنزل وسيارتك، حتى في يوم وفاة جدك كنت قريبًا منك!"

إستغربت إيري كل هذه الأقول بشدّة، ولم تصدق معظمها.

دفعت به عنها واستقامت تقول.

"أنت مجنون أكثر مما كنت عليه سابقًا!"

وقفت أمامه، ورغم أنَّ ثِقتِها تهتز؛ لكنَّها حاولت ألا تبدو خائفة.

وأما تاو؛ فابتسم ووضع كفّيه في جيوب بنطاله وأخذ يجول في المنزل، ينظر إلى صورها التي تُزيّن بها منضداتِها والشهادات التي تعلقها على الجدار.

"حياة بسيطة وعاديّة هي الحياة التي تُريدينها"

إلتفت نحوها واتكز إلى الجدار فيما يعقد ساقيه ويعقد ساعديه إلى صدره.

"أحب الأشياء البسيطة، والآن أنا أعلم ما هي الأشياء التي تختبئ داخلي؟"

إزدرئت جوفها وتراجعت تقول.

"وما هي؟!"

فأجاب وهو ينظر لها.

"الحُب، وأنتِ، وحياة بسيطة معكِ"

اقترب منها، وفيما هي لا تكف عن الهرب منه أمسك بذراعها، وجعلها تقف إلى الحائط وحاصرها بين ذراعيه.

"ما رأيكِ؟"

"رأيي بماذا؟!"

"أن تأتي معي، نتزوج وسأدعكِ تعملي في عيادة، هناك أنتِ قريبة من الغاب ستستطيعي أن تُعالجي حيوانات غير الكلاب والقِطط"

تبسَّم واتبع.

"هممم ذئبًا مثلًا"

حاولت إبعاده عنها لكنَّهُ أبى، تنهَّدت إيري بأستياء وقالت.

"هل رأيي يُهِم حقًّا؟!"

أومئ لها، وكادت أن تقول "لا" وبكلِ وضوح، لكنه أغلق فمها بيده ونبس.

"لستُ مُستعجلًا على سماعِ الإجابة، سأمهلكِ وقت لتُفكِّري جيدًا.

العرضُ مُغري، فكِّري جيدًا... زوجٌ شاب ووسيم وليس طبيب ذا بطن كبيرة يشخر ليلًا، منزل فارِه يطل على الغابة وليس شقة صغيرة مُغلقة كعُلبة صغيرة.

عمل في البيئة يكسبك تحديات وخبرة أفضل أم تفضلين أن تقضي حياتك تعالجي الكلاب والقطط والفئران الملونة تلك"

تحسَّس وجهها بأطرافِ بنانه ونبس.

"تعالي معي وصدِّقيني ستكوني سعيدة وآمنة وسأُحبكِ بكل طاقتي، وكما تعلمي؛ الذئب لا يخون فلن تضطري لمراقبة هاتفي أو مراقبتي، أنتِ الوحيدة في حياتي"

قضمت إيري على شفتيها تمنع نفسها من التبسُّم، دفعت به عنها وأومأت تقول.

"دعني أفكر الآن"

...

وهكذا قضت عدة أيام أُخَر وتاو بإنتظارِ جوابها، إنَّه يطوق لسماعِ إجابتها وهي لا تُجيبه، ولقد قرَّرَ مُسبقًا ألا يضغط عليها إطلاقًا.

مرَّ يوم، إثنين، ثلاثة... وكثير أُخريات وهي لا تُجيبه، أرادت أن تجعله يتعذَّب كما فعل بها مُسبقًا.

وهو لا يستسلم؛ إذ في الصباحِ تخرج تجده في وجهها، يوصلها إلى العمل وينتظرها في الخارج ساعات ولا يمل، ويعود بها إلى المنزل، ثم ينام على سطح العمارة التي تعيش بها.

الناس بدأت تتكلَّم وأسئلة مثل "من هو هذا الشاب الوسيم الذي يلاحقكِ دومًا؟!" أصبحت تسمعه إيري بكثرة.

في يومٍ ما؛ وهي خارجة من العيادة رأتهُ كما العادة ينتظرها أن تخرج له، تنهدت بأستياء وتوجهت إليه، صعدت بجانبه وهمست.

"إلى متى ستُلاحقني؟!"

"إلى الأبد"

أشاحت بوجهها ونظرت نحو النافذة تقضم شفتيها، لا تريد أن تُريه إبتسامتها، تحمحمت ثم همست.

"حسنًا موافقة، فلنذهب للغابة"

تبسَّم ونبس.

"أعدكِ أنَّكِ لن تندمي أبدًا!"

"أرجو ذلك!"

...

مُقاطعات الشمال مُجدَّدًا، في البداية قد تكون إيري شعرت بأنَّها أخطأت الأختيار، لكن الأيام أثبتت لها العكس.

الحياة هنا أفضل من حياة المدينة بألفِ مرّة، هنا الناس حقًا يحتاجونها، والحيوانات تحتاجها، هنا الحيوانات الضّالة كثيرة، وتحتاج أحد مثلها لمساعدتها.

تاو طيب وإخوته أصبحوا طيبون مُذُّ أن أصبحت زوجة شقيقهم، وليست وجبته... تعرَّفت على زوجات إخوته، أمه وأبيه، جدِّه وجدَّتِه، وأبناء إخوته الصِّغار... إنَّها عائلة مُمتَدَّة بالفعل.

كانت تقف إيري إلى الشُّرفة الخشبيّة، تنظر نحو الغابة التي تستعرِضها الشُّرفة، الشجر الكثيف والأُفقِ البعيد، والهواء النظيف... هذا أفضل مكان في العالم بالفعل.

فجأةً؛ شعرت بعِناقه يُباغتها من الخلف، ومن غيره؟! زوجها الذئب!

كانت ترتدي فُستان طويل خفيف، لذا شعرت وكأن يديه حينما انعقدت فوق بطنها وكأنها لمستها بالفعل على جلدها.

تبسَّمت وأزاحت رأسها تسمح له أن يُداعِب عُنقها بشفتيه كما يحلو له، طبع قُبل مُتفرِّقة على طول أذنها ثم عنقها وحتى كتفها، ثم همس.

"أنتِ جميلة جدًا
وأنتِ لي أنا وحدي
ولا يُمكنكِ أن تخافي مني
لأنَّني ذئبٌ مُميَّز
فأنا ذئبٌ يُحبُكِ"

إلتفَّت إليه وأراحت ذراعيها فوق كتفيه، أشرقت على شفتيها إبتسامة ونبست.

"وأنا أُحِبُك!"

إبتسم إبتسامةً واسِعة ثم أجتذبها من خصريها الذي يُعانق، واندمج وأياها في قُبلة؛ قُبلة عن حُب بين الجميلة والذئب.


....

*بِتَصرُّف

Wolf|| الذئب والجميلة

Zi Tao||تاو

30th/May/2021

.........................



سلااااااااام


من زمان عن هذا الكتاب الجميل *تنفض الغبرة*

أحس ترددت كثير قبل ما أكتب هذا الوانشوت؛ لأنّي أحس أنو الثلاثي الصيني مش مرغوب وخصوصًا تاو.

وحسب ردة فعلكم على الوانشوت رح أعرف إذا أنا صح أو خطأ... أتمنى أني خطأ.

الحكاية القادمة بعد50 فوت و100 كومنت.

1.رأيكم بشخصية تاو؟

2.رأيكم بشخصية إيري؟

3.رأيكم بالقصة؟! هل نجحت في عكس الأغنية؟!

4.ضعوا ترشيحكم القادم هنا!

دمتم سالمين❤
❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤
Love❤



© Mercy Ariana Park,
книга «حكاية الألحان».
Miracle in December|| مُعجِزات ديسمبر
Коментарі