بداية البحث
خلال الخمس سنوات
تخطيط
اول خطوة
الرائحة
مقابلة
انتصار ام
الرائحة


علي ما اعتقد اني غفوت قليلا بعد اخر حديث، الجميع نائم بشكل لطيف، الساعة الواحدة و النصف، بالتحديد و سبع دقائق،الجو هادئ و غير حاضر، المشي ليلا في منزل خالد هو امتع شئ حيث ان رغم ظلمة البيت الا انه امن تماما من كل المخاطر، صوت قرأن هادئ بالداخل ، كلبان بالخارج لا شئ يخيف هنا

كان خالد يقف فوق سطح المنزل، لم يكن يشرب القهوة،لم يكن يفعل شئ سوي النظر الي الاراضي الزراعية الواسعة خلف المنزل، و كأن المنزل جزيرة وسط البحار....قاطعت سكوته

ح:اية الي موقفك كدا

ابتسم خالد

خ: ما شاء الله بتطلعيلي في كل مكان

ح: دا عشان انا حلقة الوصل زي ما قلت

ضحكنا قليلا ثم قال خالد

خ:طب يا ست حلقة اية الي مصحيكي

ح: اكيد القدر اراد اني اعبر الظلام الدامس و اجي هنا اشوفك، و انت اية الي مصحيك

تنهد خالد

خ: منمتش اصلا

ابتسمت

ح: عمق اديب بقي و كدا

تلك الضحكة التي تأتي فجأة،تلك الضحكة المصحوبة باتسامة في اخرها، حضرت في تلك اللحظة

استنشق خالد بعض الهواء في لافتة غريبة و قال

خ:الجو مليان ريحة جنازة

التفت بوجهي الي النايحة الاخري في غضب

ح: يادي النيلة انت لسة فيك العادة دي

اكمل خالد و كأنه لم ينتبه لي

خ: الريحة بقالها يومين و كل شوية بتشد

ح: يا عم تلاقي في بقرة ميتة قدام البيت ولا حاجة

التفت خالد الي بكامل جسده

خ: حطي ايدك علي السور و افردي دراعك و غمضي عينك

لم افهم لكني فعلت ما قاله بكل تأكيد

خ: خدي اعمق نفس ممكن تاخديه، هتشمي حاجة ممكن حاجات كتير، هتشمي ذكريات ليكي، ممكن تكوني مش فاكراها اصلا، حاجات حصلت في نفس الجو ، نفس الموقف، الساعة، كل حاجة بتحصلنا ليها ريحة، و بم ان حياتنا مواقف متكررة الريحة بتتعاد، اقوي الروايح ريحة الموت و الفراق، بتقدري تميزيهم من وسط اي ريحة

لم يكذب، كل كلمة كانت صحيحة و الهواء و يدخل رئتي و ذاكرتي تعمل، الغريب ان كل شئ حضر في تلك اللحظة، الذكريات كلها هجمت علي، ذكري تلو الاخري، رفعت يدي علي من علي السور و التفت الي خالد

ح: شميت حاجات كتير بس مشمتش ريحة موت او فراق يا عم الكاتب

ابتسم خالد بكل هدوء

خ: كل واحد بيشم الي يخصه يا عروسة

ح: قاعدتك لوحدك مع الكلاب غيرتك علي فكرة

ضحكنا بقوة...الوقت و الحديث سرقنا حتي سمعنا اذان الفجر

خ: يلا ننزل و نصحي الجثث الي تحت عشان يصلوا

ح: هيتفوا علينا والله

اثناء الحديث الطويل تحدث خالد عن نبوءة احمد خالد التوفيق، رحمه الله التي تحققت تقريبا، لقد فصل المجتمع الي يوتوبيا الغنية القوية ذات الخدمات ، و النصف الاخر نصف الاغيار ذوي الفقر و الجوع و المرض، لقد تنبأ ايضا ان المترو سيندثر، و لن يكون هناك كهرباء و غيره في عالم الاغيار ، تنبأ بالعديد من الاشياء التي يجب الا تحدث، لكنها ستحدث....انها تحدث رويدا رويدا

كان الامر يسيرا بعد الفجر للنوم لكن فجأة سمعنا صوت الباب يدق بشكل مرعب، بالطبع ارتدي خالد الكاميرا و السماعات و الميكروفون، لتدوين ما سيحدث ان كان سيئا و لنشاهد من يطرق الباب من مكاننا ....كان زياد بجوار خالد

عندما فتح فوجئنا بوجه فتاة جميلة بالكاد تأخذ انفاسها و قالت بصعوبة" رؤي بتموت يا خالد ....رؤي عايزة تشوف يا خالد"

كاميرا زياد اظهرت ملامح خالد المصدومة و المرعوبة و في تلك اللحظة وضع خالد قبعة معطفه و اشار لزياد بالبقاء و رحل مع الفتاة

كانوا يمشون بلا كلام ، فقط نسمع صوت بكائها و نري الطريق.

لكن رؤي؟ من رؤي؟ اليس هذا الاسم ذكر في الصحافة مرة؟ اكاد اجزم انها طليقته، سنري

وصلوا امام بيت كبير تقريبا قصر، دخلا الي البيت و انتهي بهم الطريق وسط الاثاث الفاخر الي غرفة ترقد فيها فتاة شاحبة علي السرير بالتأكيد هي رؤي، كان يجلس بجوار سريرها رجل، صاحت مريم فور رؤيته

م: رؤوف كامل

الجميع مصدوم و متحير المشهد عجيب ، خالد يزور طليقته المريضة ابنة رجل الاعمال الذي يعتبر خيطا للايقاع بكريم

ملامح خالد و رؤوف كانت صارمة تجاه بعضهما البعض ، ملامح توحي بالكره، لكن هناك سبب يمنعهما من الامساك بعنق بعضهم

هل صلة الرحم؟ ام الخوف؟ سنري

امسك رؤوف بكتف الفتاة و قال لها و عينيه مازالت متوجهة الي خالد"خلينا نسيبهم لوحدهم" و في نفس اللحظة قال خالد" لازم يكون في محرم انا مش متجوزها دلوقتي"

تنهد رؤوف و اشار للفتاة ان تجلس و خرج هو.

جلس خالد بالقرب من رؤي التي لم ترفع عينها من علي خالد، كما فعل هو، وجه الفتاة شاحب مصفر يبدو عليه ان الروح ستخرج منه قريبا، و سرعان ما بدأت في البكاء

ابتسم خالد

خ: اهدي يا رؤي مش كدا

استمرت رؤي في البكاء و قالت بشحتفة

ر: وحشتني اوي يا خالد

زالت الابتسامة من علي وجه خالد

خ: ملوش لازمة الكلام دا دلوقتي

سكتت رؤي قليلا و استنشقت بعض الهواء و قالت

ر: لينا قالتلي انك كنت بتسأل عليا

تنهد و قال

خ: فضول

رفعت حواجبها و قالت

ر: متأكد؟

مسح خالد وجهه بكفيه

خ: المهم نطمن عليكي دلوقتي، اية اخر كلام الدكتور

زادت في البكاء و قالت

ر: مفيش كلام خلاص، الورم تمكن مني ، يعني شوية و هموت يا خالد

صدمتنا و نحن نراقب المشهد ليست شيئا في صدمة وجه خالد، لكن خالد فضل السكوت و الهدوء و قال

خ: يا بنتي اهدي تلاقيه فاق عليكي، ان شاء الله هت......

قاطعته رؤي

ر: مفيش حرف الهاء خلاص مفيش اي امل يا خالد

بدأت الدموع تتسلل من عين خالد

خ: مش هتموتي اي رؤي

اصبح المشهد مليئا بالدموع الان

بالكاد تستطيع رؤي ان تتنفس

ر: انا بموت

سكت خالد و تنهد و قال

خ: كان لازم نرجع، انا ضيعت 6 شهور من حياتي من غيرك

بدأت الدموع تقل من علي اعين رؤي قبل ان تقول

ر: طب فاكر ان فاكر المدة، الاهم تكون فاكر السبب

قال خالد بحدة

خ: ابوكي... اتجوزت بنت رجل الاعمال الكبير عشان بحبها و منكرش انه الفضل كله يرجعله لكن لم اعرف فساده لازم اقف

عادت الدموع الي عينيها و هي تقول

ر: تقوم تسيبني

قال بصوت واهن

خ: هددني ...اسيبك هيسبني في حالي و انا مرضاش ليكي التعب

الان كل شئ اصبح معروفا، خالد لم يكن بهذا الغني بسبب دكتور اعجب بروايته، لقد ساعده والد رؤي حتي اصبح في هذه المكانة و تلك الشهرة و حين عرف حقيقة فساده واجهه و عرف الكثير، و شرع في كتابة المفسدون من السماء و عرف كريم و بالتالي انهالت عليه المشاكل فور معرفتهم بهذا الكتاب و كان التهديد واضحا اترك ابنتي اتركك و هذا هو سر اختفاء خبر طلاقهما من الصحف سريعا

قالت رؤي و هي تمسح الدموع من عينها و لينا اختها خلفها مازالت تبكي من اول المقابلة

ر: مش مهم كل دا دلوقتي خلاص

حرك خالد شعره بيديه و قال

خ: مينفعش تموتي يا رؤي مينفعش، لو كنت قدرت علي الطلاق مش هقدر علي الموت، انا مبطلتش اسال عليكي هعمل اية انا دلوقتي

بدأ وجه رؤي يزداد شحوبا كما تزداد دموعها

ر: اسمع يا خالد انا ضغطت عليهم عشان يوافقوا علي الي هقولهولك دا.....انا عايزة اموت علي ذمتك عايزة انت تدفني في مقابركوا مش عايزة اتدفن في حتة تانية، انا بحبك

كانت تنهمر في البكاء كما كانت تفعل اختها المشاهدة مثلنا تماما، قام خالد من مكانه و خرج خارج الغرفة، و توجه الي رؤوف و قال" محتاجين مأذون"

رؤوف ذلك الرجل الخمسيني قوي البنية اشيب الرأس كثير الملامح ، تنهد و قال"موجود"

رد خالد و هو يعود الي الغرفة" ابعته حالا"....امسك رؤوف بيد خالد و قال" انت عارف اني وافقت عشانها انما لولا كدا مكنش دا هيحصل تاني، ازاح خالد يده و قال"و انت عارف ان الي حايشني عنك بنتك"

اذا رؤي هي المانع، رؤي هي الصلة، كلاهما لا يستطيع ايذاء الاخر بسببها، و نعم الرابط

كان المأذون حاضرا بسرعة، لو كان يمكن لما وضع خالد يده في يد رؤوف، كان من الواضح ان كلاهما لا يطيق الاخر، لكنها رؤي، من جعلت خالد يخفي ادلة ادانة رؤوف قدر الامكان و هي من جعلت رؤوف لا يقتل خالد

انتهي عقد القران و عادت رؤي الي ذمة خالد، لا اعتقد انها ستظل طويلا، لا..في جميع الاحوال ستظل حتي و ان ماتت ستموت و هي علي ذمته

بعد خروج الماذون و بالطبع رؤوف نظر خالد الي لينا اخت رؤي و قال

خ: دلوقتي تقدري تخرجي

وجه خالد العبارات الي اختها و جلس بجوار رؤي، لم يبتعد عنها تلك المرة بل كان بجانبها

ابتسمت رؤي و قالت

ر: خلاص كدا انا مش عايزة حاجة تاني

ابتسم و هو يمسك بيدها

خ: بس انا عايزك

تحسست رؤي وجه خالد بيدها و ابتسمت و قالت

ر: خلاص كدا كفاية

استمر في الامساك بيدها و كأنه يريد ان يحتفظ بها و قال

خ: مش كفاية، انت هتبقي كويسة عادي دي ذروة المرض و بعدها هنرجع علي البيت

بدأ يضحك و يبتسم و تابع

خ: البيت هظبطهولك ...اسكتي مش انا لقيت صحاب زمان، هتحبيهم يا رؤي، الكلاب مش هيصدقوا لم يشوفوكي، البيت هينور النور الي انا بحبه

عينان رؤي غير ثابتة جسدها يرتعش قليلا اعصاب يدها ترتخي حتي انها لا تستطيع الامساك بيد خالد، تنهدت و قالت

ر: انا بحبك

ثم نطقت الشهادة و ثبت جسدها ، لم تتحرك عيناها و هي تنظر الي خالد، قبل خالد يدها و اغلق عينيها و غطي جسدها، و احتضنها

دبل وجه خالد بشكل ملحوظ، و كأن ملامحه موجهة الي الاسفل، خرج و ذهب الي رؤوف و نظر اليه نظرة فهمها رؤوف، انهارت اختها و هرع ابوها الي الغرفة، الوضع مأساوي، الجميع يبكي، كنا خلف الكاميرا في اشد اوضاع الانهيار، قد خطفت رؤي المشهد بموتها، كانت جميلة اقسم ان ملامحها كانت ملائكية نطقت الشهادة، و غادرت غادرت الي الابد، بالطبع في اقل من ساعة كان الاقارب حاضرون و كنا كذلك ، خالد كان بالداخل يحضر الغسل، و الجميع في الخارج يتهامسون عن حقيقة وجود خالد، الرجال يتحدثون بغضب، و النساء يتكايدون، البعض يقول ان رؤوف تركه من باب الواجب، و البعض يقول انه اتي غصبا.

الجميع ادرك ماذا اتي به عندما خرج النعش و كان خالد في المقدمة يحمله و خلفه ابوها و ابناء عمها، كان خالد الامام في صلاة الجنازة التي كانت تصلي و كأننا في مسجد ملئ بالمنافقون، اكاد اجزم ان بعض الحاضرين لا يعرفون كيف تصلي

رفض خالد ادخالها سيارة تكريم الانسان، اراد ان تكون جنازتها مشيا

شارك زياد في حمل النعش كما شارك اقارب رؤي، مشهد رجال الاعمال يطفئ حلاوة جنازتها التي و رغم ابتعاد المسافة عن المقابر سارت بشكل سريع جدا، دخل خالد و التربي و رؤي و خرج من دون رؤي، ان نظرنا الي المشهد بشكل اوسع و اوضح سنجد ان ليس هناك احد ليخطب في الناس الخطبة المعهودة عند الدفن.

كان ذهن خالد شاردا و بصره متوجه الي قبرها... غادر الجميع و بقينا مع خالد، كان الموقف لا تهونه عبارات، لقد تنبأ خالد بوفاتها و ها هو الان حقق نبوأته، دائما ما كانت الجنازات هي الجزء المفضل لخالد في الروايات لكن ليس الان.

التفت الينا خالد و اشار لنا ان نعود، هاتفه يرن ولا يتوقف، بالتأكيد هم اهله يسألون عن سبب دفن رؤي في مقابرهم، ليس الزمان المناسب.

عدنا الي البيت و جلسنا كلنا صامتين ننتظر، بالتأكيد سنؤجل او سنلغي من الاساس

جلسنا في صمت ننتظر ماذا سنفعل حتي قاطعت سهيلة الصمت

س: طب اية هنعمل اية دلوقتي

صمتنا لثواني ننظر الي بعضنا

خ: هنكمل

تحولت الانظار الي خالد في صدمة، رد غريب و متوقع

قالت شروق

ش: انت متأكد؟

اكمل خالد دون ان يلتفت الي احد

خ: رحمة و حبيبة خدوا معاد، بس ميكنوش في نفس اليوم، النهاردة هنوقف من بكرا هنكمل...دلوقتي اعملوا الي انتوا عايزينه

ثم خرج من الغرفة، من المتوقع انه ذهب لينام.

غدا يوم الامساك بالقذيفة داخل المدفع، اما ان تقتلنا او نزيحها.

© Khaled Taha,
книга «بعد الخمس سنوات».
Коментарі