الذكرى الأولى
الذكرى الثانية
الذكرى الثالثة
الذكرى الرابعة
الذكرى الخامسة
الذكرى السادسة
الذكرى الأخيرة
الذكرى الرابعة

-

خرجت كايت من منزلها وهى ترتدى معطفها الأسود كالعادة. لم يكن الجو شديد البرودة فى صباح يوم الأثنين بل العكس، لقد كانت أشعة الشمس تعم المكان وهذا نوعاً ما قد ضايق كايت. لم يفهم أحد يوماً سر كره كايت لـالشمس. هى حتى تلعنها فى سرها أحياناً.
تجاهلت ذلک ثم توجهت مشياً نحو مكتبة الحى حيث تعمل صديقتها المقربة والوحيدة ' مارسيلا '
لم تكن كايت من محبى الجو الصباحى. لم تكن تعلم لما أجواء الصباح تزعجها بتلک الطريقة. حتى أنها دائماً ما تتجنب الخروج نهاراً وتفضل قضاء معظم وقتها ليلاً. ربما هى حقاً مصابة بـ ' متلازمة النيكتوفيليا أو متلازمة حُب الليل ' كما أخبرها البعض.
مرت دقائق وهى على نفس ذلک الإنزعاج حتى وصلت لوجهتها. دلفت بهدوء لداخل المكتبة حيث وجدت صديقتها تقف أمام أحدى الرفوف تقوم بترتيب الكُتب فى أماكنها الخاصة.
" مرحباً سيلا. "
هتفت بها كايت وهى تتجه نحو صديقتها. أبتسمت مارسيلا بلطف حين رأت صديقتها عاشقة الليل.
" أخيراً قد خرجتِ من كهفکِ المظلم ذلک. بدأت أشک فى رؤيتکِ مجدداً يا فتاة. "
ردت سيلا بسخرية. قلبت كايت عينيها بلامبالاة لحديث صديقتها المعتاد. لفت إنتباهها ذلک الصندوق القابع بجانب سيلا. تقدمت نحوه ثم أردفت وهى تتفحصه
" مجموعة جديدة إذن. "
أؤمئت مارسيلا لها ثم هتفت
" نعم لقد وصلت هذا الصباح وأظن أن هناک البعض قد يعجبکِ. "
ظلت كايت تتفحص محتوى الصندوق وبالفعل كما قالت سيلا قد وجدت بعض الكُتب التى أعجبت بمحتواها. لفت نظرها ذلک الكتاب ذو الغلاف الأسود مع تلک العبارة الذى زينت أعلى الغلاف باللون الأحمر القاتم ' الحُب لا مفر منه. "
قلبت الكتاب ثم قرأت محتواه بهمس
" ليس بالضرورة أن يكون لکل شئ منطق، فـ الحُب ليس له منطق والعشق ليس له حدود. أما الجنون فـ هو السبيل الوحيد للنجاة من دوامة الحُب. الحُب ما هو إلا مشاعر قد لا يستوعبها البعض وقد لا يستطيع وصفها البعض الأخر. فـ بالنهاية، الحُب يشبه المعجزات التى قد تُعيد المرء للحياة مرة أخرى بعد العديد من الخيبات والهزائم المريعة.. لكن إذا ألقيت نظرة عميقة لـلأمر ستدرک أن الحُب هو الحياة للقلوب الميتة. "

لوهلة شعرت وكأن كل شئ قد توقف من حولها. لسببٍ مجهول أحبت كايت هذا الكتاب، لهذا قررت أستعارته وبشدة. قامت بوضعه أعلى الكُتب التى أعجبتها ثم توجهت نحو الحاسوب لتسجل أنها قد أستعارتهم كما علمتها مارسيلا.
بينما كانت كايت مشغولة بتسجيل الكُتب، تقدمت سيلا وتفحصت ما أستعارته كايت كالعادة.
" لم ولن أفهم سر حبکِ الشديد للكُتب كايت. "
أردفت سيلا بعد مدة من الصمت لتبعد كايت عينيها عن الحاسوب للحظة وهى تبتسم بخفه ثم عادت لتسجيل الكُتب وهى تعلم تماماً حديث صديقتها.
" أعنى حقاً هل تؤمنين بكل تلک الخرافات التى بداخلها.. شخصياً أنا أرى أن كل تلک الروايات والكُتب ما هى إلا وسيلة لتبعد المرء عن واقعه لا أكثر. حتى أن السبب الرئيسى وراء عملى هنا هو أصرار جدى على العمل معه. "
أبتسمت كايت بخفه ثم أردفت
" ربما هى فعلاً كما ترين، لكن بطريقة مختلفة. القراءة لم تكن أبداً وسيلة لنشر الخرفات، بل هى طريق نحو عالمٍ أخر. عالم لا يعلم عنه أصحاب العقول الفارغة أو كما أسميهم أنا ' أصحاب الخيال المحدود '. قد تكون رواية قادرة على وصف حياة شخصاً ما فى مكان ما أو ربما حتى تمثله. القراءة هى رمز لـلإختلاف. هى علامة للتميز والتألق. هى حتى تعبر عن هؤلاء الذين قد نبذهم العالم. القراءة تشبه تماماً السحر الأسود، ما أن تدمنها حتى يصعب التخلص منها. "
قلبت سيلا عينها بقلة حيلة ثم أردفت
" لن أستطيع أبداً إستيعاب ذلک الشئ الذى بداخل رأسکِ. "
قهقهت كايت بخفه ثم أنهت تسجيل ما قامت بإستعارته لتنهض بعدها وتساعد سيلا فى ترتيب باقى الكُتب.

-

" لحظت مؤخراً بأن رسائل متابعينکِ دائماً ما تذكرنى بشخصٍ ما. شخص أعتاد أن يكون جزءاً من حياتکِ كايت. "
أردفت سيلا وهى تجلس فى منتزة الحى مع كايت بعد إنتهاء عملها. تغيرت ملامح كايت نحو الحُزن فور ذكرها للمجهول خاصتها للحظات ثم تبدلت تماماً نحو البرود.
" حقاً لا أود الخوض فى هذه المحادثة. "
همست بها كايت وهى تنظر أمامها ببرود.
" فقط أريد أن أعلم إلى متى ستظلين هكذا. كايت أنه يعانى بسببکِ كل يوم. تجاهلکِ له يضعفه أكثر يوماً بعد يوم. أعلم بأنکِ تتجاهلين إتصالاته ورسائله، لكن إلى متى كايت؟. ها أخبرينى متى ستتوقفين عن كل ذلک العناد وتتحدثين إليه. جاستن يوشک على الإنهيار بسببکِ كايت وهذا سئ للغايه. "
نظرت لها كايت مطولاً ثم أردفت وهى تنهض
" إلى اللقاء مارسيلا. "
إبتعدت كايت عن سيلا ثم رحلت نحو منزلها. ظلت طوال الطريق تفكر به وبـحديث سيلا. لم تفهم لما لم تستطع نسيانه أو حتى تخطيه. كل أنش بتلک المدينة يذكرها به، وكأنه أقسم أن يذكرها به أينما كانت. تنهدت بتعب حين زاد ألم رأسها.
أخيراً وصلت لمنزلها لتدلف للداخل بجسدٍ مرهق. صعدت نحو غرفتها وهى تحمل الكُتب بين يديها ثم دلفت للداخل. قامت بوضع الكُتب على المكتب ثم قررت الإستحمام لتتخلص من ألم رأسها أو ربما لتتخلص من ألم ذكرياته.

-

ها هى تجلس على سريرها وبين يديها ذلک الكتاب ذو الغلاف الأسود ' الحُب لا مفر منه. '
مضت ساعات منذ أن بدأت فى قرأته. هى حتى لم تشعر بمرور الوقت. كل ما كان يشغلها هو محتوى هذا الكتاب، منذ أن قرأت أول جملة وهى تعلقت به.
' الحُب هو المخرج من اللاوجود إلى الوجود. '
كانت تلک العبارة تُزين أولى صفحات الكتاب، ومن هنا فقدت كايت الشعور بما حولها.
حديثها عن هذا الغريب جذب كايت بشكلٍ غريب. شعرت لوهلة وكأنها بطلة تلک القصة. شعرت وكأن الكتاب يصف حالتها.
عادت لتقرأ باقى الصفحات بشغف وكأنها تنتظر حلاً ما فى نهاية هذا الكتاب.
' بالنسبة لى، هو لم يكن مجرد شخص. مازلت لا أرى سوى وعوده النقية، وإبتسامته الهادئة، وقلبه الدافء ونظراته العميقة. رغم كل شئ، إلا أن قلبى مازال يشعر به وبحُزنه. يشعر بآلامه ويرى بوضوح ندبات روحه. الأمر لم يعد بإستطاعتى، فـ أنا غير قادرة عن الإبتعاد عنه. أشعر وكأنى أصبحت مقيدة به. حتى أنى لا أستطيع التوقف عن التفكير به ولا أستطيع وضع حد لذلک. كلانا أظهر عيوبه للأخر، وكلانا تقبلها بلا تردد. وكلانا يعى تماماً أننا معاً حتى لو أفترقنا لوهلة. '
تسألت كايت حينها، لما شعرت وكأن كلمات ذلک الكتاب لامست وتراً حساساً بالنسبة لها. هى كرهت أن تلک الكلمات تذكرها بـجاستن، ولكنها أحبتها أيضاً.
أخرجها من دوامة تفكيرها صوت رنين هاتفها. تركت الكتاب بجانبها ثم أمسكت الهاتف لتجد أنه ' صاحب الأعين العسلية خاصتها. ' مجدداً لو لنقل للمرة المليون.
تنهدت بـحُزن وهى تترک الهاتف ثم توجهت نحو الشرفة لتستنشق بعض الهواء.. لكن هذه الحياة لا تريد الكف عن العناد معها. نظرت بعينيها خارجاً لتجده يقف أمام منزلها، يحدق بشرفتها، يحمل هاتفه بـيده.
تقابلت عينيه الحزينة بـخاصتها المضطربة. أستطاعت حينها رؤية كم هو هشُ الأن. رأت كم هو وحيد ونادم ويحتاج إليها. كان يقف أمام منزلها فى منتصف الليل حيث كان الجو شديد البرودة ک مشاعرها تماماً. لم تشعر بنفسها إلا وهى تتجه نحو باب منزلها. فتحته بخفه ثم تقدمت منه وأمسكت يده الباردة مقارنة بـخاصتها، لتخرج تلک الكلمات بتلقائية دون إرادة منها..
' تعالى معى للداخل، ستصاب بالبرد هكذا. '

© Hate_XJ,
книга «Midnight Conversations _ محادثات منتصف الليل».
الذكرى الخامسة
Коментарі