الفلسفة والحياة
طبيعة المشكلة
فن التأقلم
أهمية الروحانيات
أهمية الروحانيات
الإنسان في حياته يحتاج الى إمعان النظر في ماحوله وذلك عن طريق الإستغراق في التفكير عند تحليل مشكلة شخصية أو عملية دون الإنفصال عن الواقع ودون نسج فكرة بمعزل عنه، بل إنه ينطلق من الواقع متجاوزًا إياه ثم يعود إليه مرة أخرى ليقيمه، وأيضًا يحتاج الإنسان إلى إمعان النظر في داخله وذلك ليس بالإنتقاد بل بالنقد الذاتي لسلوكه بشكل مستمر بهدف تنظيم أفكاره وذلك عن طريق البحث عن الروابط العاطفية التي تدفعه الى التفكير، وتفسير تصرفاته بتصنيفها ثم الإعتراف بالخطأ واقرار الصواب، فالتأمل الفلسفي متصلة بالعالم الخارجي والتأمل الروحاني متصلة  بالذات،  الفلسفة تقوم على الإيمان بأن ماهية الإنسان وثروته الحقيقية لا تكمن في إشباع الحاجات الضرورية، بل في قدراته على رؤية الموجود، كل ماهو موجود، وليست الفلسفات الكبرى سوى مجموعة التجارب الكبرى عن الوجود في كليته، وإن حياة التأمل والنظر ليست حياة بشرية خالصة وإنما هي شيء يسمو فوق البشرية، لأن الإنسان في نفسه شيئًا يفوق الإنسان، بقدر ماينغمس في أعماق الواقع اليوم بقدر مايرتفع فوقه ليراه في كليته.

يقول الدكتور أنتوني جاك من مختبر الدماغ والعقل والوعي بجامعة كيس ويسترن ريزيرف : "امتلاك نوع من الاعتقاد الروحي يرتبط بكونك أكثر تكيفًا نفسيًا ، وبأن تكون أكثر صحة جسديًا"، ويقول: "قد تعزز بعض الممارسات الايمانية أذهاننا المتعاطفة في بعض الحالات بينما قد يعزز البعض الآخر عقولنا التحليلية" ويقول نيوبيرج: "بالنسبة لأولئك الأفراد الذين يريدون السير في طريق الجدل بأن جميع تجاربنا الروحية ليست أكثر من ظواهر بيولوجية ، فإن بعض هذه البيانات تدعم هذا النوع من الاستنتاج، لكن البيانات أيضًا لا تلغي بشكل خاص فكرة وجود حضور روحي في العالم."  وهنا تظهر فكرة (التوازن الفلسفي للفرد)، للوصول الى حياة طيبة، فأنت غير ملزم بفلسفة مدرسة معينة وبتبني جميع أفكارها أو بتبني مجمل أفكار فيلسوف معين.

في حياتنا الشخصية أو العملية تكون الفلسفة عبارة عن موقف فكري بطابع مُجرد او توجه نحو التكيف المدروس وذلك عن طريق سبل ثلاثة، إما بتبني نمط إجتماعي أو ثقافي أو إداري ما،  أو عن سبيل مقاطعة نوع معين من الأنماط وبالتحفظ منها، أو بالتعديل على النمط،  فالتفكير الفلسفي أساسه الحوار مع الذات مرة ومع الآخر مرات، فهو يسلم صاحبه بداية بأن الحقيقة حمالة أوجه وأن الوجه الواحد الذي يعجبني منها ليس هو دائمًا الوجه الأفضل للحقيقة وأن لكل وجه آخر من وجوهها مجاله ووجهاته، فيدفعك إلى البحث في جميع جوانب الموقف الإجتماعي أو الإداري وتناول جميع تصورات أطراف الموقف وملاحظة الفرق بين ميزان حكمك وحكمهم والبحث في سبب وجود الفروقات، إن الإحاطه بموضوع ما وجذوره وأسبابه وعواقبه ووجود ارتباطه مع موضوعات أخرى تجعل المرء يتحلى بالمرونة الذهنية، التي توجد للإنسان مساحات للحركة يوازن فيها الخير والشر وأنواع الخير وأنواع الشر؛ فيحاول من خلالها النفاذ إلى تحقيق خير الخيرين، ودفع شر الشرين، كما يحدد بها علاقته بذلك الموضوع، ومايمكن تجاوزه منه، ومالا يمكن.
© محمد بن سعيد,
книга «الحياة الطيِّبة».
Коментарі