الفلسفة والحياة
طبيعة المشكلة
فن التأقلم
أهمية الروحانيات
الفلسفة والحياة
الإنسان مفطور على حب الاستطلاع، وهذه الرغبة المتأصلة في أعماق نفسه لا تستأصل، وهي دافع قوي يقوى بنمو العقل، ويحمل على تطلب معرفة الحقائق الكبرى الأساسية لهذا الوجود وتلك الحياة، وعلى البحث في علل الأشياء وعلاقة بعضها ببعض، وبشكل عام هذا ما دعا الإنسان أن يتفلسف، أحس من نفسه الجهل بالشيء فنظر ففكر؛ فاعتقد الحق فيما رأى، وليس ما يعتقده الإنسان بعد البحث حقًّا مقصورًا على التأمل العقيم، بل غاية هذا التأمل أن يُستخدم في الحياة العملية، والواقع أن وجود الأشياء ذاتها وتغير أحوالها، وفناء بعضها وخروج البعض الآخر إلى الوجود، يدعو الى النظر والتأمل قاصدًا في النهاية معرفة الحقائق والغايات والقيم فيما يتعلق بالأشياء والإنسان، للباحثين طرائق متعددة في تقسيم الفلسفة، فبعضهم يقسمها باعتبار الغاية منها إلى فلسفة نظرية غايتها المعرفة والعلم فحسب، هنا الفلسفة لا تسمح بأن تُستخدم لهدف غريب عنها؛ لأنها هي نفسها هدف بذاته، إنها معرفة حرة لا معرفة نافعة، وهناك فلسفة عملية غايتها العمل والعلم وسيلة لها.

التفكير الفلسفي يجعلنا قادرين على عمارة الأرض وتطوير حياتنا اليومية عليها بشتى الصور، هذا التفكير يتميز بالإستقلالية ويتمتع صاحبه بالحرية المطلقة في التأمل والتعبير عما يجول بعقله من أفكار حول أي موضوع وقع عليه تأمله واستهدف كشف حقيقته، ففعل التفلسف هو الفعل العقلي الذي يخلص الإنسان من العمى والجهل، فالإنسان يمارس فيه حريته العقلية ويجرب من خلاله إنسانيته الحقة وكل شخص منا مارس التأمل العقلي بدرجات متفاوته لتحليل مشكلاته والوصول الى حلول.

هناك ضروريات للتفكير الفلسفي اما ان تكون  (الدهشة/العجب) كما قال افلاطون: "انما الناس أينما وجدوا طلبوا الفلسفة بدافع من عجبهم" ،فالدهشة انفعال عقلي وربما هزة وجدانية شديدة، يقف العقل مذهولا أمام شيء ما غير مألوف أو خارق للعادة، والوقوف مذهولًا هنا لا يعني غياب العقل أو ذهابه لأن الدهشة هي في المقام الأول فعل عقلي، فالدهشة تكون مصحوبة بوعي بالجهل، وهذه الدهشة الواعية بالجهل إنما نهايتها أن نمارس المعرفة من أجل المعرفة، وهي في ذات الوقت تستبعد أن تكون الأغراض العملية أو تحقيق أي أهداف مادية هو غرض فعل التفلسف؛ فالفلسفة ليست صناعة تحقق من ورائها أغراض مادية، بل هي دهشة إزاء العالم وظواهره، واما ان يكون الباعث على الفلسفة هو (الشك) ولا يمكن أن يكون هناك فكر فلسفي بمعنى الكلمة دون أن يكون هناك شك منهجي من الأساس، والشاك هنا يتوقف عادة عن الحكم على صحة أي النقيضين ويتردد بينهما، وهذا  التردد الذي يبدو عليه الشاك لا يعني أنه جاهل بالموضوع، بل هي محاولة الوصول الى فهم عميق لترجيح الرأي الأصوب الى حقيقة الموضوع، ومن الممكن أن يكون الحافز الذي يدفع  الإنسان الى النظر الفلسفي هو (الشعور بالمواقف النهائية) كما يرى كارل يسبرز أن ثمة مواقف تبقى كما هي في جوهرها حتى وإن تغير مظهرها، أي يجب أن يعي الإنسان بمصيره وشعوره بضعفه وعجزه، فطالما كان الإنسان مستغرقًا في الشك متخذًا من طريقًا إلى المطلق، فإنه يكون مغمورًا بالأشياء مشغولًا بها عن التفكير في ذاته وغايته وسعادته وخلاصه، فقد عقل عن ذاته وارتضى هذه المعرفة بالعالم مكتفيًا بها، ثم يتغير هذا الوضع من أساسه عندما يشعر الإنسان بذاته في المواقف.
© محمد بن سعيد,
книга «الحياة الطيِّبة».
طبيعة المشكلة
Коментарі