مدينة الأفق
هل هذا حلم
هل هذا حلم


ᴴᵉʳ ʷᵉ ᵍᵒ..
𖤓

𖤛𖤛𖤛

"حلم!..، إنهُ مجردُ حلم !".

إرتفعت يداي إلى الأعلى ، غير مستوعبةٍ لما يحدثُ من حولي ، أشعرُ بالغرابةِ و الخوفِ ! ، أينَ أنا ؟!.

تحسستُ أعلى رأسي ، شرائحُ ملتصقةٌ بقوةٍ ، و هناكَ إِبَرٌ في أعلى كتفي ، ساقيّ مثبتتان بمعدنٍ صلب ، كيفَ حدث هذا ! ، كيفَ و صلتُ إلى هذا المختبر !.

استقمتُ من على السرير الخشن ، إستطعت إنتزاع الإبر من على كتفيّ ، شعورُ الخوف و التأهبُ للمجهول ، يسري كسريان الدم في أوردتي ، ..
سمعتُ خطواتٍ واضحة ، و لكنها بعيدة ، تخطوا بسرعة ، إمتدت يداي إلى المعدن الذي يثبتُ ساقي ، على شكلِ أسطوانةً عمودية ، إشتدت عضلاتُ ذراعي ، و أنا أفلقُ المعدنَ إلى جانبيّ ساقي اليمنى ، ثم اليسرى ، حركتهما قليلاً ، أنزلتهما إلى الأرضِ الباردة .

واجهتُ صعوبةً في المشي بدايةً، أمسكتُ بعمودٍ أسطواني مفرغٌ من الداخل و على جوانبه الداخلية شفراتٌ مسنَنةٌ حادة ، ..أخترقت راحة يدي ؛ حيث ضغطتُ بقوة عليها ، إنتزعت يدي ، أحكمت قبضتي أعتصرها ، لأخفف الألم الحاد أغمضتُ عيناي بشدةٍ ثم فتحتهما ،
بهتت ملامحي عندما اختفى الجرحُ من راحةِ يدي اليمنى و اصطبغت بحمرةٍ ، طفيفة .

اضاءة المختبرِ باهتةٌ ، و هواءٌ بارد يلفحُ مؤخرةُ عنقي ، ..

"شعري .. ؟!، شعري قصير ! ".

تنفسي بات ثقيلاً و سط المحيط البارد من حولي ، من غيرِ المنطقي أن يكونَ شعري بهذا القصر ، مع علمي بأني أعتني به بحرصٍ ، و طولهُ يصل لمنتصف عمودي الفقاري !.

تحركتُ بحذرٍ شديد ، متحسسةً من حولي ، و صلتُ إلى مقدمة السرير ، خَطفت نظري لوحةٌ مثبة ، بحديدتين ، عمودتين ، تحتوي على بياناتٍ و صورةٍ على الجانب الأيسر ، تفحصتها بنظري ، لفتَ نظري ، اسم "التجربة سبعة " ، ..
و بخطٍ رفيع ، كتب اسمي (أروى) ، بيانات كثيرة عن حياتي الشخصية ، أصابتني بالدهشة ، و الرهبة من الذي كتبها ، ثم صفاتٌ غريبة :

سرعةٌ كبيرة
خلايا متطورة
إدراكٌ مرتفع
حواسٌ خارقة
تنظيم الحرارة في الجسم .
و ما إلى ذلك ، و صورةٌ لفتاةٍ يافعة ، شعرٌ أسود قاتمٌ قصير ، يصل لأسفل أذنيها ، بشرةٌ حنطيةٌ ، صافية ، و عينان تحملان لونً مشعاً يجذبُ النظر ،
كَإشعاع أعينُ القطط في الليل .




كنتُ منبهرةً ، للغاية ، و لوهلةٍ إنتابني شعورٌ أنها أنا !.

"القطةُ ، قد صحت !".

إستدرتُ بسرعةٍ ، إلى مصدرِ الصوت ، الذي إنفتح و ولج ضوءٌ ساطع إلى المختبر ، تقدم رجلٌ ممتلئُ الجثةِ ، يرتدي معطف المختبر الواسع ، يحملُ في يدهِ مسدساً صغيراً ، قد يكون محشواً بإبرةٍ من نوعٍ ما ! ،
يتقدمُ خطوةً ، خطوةْ إليَّ ، أصابتني بالهلعُ و أنا أرتدُ إلى الخلف في حركةٍ تلقائية حتى لامستُ حافةً ملساء مستوية ، بدت كطاولةٍ مثبة في الجدار ، مددتُ يدي إلى الوراء ، ما زال الرجل البدين يتقدم

إعتلت ملامحُهُ الألم الشديد ؛ صَوبتُ إبرةً حادة الطرف ، أعلى كتفهِ ، قرب رقبته ، تنافرت الدماء ، تجري بسرعة ، .. اسقط المسدس ، و تشتت نظراتهُ .

أنتهزتُ الفرصة ، و حركتُ ساقي أعدو إلى الخارج ، ألتفتُ إلى البابِ المفتوحِ ، وَصَلَ إلى مسامعي صراخَ الرجل البدين شاتماً ، زدتُ من سرعةِ جري ، حتى أصبحت ساقيّ تجريان لوحدهما ، عبر الممرِ الطويل المستقيم .

ألتقطُ أنفاسي ، ملتصقةً بالجدارِ الجانبي لأحدِ الأروقةِ ، بعدَ أن أنحرفتُ عن الممر المستقيم ، .. الأرضيةُ تحملُ أنعكاسي ، دققتُ النظر ، و كتمتُ شهقةً قبلَ أن تخرجَ لأبتلعها إلى الداخلِ ،
قلت بدهشةٍ عظيمة لنفسي :" يا إلهي ، لقد كنت أنا ، لقد توقعتُ هذا !!".

قاطعَ تأملي لشكلي الجديد ، صوتٌ يبثُ عبرَ مكبراتِ الصوت ، يقول في جفاءٍ شديد و صرامةٍ في الآنِ نفسهِ :" نداءٌ إلى جميعِ الأقسام التجربة سبعة قد هربت ، نداءٌ إلى جميع الأقسام التجربة سبعة قد هربت ، يرجى الإمساكُ بها !".

أصبحت حرارةُ جسمي لا تطاق ، إنزلقتُ إلى الأرضِ ، بدأت حباتُ العرق تتشكلُ بغزارةٍ شديدة ، أعلى جبيني ، و الصوت يعاد في أسطوانةٍ مسجلة ، .. خطواتُ الأقدامِ من بعيد ، و أرجحُ كونها في بدايةِ الممر الطويل المستقيم ، حاسةُ السمع تطورت في ظرفِ دقائق قليلة ، هناك أصواتُ همهماتٍ لا أستطيعُ تحديدَ ما هيتها ، خربشات ، و طقطقات ، ..
شهقتُ بقوةٍ ، أتنفسُ أكثرَ كميةٍ من الأكسجين ، لِرئتي ، و تدريجياً بدأت الحرارةُ بِالأنخفاض ، و العودة إلى الطبيعية ؛ و حدث كل هذا في ظرفِ دقائق .

أستجمعتُ شتات نفسي ، و وقفت على ساقي ، تمشيت في وتيرةٍ بطيئة ، مكانٌ غريب ، شبكةٌ من الممرات و الأبواب نسجت بحترافية ، .. لا يقابل سوى أبوابٍ أتوماتيكية ، -و كما أعتقد - مشددةٌ بالحراسة عبر رتاجٍ إلكتروني ،
و لكن .. السؤالُ الأهم ! ، لماذا أتواجد هنا ؟! ..،
ما الغاية من وجودي ، شكلي ، و حتى بنيتي الجسدية مختلفةٌ عن السابق، .. أشعرُ بالسلاسةِ في المشي ، الحواسُ أكثرُ فَعّالية ؛ كأنما كانت محدودة الأستخدام ، و الأن فُعلتْ لما لا حدودَ لهُ !!، ..
مدينةُ الأفقِ ، أمي ، الطلاب ، و شادي ، و الجميع !!، ماذا حصل لهم ؟!.

"يا إلهي ! ".
إحدى تلكَ الأبواب مفتوحةٌ ، و لسببٍ مجهول ، أختفت أصواتُ الأقدامِ ، و أختفت كلُ تلكَ الأصواتِ من الوجودِ !.

على بعدِ مترين داخل تلكَ الغرفة المظلمة صاحَ صوتٌ ثخين ، يستنجدُ ، تقدمتُ إلى الداخلِ ، ليتبين مختبرٌ ، مشابهٌ لما كنتُ فيه ، أتكأ بظهره على الطاولة المثبة على الجدار ، جسدٌ متوشِحٌ بمعطف المختبر الواسع ، و الأبيض ، يتحركُ بصعوبةٍ ، و يخرجُ صوته ثخين ، بقعُ دم ، أسفله ، تقدمتُ منه بحذر ، و أستندت على ركبتي ، أتفحصه بعيني ، بقع الدم رطبةٌ ، عيناه مغلقتان ، و تنفسه ثقيل ، .. حركةٌ خفية تأتي من آخر المختبرِ ،
و قفتُ على ساقي ، مشيتُ ببطئٍ و حذر ، ثم ناديتُ بصوتٍ مرتفع ،

"هل من أحدٍ هناك ؟!" .
لا رد على السؤال ، مضت عدت دقائق بدت كالدهرِ ، أترقبُ بحذرٍ الظلام ، و لا يسمعُ صوتٌ سوى أصوات زفير و شهيق ، ذلك الرجل ، و الشخص المختبئ .

.. إلى الأن ، لم أقم بخطوةٍ جريئة ، تبدد الظلام عن ذلك الشخص ، ليظهر بصورةٍ واضحة ، بثت الريبة و الحذر ، .. تقدم أكثر ، و كلُ خطوةٍ تأخذُ وقعاً غريباً عن الأخرى ، .. قطعَ الضوءُ المتسللُ من الممر إلى المختبر ، ليقسم الشخص إلى جزئين ، جزءٌ يعبرهُ النور ، و جزءٌ مختبئٌ في الظلام ، و على يدهِ اليمنى ، عمودٌ أسطواني ، أنعكس الضوء على شفراته الداخلية المسننةِ و الحادة .

تحدثَ بصوتٍ أجش ، و أنفاسٍ متقطعة :"أنتِ...".
و كان يجثوا على ركبتيه ، و قطرات العرق تغسلُ و جههُ من الأعلى للأسفل ، تمكنت من رؤية شكله ، ضخم الجثة ، عريض المنكبين ، شعرٌ بنيٌ قصيرٌ ، مجعد ، رفع و جههُ المنكوس إلى الأسفل ، و حدجني بنظرةٍ غريبة ، يطلبُ بها شيئاً لم أستطع تبينهُ ، لشدةِ تشتُتي ارتكزت عيناهُ على الممر ،
عينان خضراوين ، تشعانِ قوةً ، صغيرةٌ و حادة ،
تمتمتُ أفكر :"لعلهُ يمرُ بما مررتُ بهِ!".

و بعدها بدقيقة ، و قف على ساقيه ، يمسكُ بالعمودِ الأسطواني ، نظرَ نظرةً أخيرة إلى جسد الرجل ، المتكئ ، و لا يزالُ يحاربُ الألمَ ،
قال بصوت نقيضَ نبرته الأولى :" علينا الهربَ ، الآن !" .
أبتلعتُ ريقي ، و فكرت بسرعةٍ في جملته خياران لا ثالث بينهما ، الذهابُ معهُ أو الهرب بمفردي !،
أحكمتُ قبضتي ، و قلتُ بثقةٍ :" فلنتحرك !" .

ثقةٌ عمياء حثتني بالذهاب معه دون أتخاذ أي قرار !،
مشى خارج الغرفة ممسكاً بالعمود الأسطواني ، من دون كلمةٍ ، مشيتُ خلفهُ ، إستدار برأسه؛ ليلقي نظرةً على الممر من الخلفِ ثم أستمر بالمشي .

بدأت معالمُ الممر بالتوسع ، ليقف حائلاً بيننا و بين الخارج جدارٌ سميك ،
تنهد بإنزعاج قال بصوتْ ساخرٍ مألوف :" ما يفصلُ بين الخروج من هذا المستودع سوى جدار ، و
لا نعلم ماذا نفعل ؟!".
و هرش شعره بإنزعاج ، مررتُ بصري على المكان ، و بينَ جدارين بارزين قصيرا الأمتداد صوبَ اليسار بابٌ بني اللون أشرتُ إليهِ ، و قلتُ :"هناكَ باب !".
و أسرعتُ أجري إليه ، فتحتهُ ، لتقابلني حجرةٌ واسعة رائحةُ المواد الطبية تفوحُ منها بغزارة ،
تقدمتُ وسط رفوف الصناديق المتكدسة و كتمتُ أنفي براحة يدي ،
آخرُ رواق الرفوف و الصناديق بابٌ ، يعبرُ الضوءُ من فتحةٍ تحتهُ ، أستدرتُ إليه ، و هو يمشي خلفي ، هززتُ رأسي نحو الباب .

مددتُ يدي ، إلى قفل الباب ، القديمَ ، أدرتهُ لتصدرَ تكةٌ خافته ، .. و على الجانب الآخر من الباب أنتقل إلى مسامعي هسهسةٌ واضحة ، أوقفني ، يمسكُ يدي ، ثم جرني خلفهُ و أزدادَ أمساكه بالعمود الأسطواني متأهباًو أحكمتُ قبضتي في استعداد .

.. سدد ضربةً بالعمود الأسطواني المسَنَنْ بالشفرات الحادة، إلى أولِ شخصٍ قابلناه لتخترقَ الشفرات جلدهُ في جبينهُ ، مباغتاً قبل أن يدركَ حتى ! ، و على بعد خمسة أمتار و قفَ زميلهُ ، يوجهُ فوهةَ مسدسٍ غريب الشكلِ لي ، مترددٌ في الإطلاق ؛ من حركة أنامله العشوائية ،
أنتهز صاحبي الفرصة ، و قفز إلى الرجل الطريح ، و الذي ينزف ، مما أثار خوف الرجل الآخر ليطلق بعشوائية ، دفقاتٍ زرقاء سريعة ، مرتْ قربَ ذراعي اليسرى كاشطةً جلدي ، صرختُ متألمة أتراجعُ إلى الوراء ، و أمسكُ مكان إصابتي ، تغللت الرمالُ الذهبية ، أصابع قدمي مدخلتاً سخونةً شديدةً إليها ، شددتُ من أسناني على بعضها ، لألمحهُ يمسك المسدس ، الغريب من غمده على خاصرة الرجل ، ثم يوجِهُه نحو الآخر ، الرجل المرتعب ، جحضت عيناه ، و رجحت الكفةُ لنا ، .. لم يكن على درايةٍ بكيفية عملهِ ، و جهَ أصابعهُ بعشوائية على أزراره ، ليتصلب الرجل ، عندما أخترقت دفقةٌ خرجت من المسدس -الغريب - لساقه اليسرى ، شلت حركته ثم سقط على الأرض يتلوى و يصرخُ من الألمِ !.

رمى العمودَ الأسطواني و تقدم مني ، قال يتفحصُ ذراعي المصابة بنظره :"ستكونُ بخير ".
فحصنا المنطقةَ حولنا ، .. أرضٌ رملية واسعة المدى ، أشعتُ الشمس ساطعةٌ بقوةٍ شديدة ، ثم على يمين الجدار المستندِ عليهِ ظلٌ غريب ، تقدم منه يتقصى ، .. سرت قشعريرةٌ على طولِ عمودي الفقري ، لسعاتٌ حارقة ، تتجاذبُ على ذراعي ، .. الرجلال مصاب بدى هادئاً ، يمسكُ بيدهِ جهاز أتصالٍ عن بعد ، و يتمتمُ بخفوتٍ ، مسموعٍ بالنسبة لي
:"إنهم هنا ، لقد أكلوا الطعم ، فلتسرعوا ، لقد أصابوا شريف في جبينه و هو ينزف ، أجل.. أصبتُ بدفقةِ ليزر في ساقي اليسرى ، إنهم يتقصون المكان ، .. أجل السيــ...".

جريتُ ، على الرمل الساخن ، لمحتهُ يعاين سيارةً غريبة ، ترتفعُ عن الأرض متراً ، عائمةً في الهواء ، لوحتُ لهُ بذراعي و قلتُ بصوتٍ مسموعٍ لهُ
: " إنهم آتون فلنسرع !".

إحتدت نظراتهُ توجهَ إلى باب السيارة فتحهُ بعنفٍ و ركبَ أسرعتُ خطواتي لأفتح الباب الآخر و أركب ، ناولني المسدس الغريب ، و شرح بكلماتٍ موجزة ، كيفية الأطلاق ، .. أنشغل بعدها ، في تشغيل المحرك ، تحسستُ الأصابة ، و كانت قد أختفت ، و بقت آثارُ حمرةٍ بسيطة ، ..
أدار المحرك ، لترتفعَ السيارةُ بضع سنتيمترات ، ثم تدور إلى الخلف ، داس على الدواسة ، لتنطلق بسرعةٍ ، على الرمل ، المحترق من الشمس ، ألقيتُ نظرةً للخلفِ ، لا أحد يتتبعنا .

صمتٌ ثقيل ، حط علينا ، تناثرت الرمالُ على الجانبين ، و سرعة السيارة تأخذُ بالقفز بين الكثبانِ الرملية ، مسحتُ دمعةً إنحدرت من عيني ، لاحظها ، و قال بلهجةٍ خافتةٍ أقرب لتأكيد
:"مدينة الأفق !".
أجبتهُ بسؤال :" من تكون ؟!".
رد الرجلُ مجهول الهوية :"شادي !".
لا أنكرُ تخميني ، لصوته الساخر ، و لكن شكلهُ بعيدٌ كلَ البعدِ عن شكلهِ المعتاد ، خللتُ أصابعي في شعري ، و قلتُ بقهرٍ و ضياع :" أينَ نحن ، أين كنا ، ما هذا المكان...؟!".
و ألفُ سؤالٍ ضاعَ ، معَ قولهِ :"أروى ..!".
صمتَ لحظاتٍ ،
و أردفَ :" نحنُ نِتاجُ تجربةٍ !".



إلى لقاءٍ قريب في الفصل الثالث
بإذن الله 🖤👏👏.
⁦(ノ◕ヮ◕)ノ*.✧⁩

© Papillon -,
книга «البدائل».
Коментарі