الْـمُـقَـدّمَـةُ
الْـفَـصْـلُ الأَوَّلُ
الْـفَـصْـلُ الـثَّـانِـي
الْـفَـصْـلُ الـثَّـالِـثُ
الْـفَـصْـلُ الـرَّابِـعُ
الْـخَـاتِـمَـةُ
الْـفَـصْـلُ الـثَّـالِـثُ
...

ربـمـا رؤيـة الأشـيـاء الـمـؤلـمـة بـلـون واحـد؛ أقـل إيلاماً و وقـعـاً عـلـى قـلـوبـنـا.

...

في السادس من أغسطس عام ١٩٤٥، أطلقت الولايات المتحدة الامريكية أول قنبلة نووية على مدينة هيروشيما، و كانت تسمى هذه القذيفة بـ (الولد الصغير)، و أسفر عنها مئة و أربعون ألف من الضحايا.

و في اليوم التالي أطلقوا القنبلة الثانية، التي أصابت ناجازاكي، و التي كانت تسمى بـ (الرجل البدين)، و أسفرت عن ما يقارب ثمانون ألف من الضحايا.

سبب إطلاق هذه القنابل النووية؛ هو رفض رئيس وزراء الإمبراطورية اليابانية (سوزوكي) للإستسلام، و الإنسحاب من الحرب العالمية الثانية، و التسليم بتفوق القوى الأمريكية...

كانت سالي تقرأ و الدمع يتكردس في مقلتيها، ألقت نظرة إلى الصورة المطبوعة بالأبيض و الأسود بجانب الفقرة لطفل ياباني، و قرأت ما كتبه المصور (جيود ونيل)، مُلتَقِطُها، أسفل الصورة:
‚‚ رأيت طفلاً بعمر العشر سنوات، قادماً إلى حيث نقف، كان حافي القدمين، يحمل رضيعاً على ظهره. و في تلك الأيام في اليابان كنا نرى الأطفال يلعبون مع أخوتهم على ظهورهم؛ لكن حالة هـٰذا الطفل كانت مختلفة، و توقعت أنه قادم إلى هـٰذا المكان لأمر جدي. كان رأس الطفل الرضيع متدلياً إلى الخلف و كأنه غارق في نوم عميق، و وقف الأخ الأكبر متسمراً في مكانه من خمس إلى عشر دقائق.
أخذ الرجال الذين كانوا يرتدون أقنعة بيضاء بالاقتراب من الطفل، و بدأوا يفكّون الحبل الذي يمسك بالرضيع، و حينها كان الرضيع ميتاً.
حمل الرجال جسد الرضيع ثم ألقوه في المحرقة بينما أخوه الأكبر واقف كالصخرة، ينظر بحرقة، و يعض شفته السفلى حتى سالت منها الدماء، و لهب النار يتطاير و ينثر بقايا جسد الأخ الأصغر. أدار الطفل رأسه و انسحب بعيداً بهدوء ،،

أكملت قراءة المكتوب، و عادت تنظر إلى الصورة؛ لتجد نفسها هناك. اتسعت عينيها و هي ترى الطفل و المصور و أصحاب الأقنعة البيضاء و المحرقة، استطاعت أن تشعر بحرارة اللهب المنبعثة منها، و اشتمت رائحة اللحم المحروق.

تسمرت في مكانها دهشةً، و هي ترى ما تحدث عنه المصور، لكن بألوان، حيث رأت الجنود يأخذون الرضيع الملطخ بالدماء، و يلقوا بجسده في النار لتلتهمه ألسنة اللهب الحمراء، و راقبت رد فعل الأخ الأكبر الهادئ و الحزين، الذي كان شكله يقطع القلب، فالصورة لم تبين من الألم إلا قليل، لم تبين تلك الكدمات الزرقاء و الخضراء و أخرى بنفسجية، التي تلطخت بها ما ظهر من بشرة الطفل، من ساقيه و يديه.

كان رؤية الأمر بالألوان، أكثر إيلاماً من رؤيتها بلون واحد. اقتربت سالي منه متأثرة، و لم تجد نفسها إلا وهي تعانقه و تبكي بحرقة...

أخرجها أليكس من هناك عندما سحبها لحضنه، و أخذ يربت على ظهرها، و يلقي كلماته المهدئة على مسامعها، و ما أن التمس سكونها، سألها بقلق:
«أ كل هذه الدموع بسبب هذه الصورة؟»

أجابت بانفعال:
«لو رأيتها كما فعلت أنا؛ لكانت ردة فعلك هكذا أيضاً»

ضغن حاجبيه باستفهام:
«كما رأيتها أنتِ؟، و كيف رأيتها؟»

حدقت فيه ملياً و فكرت بإخباره، لكن التزمت الصمت؛ خيفة من ردة فعله، و كلامه بأن قلبها ضعيف و لن يحتمل أشياء كهذه.

عندما طال صمتها، عاد يسأل بتوجس:
«ماذا هناك؟»

أومأت برأسها نافية، و أجابت:
«لا شيء، ربما أنا حساسة أكثر مما يجب»

هزّ الأب رأسه موافقاً على ما قالته، و تركها بعد أن دردش معها قليلاً بخصوص ما أتى لأجله سابقاً، و تكلم معها حول أخذها للمشفى في اليوم التالي للاطمئنان، رغم رفضها الشديد للأمر.

و عادت لتصفح الكتاب، تبحث عن الحرب العالمية الثانية...

...

يـتـبـع...


© Najma AL,
книга «الْـمُـنْـجِـدُ».
الْـفَـصْـلُ الـرَّابِـعُ
Коментарі