الأمير الملعون ينهض من جديد
الوافد الجديد
فيكتور المنقذ
أفضل مما توقعت
الأمير الملعون ينهض من جديد
ضوء الشمس الباهت، يمتد لداخل الأروقة الطويلة الواسعة، يترك خطه المائل على الجدران المزينة بأجمل اللوحات الفنية الضخمة، وصوت الموسيقا وغناء الأوبرا يتردد معطياً صدى رائع الجمال، جاعلاً كل فراغ في القصر يرن بدوي جميل وسحري، الثريات المصنوعة من الكريستال والمعلقة على طول السقف تكسر أشعة الشمس الملامسة لها وتجعلها متشعبة بألوان الطيق السبعة على طول الممر المكسو بالسجاد الأحمر وصولاً لغرفة الأمير

هناك ووراء الباب الخشبي الضخم، كان هناك شاب يافع في العشرين من العمر، يتكأ لكرسي بقماش أحمر وحواف ذهبية

مغمض العينين وفي يده كتاب قد وصل لصفحاته الأخيرة

بشعر أشقر ذهبي طويل ومجعد، وبشرة بيضاء ناصعة، فك محدد وذكوري، انف مستقيم وناعم، شفاه رقيقة وردية اللون، رموش تشبه سنابل القمح، عينان زرقاوان بزرقة بحيرة بايكال العذبة، وقامة ممشوقة وقوية ككل الروس

جلس الأمير فيكتور ابن بطرس الأول حاكم ولاية صغيرة في سبيريا التابعة لروسيا القيصرية، في مكتبته الضخمة التي تحمل صورة ضخمة لقيصر روسيا  الأكبر نيكولا الثاني

وقد  امتلأت  هذه المكتبة بصفوف متتالية من الكتب المتنوعة والتي تصل إلى السقف لكثرتها

ولحتى هذه اللحظة كان الأمير الصغير فيكتور قد قرأ معظمها

فالشتاء الروسي الطويل وخصوصاً في هذه البقعة من الأرض، يجعل من الكتاب أنيس الإنسان الوحيد، ضد الكئابة المطلقة التي يحملها الشتاء معه بثلوجه السميكةوليله الطويل

ورغم فساحة القصر وكثرة سكانه، إلا لأن الأمير كان يشعر بوحدة قاتلة تنهش روحه

الشخص الوحيد الذي يفهمه في هذا العالم، هو خادمه الشخصي فاسيلي، فوالده كان يقوم بغزوات لصالح القيصر الأكبر، ووالدته فارقت الحياة منذ سنوات طويلة، ولم يبقى منها سوى رسوم جدارية ضخمة معلقة في قاعة الرقص

وبما أن فيكتور الوريث الوحيد، كان والده يعتمد عليه بحماية القصر والشعب في كل مرة خرج فيها لغزو

فيكتور توسل والده مرات كثيرة، أن يخرج معه ولو في معركة واحدة أو مهمة واحدة، ولكن ذلك لم يحصل مطلقاً

بطرس كان خائفاً أن يفقد عائلته الوحيدة والتي هي ابنه، لذلك لم يجزه يوماً في أي معركة رغم براعته في المبارزة
كما انه آراد أن يبقى ابنه سالماً لحين تتويجه قيصراً لهذه الولاية

تنهد فيكتور بتعب، وهو يفتح عينيه التي دخلتهما ضوء الشمس، بعد أن غفا على كرسييه وهو يقرأ

ليتقدم فاسيلي ذو الخمسين عاماً من النافذة الكبيرة بصمت ويقوم بإغلاقها، فيتناثر الثلج الراكد على بتلات الورود المتجمدة  المزروعة حولها

ثم يقول بصوت هادئ ورتيب: هل استيقظت أيها القيصر الصغير؟

يتثائب الأمير وتتجمع بعض قطرات الدمع في زوايا عينيه

ومن رؤيته لانحراف الضوء عبر النافذة، علم فوراً أن المساء على وشك أن يحل، وأن المزيد من ساعات الملل قادمة في طريقها إليه

فيكتور: يبدو أنني غفوت كالعادة!

فاسيلي: تفضل الشاي يا سيدي

فيكتور: شكراً لك فاسيلي

فاسيلي: هل ترغب ببعض الكعك يا سيدي؟

فيكتور: لا يا فاسيلي شكراً لك، لا داعي للكعك

فيقول فاسيلي بنبرة قلق: لكن يا سيدي أنت لم تأكل أي شيئ منذ أيام....

فيكتور:  أنا فقط لم تعد لدي رغبة في الطعام هذه الأيام

فاسيلي: مازلت تحلم بتلك الأحلام؟

فيكتور: أكثر من ذي قبل يا فاسيلي، ، أكثر من ذي قبل!

فاسيلي: إنها تتعبك وتجعلك حزيناً ومهموماً يا سيدي

فيكتور: ليس الخطأ بما أحلم به يا فاسيلي، الخطأ بما أشتهيه، أحلامنا تجسد رغباتنا، وأنا أرغب بالرجال وأحلم بهم في نومي،وفي واقعي لا استطيع الحصول على أحدهم، وهذا ما يزيد اشمئزازي من نفسي

فاسيلي: إنه ليس خطأوك يا سيدي، إنها مشيئة الإله

فيكتور: هل تقتضي مشيئة الرب أن أكون ملعوناً هكذا يا فاسيلي؟ ألا تشعر بالقرف لأنك تخدم أميراً ملعوناً مقززاً؟

فاسيلي: سيدي، أنا وكل من في القصر، نفخر بكونك قيصرنا العزيز والغالي، ويؤسفني يا سيدي أن ترى نفسك بهذه الطريقة

فيكتور: قل لي يا فاسيلي، كيف لي أن اكمل حياتي وانا على هذه الحال؟

فاسيلي: ستبقى روحك تأن وتتوجع حتى تحصل على ما يشفيها ويؤنس وحدتها يا سيدي

يستقيم فيكتور في جلسته المسترخية ويعير كامل انتباهه لفاسيلي

فيكتور: هل تعني جسدي؟

فاسيلي: لو كان جسدك وحده من يحترق شوقاً ورغبة، لكنت أطفأت لهيبه بأي أحد على الفراش، لكنك لم تفعل ذلك قط، لذلك روحك هي من تعاني لا جسدك، وهذه الروح لن تهدأ حتى تجد خليلها!

فيكتور: وكيف عساي أن أجد من روحي بحاجة إليه يا فاسيلي، أنت تعلم جيداً أن أبي لا يسمح لي بالخروج من القصر!

فاسيلي: إذاً فلنحضر هذه الروح الجديدة إلى هنا يا سيدي

فيكتور: أنا أسمعك يا فاسيلي، يبدو كأن لديك خطة!

فاسيلي: إنه أنا يا سيدي!، سأخرج أنا للبحث عن من يناسب مقامك وأحضره لقصرك ليكون مؤنسك وصديقك

فيكتور: لا أستطيع هذا يا فاسيلي، ماذا عساي أن أقول لشعبي؟ ماذا سيقول شعبي عني لو عرف أنني أحب رجلاً بدلاً من امرأة؟، لا احد غيرك يعلم بسري يا فاسيلي فكيف لي أن أفضح نفسي؟ وكيف عساك تجد شخصاً مريضاً مثلي في هذا المكان؟ انظر حولك نحن في سيبيريا وبالكاد لدينا بشر هنا

فاسيلي: الأمر أسهل مما تحسبه يا سيدي، فلا أحد يمانع بأن يحصل شاب بعمرك على صديق يؤنس وحدته، ثم إننا سنأتي به إلى هنا بحجة قوية

فيكتور يقطب حاجبيه منماً عن عدم فهمه: ماذا تقصد يا فاسيلي؟

يبتسم فاسيلي ويفرد ذراعيه: انظر حولك يا سيدي، إنها مكتبتك

فيكتور: ما شأن مكتبتي بالأمر؟

فاسيلي: مكتبتك العظيمة هذه هي جهدك الشخصي في جمع أكثر الكتب ندرة وقيمة، وقد حققت ما عجز عنه الكثير من الأمراء، فهذه المكتبة تحوي من كنوز المعرفة ما قد يجعلها مستقطباً لأي طالب علم وباحث عن المعرفة

فيكتور: إذاً؟

فاسيلي: سنأتي لك بشاب صغير بعمرك تقريباً ليكون طالباً خاصاً في مكتبتك العظيمة هذه، وهذا سيبعد الشكوك عن حضرتك وستبعد روحك عن يأسها وضجرها

يفتح فيكتور عيناه على وسعهما ويتأمل في مكتبته، ثم يشعر فجأة ان هذه الخطة قد تنجح

فيكتور: فاسيلي، هذه عبقرية، فكرة رائعة، لكن............. ماذا لو علم هذا الفتى أننا فقط أحضرناه بسبب رغبتي الملعونة
ماذا لو لم يرغب بالاقتراب مني؟، ماذا لو شعر بالنفور والاشمئزاز؟

يبتسم فاسيلي في وجه فيكتور ابتسامة طمئنينة: لكل روح في هذه الحياة رفيق، ورفيق روحك في بقعة ما على هذه الأرض، دعنا فقط نحاول أن نبحث عنها

فيكتور: وإن لم............

فاسيلي: وإن لم نجدها في الشخص الذي أحضرناه، سنحضر غيره حتى تجتمع بمن يناسب مقامك يا سيدي!

ستجد ضالتك أيها القيصر، لذا لا تقلق

فيكتور: أنا أتمنى ذلك حقاً يا فاسيلي، أتمنى ذلك حقاً

فاسيلي: إذاً يا سيدي، إحرص على كتابة أمر بخط يدك، بحيث اذهب مع مرافقي لإحضار خيرة الشبان في الولاية

فيكتور: نعم يا فاسيلي، ابحث عنهم جميعاً وانتق لي أفضلهم

ينحني فيكتور: سمعاً وطاعةً أيها القيصر!

والآن هل انفتحت شهيتك لبعض الكعك؟

فيكتور: نعم كثيراً، في الواقع، أرغب بمائدة كبيرة من الطعام، وربما وعاء كبير من حساء البورش، أريد أن نتناول الطعام معاً يا فاسيلي، كي استطيع كتابة القرار بشكل مناسب

دعنا نقم بتنفيذه منذ الغد!

ينحني فاسيلي بأدب ويخرج من المكتبة كي يتوجه للمطبخ ويشرع في إخبار الطباخ بتحضير المائدة

أما فيكتور ،فقد شعر بقوة وسعادة كبيرين، جعلته يمتطي حصانه الأبيض الجميل ويركض به مسرعاً حول قصره الضخم ذو القبب الروسية العظيمة

مخاطباً نفسه "وأخيراً سأعرف شعور أن تلمس شخصاً تشتهيه"

"ومن يعرف، قد أشفى من لعنتي هذه" 

يتبع

فوت +كومنت











© القيصر KaisarAlzahabi,
книга «Frozen roses».
الوافد الجديد
Коментарі